الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خطاب العنف والدم.. البغدادي والفرق بين الفرق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيرًا على نهج مَن سبقه يقوم البغدادي بتصنيف عدة مصنفات بمثابة قنابل موقوتة وقذائف مسلَّطة على المسلمين استثمرها الفقهاء في مواجهة خصومهم من التيارات الأخرى، وعلى رأس هذه المصنفات كتابه "الفرق بين الفرق". وكتابه "أصول الدين"، وهذان الكتابان من أخطر ما صُنِّف في مواجهة الآخرين. وقد اعتمد عليها من أطلق عليهم السلف والجماعات الإسلامية على مختلف مشاربها ومرجعياتها في تبرير تطرفها وعداوتها للمخالفين لمذهبهم.
واعتمد البغدادي في كتابه هذا على رواية منسوبة للرسول (ص) تنص على أن الأمة سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة.
وعلى أساس هذه الرواية بتبيين الاتجاهات المخالفة وإلقاء الضوء عليها مؤكدًا أنها تنتسب إلى الإسلام، بينما هي ليست منه في شيء.
وخصص فصلًا لما سمّاه فضائح هذه الاتجاهات باعتبارها من فِرق الأهواء الضالّة، والكِتاب من أوله إلى آخره يفتح النار على المخالفين لنهج مَن أطلق عليهم أهل السنة، هؤلاء الذين يعتمدون على الرواية والأحاديث ويحجرون على الرأي والقياس ويحرِّمونهما، الذين حصر الحق في دائرتهم وحكم بالضلال والبوار والخلود في النار على مخالفيهم، فأهل السنة في منظوره هم الفرقة الوحيدة الناجية من النار يوم القيامة، فمَن سار على دربهم واتبع طريقهم وتبنَّى عقائدهم فقد نجا، ومن حاد عن هذا الدرب وتبنَّى عقائد واتجاهات الآخرين فقد حاد عن الطريق القويم وسلك سبيل الضالّين أهل النار مما يبرر قتل المخالف واستحلال دمه وماله وعرضه.
يقول البغدادي: "إن أمة الإسلام تجمع المقرِّين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقِدم صفاته وعدله وحكمته ونفي التشبيه عنه، وبنبوة محمد (ص) ورسالته إلى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن الكعبة هي القِبلة التي تجب الصلاة إليها، فكل من أقر بذلك كله ولم يشبه ببدعة تؤدي إلى الكفر فهو السّنيّ الموحد، وإن ضم إلى الأقوال بما ذكرناه بدعة شنعاء نُظر، فإن كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الإمامية- الشيعة- أو الزيدية أو الجهمية أو المجسّمة فهو من الأمة في بعض الأحكام وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين وألا يمنع حظه من الفيء والغنيمة إن غزا مع المسلمين وألا يمنع من الصلاة في المساجد، وليس في الأمة في أحكام سواها، وذلك ألا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحلّ ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية، ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم". 
وما يقدمه البغدادي في كتابه لا يعني إلا شيئًا واحدًا وهو أن أصحاب المذاهب والاتجاهات الأخرى غير أهل السنة أو إن شئنا الدقة أهل الرواية، بين أمرين لا ثالث لهما:
الأول: أن يتنازلوا عن معتقداتهم وأفكارهم ويدينوا بمذهب أهل السنة.
الثاني: أن يكونوا في دائرة المبتدعة الضالين ويعامَلوا على هذا الأساس في الحياة الدنيا من قِبل مَن وصَفهم البغدادي بأهل السنة، فتُفرض عليهم العزلة ويعامَلوا كمواطنين من الدرجة الثانية ويتقبلوا ما سوف يلاقونه من اضطهاد واستحلال لأموالهم ودمائهم.
