لماذا يُصبح دارسو الطب والهندسة فريسةً سهلة للجهاديين؟
مترجم عن «?Are scientists easy prey for jihadism» للكاتب «Paul Vallely» للأستاذ صبرى هلال.
إحدى الدراسات تقترح أن أسلوب «الأبيض والأسود» الذى ينظر به الإرهابيون إلى العالم يتطلب «عقلية هندسية».
سيف الدين رزقي، الإرهابى المسئول عن قتل السياح على شاطئ سوسة فى تونس، كان حاصلًا على درجة الماجستير فى الهندسة الكهربائية.
أى نوع من الأشخاص يصبح جهاديًّا إرهابيًّا؟ بشكل أكثر تحديدًا، ما نوع تعليم هؤلاء الأشخاص؟ الغالبية العظمى من الخريجين الذين انضموا إلى جماعات إرهابية كانوا قد درسوا الهندسة، أو العلوم، أو الطب، يشير أحد الأبحاث إلى أنه بالكاد يمكنك أن تجد أحدهم قد درس العلوم الاجتماعية أو الفنون، هذه الرؤية يمكن أن يكون لها نتائج فى غاية الأهمية.
تقريبًا نصف الجهاديين (٤٨.٥٪) المجنَّدين فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصلوا على تعليم عالٍ، وفقًا لتحليل لدييجو جامبيتا يعود لعام ٢٠٠٧ ذُكِر فى وثيقة «تحصين العقل» «Immunising the Mind»، وهى وثيقة جديدة نُشِرت من قِبَل المجلس الثقافى البريطاني. ٤٤٪ من هؤلاء حصلوا على شهادات فى الهندسة، بينما بلغت تلك النسبة ٥٩٪ بين الجهاديين المجندين فى الغرب.
وأظهرت دراسة للإرهابيين فى تونس، حيث قام مهندس كهرباء بهجوم إرهابى، نفس النِسب تقريبًا، كما وجدت دراسة لـ١٨ مسلمًا بريطانيًّا تورطوا فى هجمات إرهابية أن ثمانية منهم درسوا الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، وأربعة منهم درسوا العلوم، الصيدلة، والرياضيات، بينما درس واحد فقط العلوم الاجتماعية.
كل هذا ليس من قبيل المصادفة، كما يشير مارتن روز، مستشار المجلس الثقافى البريطانى فى شئون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجمع تقرير مارتن روز «تحصين العقل» مجموعة واسعة من الآراء دعمًا للرأى بأن العلوم تفشل فى غرس التفكير النقدي، مقارنة بتأثير المناقشات التى تقوم عليها تخصصات الفنون، وصاغ روز مفهوم «العقلية الهندسية»، وهو ما يجعل طلاب العلوم فريسة سهلة لمجنِّدى الإرهابيين.
يستند التقرير إلى مجموعة من الدراسات الأكاديمية وملف للمخابرات البريطانية الذى يصف المجنَّد الجديد المثالى بأنه «ذكى وفضولي، ولكن لا يتساءل بشأن السلطة».
يقول روز إن ثقافة تدريس العلوم دائمًا تعتمد على طريقة الصواب والخطأ، أو الحق والباطل، وهذا يدمر قدرة طلاب العلوم والهندسة على تنمية مهارات الدراسة النقدية، ويوضح روز أيضًا أن هذا لا يقتصر على الطلاب العرب فقط، حيث تبين التقارير انجذاب بعض طلاب الطب البريطانيين المسلمين لنظرية الخلق.
قد يكون هذا الخلل نتيجة لدعوة زعيم داعش أبى بكر البغدادى فى سبتمبر ٢٠١٤ للقضاة والأطباء والمهندسين وذوى الخبرة العسكرية والإدارية للانضمام لما يسميه بـ«الخلافة». بالتأكيد يحتاج داعش إلى مهندسين فى مجال النفط، وصانعى القنابل، ولكن العديد من المهندسين الذين انضموا إليهم كُلِفوا بأدوار غير تقنية.
ربما كان ذلك مجرد انعكاس للحقيقة المنتشرة فى العالم العربي، وهى أن كليات الطب والهندسة والعلوم الطبيعية -على الترتيب- هى كليات النخبة التى تجذب أغلب الطلاب المتفوقين، لأنها على نحو تقليدى تؤدى إلى الوظائف المرموقة.
ومع ذلك، يقول روز إن ما يقرب من ٧٠٪ من الطلاب فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يدرسون العلوم الاجتماعية، بالرغم من حقيقة أن التدريس جودته أقل فى هذه التخصصات الجامعية، إلا أن النهج التربوى الذى تتبعه -الذى يتطلب التفسير والمناقشة- يخالف طريقة الأبيض والأسود التى تتبعها الجماعات الجهادية، ربما يكون هذا هو السبب فى استبعاد تخصصات علوم الآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسية والرياضة والدراما والأدب من الجامعات الموجودة فى المناطق التى يسيطر داعش عليها.
على أى حال، لا يبدو ذلك غريبًا، ففى عام ٢٠٠٣ أشار تقرير الأمم المتحدة لتنمية الإنسان إلى أن مناهج التعليم العربية تشجع على التسليم والطاعة والتبعية والامتثال، بدلًا من التفكير النقدى الحر.
ولكن إذا كان ذلك صحيحًا، إلى أين سيقودنا؟ يقترح روز أن المجلس الثقافى البريطانى –المؤسسة التى تُموَّل من المملكة المتحدة وتقوم بنشر الثقافة البريطانية فى أنحاء العالم- يجب أن يشارك فى إصلاح التعليم، وفى «إضفاء الإنسانية» على تدريس التخصصات العلمية والتقنية، هذا التعليم من شأنه أن يشجع جميع الطلاب على التفكير والتساؤل، سواء كانت هذه التساؤلات بخصوص السلطة، أو العلم، أو السياسة، أو الدين.
ولكنهم سيكونون بحاجة إلى شيء لا يمكنهم الحصول عليه من الخبراء الثقافيين الغربيين. ما يغفل التقرير ذكره أن الطلاب سيكونون بحاجة إلى أن ينفتحوا على التعاليم الإسلامية الغزيرة التى كوّنت الدين قبل ظهور السلفية الأصولية الغنية بالنفط.