الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مطلوب مركز بحثي لتجفيف منابع الإرهاب "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ فى البداية لا بد أن نقرر مفارقة عجيبة، أننا أكثر دولة تتعرض للإرهاب فى العالم، وتعانى منه بينما لا يوجد لدينا مركز بحثى متخصص ورصين فى هذا الشأن يحلل وينقب ويبحث فى جذور وأصول الظاهرة الإرهابية ومغذياتها الأساسية ومكملاتها الغذائية الفكرية التى تحول الفرد العادى إلى إرهابى، وكيفية تجفيف منابعه حماية لأمننا القومى؟ 
■ وفى مقالنا هذا سوف نحاول الإجابة عن سؤال مهم وهو: 
■ هل هناك علاقه بين العولمة والظاهرة الإرهابية؟!
■ بداية «العولمة» هو لفظ أطلق على تلك المرحلة التاريخية التى تلت ثورة الاتصالات واختراع الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» والتى نتج عنها إلغاء الحدود ودمج واختزال المسافات وإزالة الحواجز بين الشعوب، والتلاصق بينها كما نتج عنها تدفق معلوماتى غير محدود واتصال بين البشر بلا حدود.
■ وضعت العولمة وما نتج عنها من تقارب الجميع فى «مجرى واحد» وأنتجت العولمة ما عرف بالقرية الكونية الصغيرة.
■ جمعت العولمة «ما لا يمكن جمعه» دمجت بين أناس مختلفين فى ماضيهم وخلفياتهم الثقافية والقيمية والفكرية وعاداتهم وتقاليدهم.
■ عجلت العولمة باللقاء.. وبالتالى عجلت بالصدام.
■ كان أول أطوار العولمة والتلاقى والاتصال بين الشرق والغرب هو «الاستعمار» فقد حدث اللقاء الأول بين الشرق والغرب عن طريق الأساطيل والبوارج والجيوش والاحتلالات، بينما حدث اللقاء الثانى عن طريق اختراع شبكة دولية عنكبوتية عملاقة عابرة للبحار والمحيطات «شبكة الإنترنت»
■ اللقاء الأول «الاستعماري» كان صادمًا للشرق، فقد صدمنا الاستعمار بتقدمه وتطوره وقوته، وهالنا ذلك التطور، وهالنا تأخرنا الكبير وتخلفنا المديد.
■ كشف الاستعمار تخلف الذات بشدة، وعراه تمامًا.. وتولد بسبب ذلك اللقاء الصادم نوعان من ردود الأفعال.
■ تيار ينادى بضرورة تقليد الغرب، وفتح النوافذ، والأخذ بمنجزات الحداثة، ومحاولة اللحاق بها، وتيار محافظ يرى فى غلق النوافذ ومخالفة الكفار والحنين إلى الماضى المقدس والعودة إليه وتقليد العرب الأوائل وخصوصا «فترة الخلافة الراشدة» النجاة والتقدم والمحافظة على الذات ويرى فى تقليد الغرب والأخذ بمنجزات الحداثة غزوًا فكريًا يتوجب الجهاد ضده والتصدى له ومقاومته.
■ أطلق على التيار الأول التيار «الليبرالي» وعرف التيار الآخر بالتيار «الإسلامي» فكان ذلك بداية تكفير التيار الأول وتشويهه.
■ مثل التيار الأول شيخ أزهرى صعيدى «رفاعة الطهطاوي» والذى أطلق عليه فيما بعد رائد التحديث، فهو العائد من الرحلة الباريسية ١٨٣٢، بأفكاره عن الدستور والمواطنة وتعليم البنات، ومثل التيار الثانى مدرس خريج دار العلوم من البحيرة يسمى «حسن البنا الساعاتي» والذى أسس جماعة الإخوان المسلمين فى العام ١٩٢٨، أى بعد ١٠٠ عام من ممثل التيار الأول.
■ فى اللقاء الأول «الاستعماري» كان الشكل سياسيًا استعماريًا محضًا، وكان لا بد من مجابهة الغرب ومقاومته إعمالًا للسيادة وصونًا للاستقلال.
■ فى اللقاء الثانى «الإنترنتي» لم تكن هناك بوراج ولا أساطير ولا جيوش ولا سفن ولا مدافع، وتلاقت «الهويات » عبر الأثير، وراحت كل هوية تؤكد ذاتها، فخرج الصراع هذه المرة من دائرة «السياسة» وأطر السياسة، ودخل إلى أطر «الثقافة»، فلم يعد الاستقلال هو الحل النهائى الناجز، بل صار نفى الآخر تمامًا وسحقه وإزاحته والتخلص منه، وتأكيد هويتى وحدى هو الحل الناجز والنهائى.
■ ولأن المعركة صارت «محض ثقافية» ولأن الهوية صارت هى «موضوع الصراع والصدام»، ولأن الهوية بعناصرها المتعددة «تاريخ/جغرافيا/ عادات وتقاليد/لغة/..»، تختصر عن «الفرد» «الإسلاموي» فى الدين فقط، والدين وحده، لذا تحول صراع الهويات وصدامها إلى صراع دين مع الغرب «الكافر» المخالف لمعتقداتى الدينية.
■ لكن التيار الإسلامى انقسم إلى فريقين، أو اتخذ شكلين أو لبس لباسين أحدهما «صوفى» منفصل عن الواقع ومتجاوزه، وآخر «جهادي» عنفى، دموى، انتحارى، تفجيرى، يسعى إلى تدمير الآخر، قتله أو ذبحه نموذج «الإخوان - داعش». 
■ حيث رأى الإسلاميون فى العولمة بطورها الإنترنتى الجديد، قوة استعمارية أيضا لا تسعى كسابقتها إلى «سرقة مواردنا» بل تسعى إلي «تغيير هويتنا» وبالتالى تحول الصراع من حقل السياسة إلى حقل الإبستمولوجيا «الدين/القومية» ومن أدوات السياسة وشروط التنظيم والمقاومة والتفاوض، إلى أدوات العنف المادى، حيث تحول الصراع من صراع حدود إلى صراع «وجود» «إما أنا / وإما أنت» لقد أزال اللقاء الثانى الإنترنتى الحدود أصلًا فلم يعد لها وجود.
■ لذا فإننى أرى أن ضبط «الهوية» لدى الفرد المسلم عمومًا والإسلاميين على وجه الخصوص، من خلال برامج ومقررات التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية أيضا، هو أحد العلاجات الناجزة للفرد وتحصينه من تحوله إلى إرهابى مجرم قاتل للآخر المختلف عنه فى الدين أو القومية.
■ ضبط الهوية هنا، يتطلب التأكيد على أن عناصر الهوية متعددة «لغة / جغرافيا / تاريخ / عادات / وتقاليد / ودين....» وأن الدين أحد هذه العناصر العديدة وأن الدين وحده لا يصنع هوية وأنه لا يمكن اختزال الهوية فى الدين فقط. 
ولنكمل حديثنا الأربعاء المقبل إن شاء الله.