رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذبح «أنغام» على نغمات المزايدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثير من الأزمات يضخمها الإعلام وتصبح مجالا للثرثرة والأحكام العرفية على من يريدون.. وآخر هذه الأزمات بين الإذاعة المصرية وسفيرة الإحساس والمشاعر الراقية أنغام، ابنة الكونسرفتوار والموسيقى العربية طفلة مصر المدللة التى شبت أقدامها وكل أنفاسها أنغام ببنوتها للموسيقار محمد على سليمان.. الفنانة الدارسة الواعية التى يسيطر فنها على حياتها ويحركها حسب إرادته، لذلك كانت الواجهة التى استعانت بها الإذاعة عندما قرر مسئولوها التجديد والمساهمة فى إثراء صندوق «تحيا مصر».. فلم يجدوا فى جعبتهم إلا إعادة الحياة لحفلات أضواء المدينة!!.. وكأننا فقدنا بوصلة التجديد والابتكار، لنستعين بأفكار ظهرت بداية خمسينيات القرن الماضى، عندما تحمل مسئولية النهضة الفنية والثقافية رجال أصحاب رؤية وقدرة على تحقيق النجاح، فحفلات أضواء المدينة كانت تربة خصبة للمواهب الفنية فلا تعتمد على المطرب المشهور بل على شباب أغلبهم فى البدايات أمثال عبدالحليم وشادية وفايزة أحمد، وتعمل على تنوع الفقرات بين المونولوج والرقص الشرقى والثنائيات، وفرق كثلاثى أضواء المسرح والثلاثى المرح، وكانت فكرة الحفلات التجول بين المحافظات المختلفة بفنانين شباب.. ونظرا لاختلاف المسئولين كليا عما سبق فشلت المحاولة!!.. فقد تم الاتفاق على الحفل مع منظم حفلات!!.. وليس مع الفنانين أنفسهم كما كان يحدث فى السابق من تفاعل بين الجهات الممثلة للدولة وبين الفنانين، وذلك بخلق الود بتوجيه دعوة المشاركة من وزير الإعلام شخصيا أو من يمثله، فيستضيفه لإشعاره بأهمية دوره الوطنى وسمو رسالة الفن!!..ولكن جهة حكومية بقيمة وقدر الإذاعة لم تكلف نفسها بالتعامل المباشر مع الفنانة، والتى قالت بعد اعتذارها عن الحفل وتفاقم المشكلة أنها لم تكن تعلم أن الحفل لاتحاد الإذاعة والتليفزيون!!.. وقد قيل إن أنغام اعتذرت لأنها أصرت على أن تأخذ أجرها قبل السفر إلى شرم الشيخ مكان الحفل، وعندما سُئل منظم الحفل قال إنها طالبت بتوفير أجور الموسيقيين أولا، وذلك حسب اتفاقها هى مع فرقتها فكما تطالبهم بالالتزام بحفلها وجدية العمل وانضباط المواعيد، هى أيضا مجبرة على سداد الالتزام المادى لأن العديد منهم كل رزقهم من الحفلات والتسجيلات والتى قلت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، لذلك علينا أن نرحم بعضنا بعضا وألا ننهال بالسوط دون سماع جميع الأطراف، ورغم ذلك كنت أتمنى أن تكمل أنغام العمل، بإحياء الحفل على حسابها الخاص مهما كانت التكلفة، على أن تقوم بعدها بتصعيد الأمور، والوقوف أمام المخطئ، وفضحه فى وسائل الإعلام والمطالبة بمساءلته وعقابه، ولكن دفاعها أنها لم تكن تعلم أن الحفل للإذاعة المصرية فعلينا تصديقها لأنه من غير المنطقى أن تكون نجمة الحفل على هامش الاتفاق!!..فهى لم تطالبهم بتوفير النفقات، بل طالبت منظم الحفل المسئول أمامها، ونظرا لأنها تتسم بالجدية والصرامة فى العمل أساءها الإخلال بشرف الكلمة واحترامها، فإذا كانت طالبت أو تعنتت فى شيء خارج الاتفاق فعليكم جلدها وذبحها معنويا كما تريدون.. ولكن إذا كانت أصرت على الوفاء باتفاقها مع زملائها الموسيقيين فلا تلام على حرصها على عملها وطريقة إدارتها، أما إذا أخل بالاتفاق إداريون أو مسئولون فعلينا أن نقف أمامهم ونحاسبهم لأن الإخلال بالاتفاقات فساد يجب محاربته وليس تحويل المشكلة إلى مزايدة على حب مصر.. ولا أعلم كيف يتحدث مسئولو الإذاعة عن أنهم يبنون ديكور الحفل منذ ثلاثة شهور ولم يكلفوا خاطرهم بالتواصل مع الفنانين!! والآن يحاولون إحراجهم بدعوى الوطنية!!..التبرع يكون برغبة الفنان إذا أراد وليس بمحاولة إحراجه أما المجتمع، فكل ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام.. الجميع يتبرع بإرادته وإمكانياته أما العمل والأجر فهو مسئولية يجب احترامها لأن الجميع فى احتياج إلى أجره ويجد مائة باب لإنفاقه قبل الحصول عليه، وخاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار.. أما تحويل الأمر إلى مقارنة بين موقف أنغام وتخليها عن مصر كما يصورونه وبين كوكب الشرق أم كلثوم وتبرعاتها بمجوهراتها الثمينة وإيراد حفلات الجولات العربية والأوروبية إلى المجهود الحربى بعد نكسة ٦٧ فالمقارنة ظالمة، لأن النكسة التى زلزلت الأمة العربية جعلت الكل يتفانى لتضميد جراح الجيش وسرعة عودته للميدان والثأر، أما الإخلال بالإاتفاق والتعامل المفتقد للكياسة مع الفنانين، فما كانت لتقبله أم كلثوم التى كانت تعتز بكرامتها وكرامة زملائها الموسيقيين.. ما حدث فضيحة مدوية تحتاج وقفة جادة من المسئولين فى الدولة، لرؤية من يتحملون مسئولية الفن، وكفانا الفن البايت والحياة داخل إطار الماضى، واستنزاف أفكار رجال الخمسينيات الذين قاموا بصحوة ثقافية شاملة، دائرة تكمل بعضها بعضا، فكان مواكبا للحفلات إنشاء أوركسترا الإذاعة الذى كان له الفضل فى رفع الذوق العام للموسيقى بتسجيل الموسيقى العالمية والشرقية.. وكان العازفون جنودا فى خدمة الدولة يلبون ما يطلب منهم كيفما ووقتما يريد المسئولون، بكفاءة عالية فى هندسة الصوت والإخراج العام، وهو ما يمنح الدولة هيبتها التى تهتز مع كل حفل رصين يحضره الرئيس ورجال الدولة من خلل الميكروفونات إلى سوء التنظيم، أو الإعلان عن السلام الوطنى دون عزفه وغيرها من الوقائع المؤسفة التى باتت أمرا طبيعيا!!..على اتحاد الإذاعة والتليفزيون إعادة الحياة لأوركسترا الإذاعة قبل الحفلات وبقيادة محترفة ومخلصة كسابق العصر.. ضعوا حجر الأساس السليم ليصبح البنيان أكثر قوة.