البنتاجون يستقبل بترحاب قائد الجيش المصرى المارشال عبدالغنى الجمسى بعد حرب أكتوبر واستقبل بالسلام الأمريكى والسلام المصرى، ثم قدموا إلى القيادات العسكرية المصرية مسرحا للعمليات التى اشتركت فيها القوات الأمريكية، وأثناء وجودى فى واشنطن كنت فى مقر السفير أشرف غربال، الذى اتصل بالمشير الجمسى تليفونيا، وعلم منه وجودى لديه فى منزله فطلب المشير الاتصال بى، وقال لى لقد حاولت الاتصال بك فى باريس لنلتقى فى واشنطن، ولكن لم يكن لدينا حظ فأجبت عليه فورا أن الفرنسيين اخترعوا طائرة Concorde لكى يعبروا الرحلة من واشنطن إلى باريس فى ثلاث ساعات ونصف، وفعلا فى اليوم الثانى سافرت من نيويورك إلى باريس وأكملت بعدها الطريق من باريس إلى القاهرة وعند وصولى اتصلت فورا بالمشير الجمسى الذى هنأنى بسرعة الحركة.
المشير الجمسى دخل البنتاجون وكان المطلوب منه أن يعلق على كل عملية من عمليات التدخل كما لو كان الأمريكان يمتحنون الجمسى وكان الجميع منبهرين بتحليله.
واقترح القادة العسكريون الأمريكيون على المشير بصفته مديرا سابقا للعمليات العسكرية للجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر أن يقدم عرضا وأن يقدم استراتيجية قبل وأثناء الحرب.
واستقبل الجمسى بفندقه الملحق العسكرى أبوغزالة فى واشنطن وقد أعطانى هذا اللقاء فرصة أن أتبادل معه بعض الآراء حول مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية وكان أبوغزالة عقلا بالغ الذكاء وبروح مرحة، وكان لديه معرفة بممارسة ما يسمى الـLobbying وعرف كيف يتعامل مع أعضاء الشيوخ والنواب.
فى نقاش مع مدير المخابرات الأمريكية من خلال عشاء تم ترتيبه على شرف الجمسى، كنت أبحث عن مكانى على المائدة اكتشفت أن مكانى كان بجانب الأدميرال تيرنر مدير الـC.I.A ولما أفدت الجمسى بذلك ابتسم وقال لى «خد بالك من كلامك».
وقال لى Admiral Turner على سبيل الدعابة «لعلمك أنا الوحيد الذى يجهل عمل الجاسوسية..».
ولقد تعود أصدقاء أمريكا بعد ثورة ٥٢ وقبلها على العلاقات الطيبة وتعود السفير الأمريكى Caffrey أن يكون محاميا متحمسا لجمال عبدالناصر وكان الإعلام الأمريكى يصف أعضاء مجلس قيادة الثورة كمجموعة شباب معادين للشيوعية وعلى استعداد للتحالف مع الغرب.
وفى أثناء حرب ١٩٥٦ قرر الرئيس أيزنهاور إيقاف مساعدته لإسرائيل ليحتج على قدرة إسرائيل على تجاوز الحدود على مصر.
كما أنه احتج بقسوة على فرنسا وإنجلترا لمحاولتهما الاستيلاء على قناة السويس بالقوة.
ولكن فى هذه المرحلة بدأت العلاقات بين مصر وأمريكا تتدهور، وهنا بدأ جمال عبدالناصر يستنجد تشيكوسلوفاكيا الشيوعية لكى تمده بالأسلحة وبدأت أمريكا تلغى إعطاء ٥٦ مليار دولار لبناء خزان أسوان، وقال وقتها Turner لقد انتظرنا عشرين عاما لكى نأخذ مكاننا فى مصر ولن نسمح لأنفسنا بأن نفقد مكاننا أبدا.
وكرر Turner أن مبادرة عبدالناصر لتحرير اليمن من نظامها الإقطاعى كان بمثابة خطأ استراتيجيا من وجهة نظر الأمريكان ولو أن عبدالناصر حينما يقيم النظام الجمهورى وأن يقيم مؤسسات حديثة تنقذ المستقبل وللعلم فإن تغذية البلد كله بالمياه والكهرباء كان قائما من حيث قصر اليمني.
فى خريف عام ١٩٧٨ بعد عودتى للقاهرة لزيارة الفريق كمال على الذى كان وقتها على رأس جهاز المخابرات العامة وبينما كنت أنتظر فى الصالون الخارجى وكان هناك شخص آخر ينتظر لكى يستقبله الفريق كمال حسن على وكان أحد صانعى الأحذية المعروفين المتخصصين فى صناعة Bottes المعروفة بأحذية الخيالة.
وكنت لمعرفتى بركوب الخيل كثيرا، ولد حتى إن اكتشف وجود صانع الأحذية لدى مكتب الفريق وعندما سألته أجاب لا أدرى أكثر من أننى أستدعيت هنا أن أترك كل شىء وأن أحضر بأسرع ما يمكن، وجاء إلى ذهنى فكرة عرفتها وهى أن الرئيس السادات أمر بتنفيذ زى ضباط الجيش الجمهورى قبل أن يغير كل زى الجيش، وبالتالى كان يجب أن يتغير الزى المصرى الذى سيرتديه ضباط الفرسان أما المفاجأة الكبرى أننى حينما دخلت مكتب الفريق كمال حسن على وقلت له مبروك لتعيينكم فى موقع الفريق ودهش كمال حسن على استحالة أن تعرف ذلك، لأنه لا يعرف هذا الموضوع إلا الثلاثة أشخاص ولست منهم وطمأنته أننى عرفت السر فقط عندما رأيت صانع الأحذية فى داخل مقر القيادة.
وانفجر الفريق كمال حسن على فى الضحك قائلا إذن عرفت الآن أننى رئيس المخابرات.