وإذا كان جميع المسلمين يقرُّون بما ذكر البغدادي فما المبرر لهذا التصنيف واتخاذ مثل هذا الموقف المتطرف من المخالفين؟
وهل هناك مَن ينكر وحدانية الله ونبوة محمد (ص) ورسالته والشريعة التي جاء بها على لسان القرآن ويرفض الاعتراف بالكعبة قبلة للمسلمين؟
وإذا كانت الإجابة بالنفي، فما مبرر هذا الكلام؟ وما ضرورته؟
إن القضية باختصار هي أن الإقرار بمثل هذه الأمور لا يكفي وحده للحكم بصحة إسلام الفرد في نظر هؤلاء، وإنما يجب مع ذلك الإقرار بعقيدتهم القائمة على المرويات والأحاديث وعدم إعمال العقل والقياس، تلك العقائد التي تنص على موالاة الحكام ووجوب السمع والطاعة لهم وإن كانوا فسَقة وفجارًا، ووجوب الصلاة والحج والجهاد معهم. وتنص على عدالة جميع الصحابة وتقديسهم، وأن كل من رأى الرسول (ص) ولو ساعة أو وُلد في حياته أو سلَّم عليه فهو صحابي عدلٌ يجب أن تُضفَى عليه القداسة.
ولم يقف البغدادي عند هذا الحد بل قال: "ومن مالَ إلى الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ولا كان قوله حجة في اللغة والنحو والحديث والفقه وخلافه."
ثم حسم البغدادي الأمر في نهاية كتابه بإطلاق قذيفة قاتلة أبادت الاتجاهات الأخرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة وهي أن الفرقة الناجية الوحيدة هي أهل السنة وأن جميع الاتجاهات الأخرى هالكة ومثواها النار.
أما في كتابه "أصول الدين" فقد أعلن البغدادي "أن من أكل لحم الخنزير من غير ضرورة ولا خوف أو أظهر زي الكفار في بلاد المسلمين وما جرى مجرى ذلك من علامات الكفر وإن لم يكن في نفسه كفر، أجرينا عليه حكم أهل الكفر وإن لم نعلم كفره باطنًا، وأن الدار- المجتمع- لا يحكم بكونها دار إسلام إلا إذا أنفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمة وكانت الغلبة فيها لأهل السنة على أهل البدعة". 
ويعني هذا الحكمَ بالكفر على المجتمعات المعاصرة واعتبار الزي (الإفرنجي) الذي يرتديه المسلمون اليوم وشتى الممارسات التي يمارسونها من ألعاب وصناعات ووسائل ترفيه وما شابهها، هي صورة من صور الكفر، على أساس الرواية التي تقول: مَن تشبَّه بقوم فهو منهم. 
وقد عقد البغدادي في كتابه أكثر من عشرة فصول عن الإمامة ووجوبها وشروطها مسلطًا قذائفه على الاتجاهات الأخرى التي تتبنى رؤية مختلفة في الإمامة لا تنطبق على الحكام الذين اعتبرهم البغدادي وأصحابه أئمة المسلمين، وعلى رأسهم معاوية وولده يزيد، وذلك سيرًا مع الروايات المنسوبة للرسول (ص) المتعلقة بالإمامة والتي لا تدين الاتجاهات الأخرى بها.
ثم ختم البغدادي كتابه بإطلاق قذيفة مدوية على الخصوم أعداء الدين تؤسس للتطرف والإرهاب وتعد حجر الأساس فيما نحن بصدده من فقه العنف والدم، تمثلت فيما يلي: وجوب قتل المرتدين، كفر الاتجاهات الأخرى (أهل البدع والأهواء) ووجوب قتالهم، عدم جواز أكل ذبائح أهل الأهواء والبدع وحُرمة مواريثهم، عدم جواز نكاح المسلمة منهم، الشاكّ في كفر أهل الأهواء كافر.
هكذا تفكِّر داعش واخواتها مستندين إلى هذا الكم الهائل من الفتاوى التي تُخرج الجميع من الملة، ويتم توجيه هذه القذائف الفقهية ليس في وجه الأعداء الحقيقيين بينما في وجه المواطنين والمفكرين منهم؛ لأنهم حسب هذه الفتاوى أشد خطرًا على الإسلام الذي يعتقدونه ويؤمنون به من غيرهم.