الشعوب تؤمن بالطهارة والنزاهة والعمل المخلص الأمين تتوقع من الحاكم وممن هم حول الحاكم.. ومن الصفوة التى تشترك فى صنع القرار.. ومن كل سلطات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية وكل العاملين المسئولين عن إدارة شئون الدولة وأمنها القومى.. تحاسبهم حساب الملكين.. تسكت أحيانا عن الخطأ مرة ومرتين وثلاثا ولكن سكوتها هو سكون العاصفة.. فالشعوب كالثعالب تنام وأعينها مفتوحة كما أن لديها حاسة قوية لا تخطئ فى معرفة وفرز الأشخاص فهى تعرف الخبيث من الطيب.. الشريف من اللص المخادع.. والوطنى من الخائن.
وإننى من الذين يعتبرون أن الأستاذ الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب الموقر شخصية محترمة ونموذج من طراز فريد، يتمتع بالحكمة والاتزان والقوة والحسم فى مهمته الثقيلة كرئيس لمجلس النواب الموقر فى إدارة الجلسات وتعامله مع أعضاء المجلس ولجانه بتميز واقتدار فى ظل تكوين المجلس الحالى ووجود قوى وتيارات سياسية مختلفة الاتجاهات والانتماءات والعقائد بداخله، تتشابك أفكارها ومصالحها، وتتقاطع أهدافها بل إن قلة منهم تسعى لإسقاط المجلس وهزيمة التجربة الديمقراطية فى مصر لأسباب يعرفونها هم ويعرفها الكثيرون ولا داعى لذكرها هنا.
ولعل الواقعة التى حدثت فى قاعة المجلس مؤخرًا بالصورة التى شاهدناها وسمعنا عنها من بعض أعضاء المجلس الذين حضروا الواقعة وكانوا قريبين من أطرافها تعكس حالة الفوضى والهرج الذى ساد الجلسة والأهم أنها شكلت اعتداء صارخا على تقاليد وأعراف ولوائح المجلس الذى طالما استمر يتمتع بالقدسية والاحترام والهيبة كسلطة تشريعية رقابية جليلة طوال مدة عمله لعشرات العقود.
ونحن هنا لسنا بصدد إصدار أحكام على تصرف العضو الذى اعتدى على السيد رئيس المجلس باللفظ الجارح الخارج عن الآداب العامة وتقاليد المجتمع المصرى وفقًا لما أقره زملاؤه من عدمه ولكننا نتعرض للواقعة من منظور عام فى حدود ما سمعناه من بعض أعضاء المجلس، وبالتالى فليس لدينا الحقيقة وإنما نتكلم بشكل عام ولا أتعرض مطلقًا للعضو المحول بقرار من أعضاء المجلس للجنة القيم.
وأود هنا أن أشير إلى أنه أحيانا يعتقد البعض خصوصًا بعد ثورة الخراب العربى ٢٠١١ بأن التطاول على العظام والقادة والعمالقة يحقق لهم الشهرة والشخصية والبطولة ويعتقد الشخص بأنه ثائر وثورى وتبدأ بعض الفضائيات المعروفة بعدائها للدولة فى توجيه الدعوات له وتقديمه فى صورة مزيفة باعتباره بطلا ومدافعا عن الحرية والديمقراطية، وفى الحقيقة أنه إنسان تافه ومريض نفسيًا.
الدكتور على عبدالعال الفقيه الدستورى قبل أن يكون رئيسا لمجلس النواب رجل صعيدى يتمتع بأخلاق الفرسان وقد حصل على درجة الدكتوراه من باريس، وبالتالى فقد تأثر بمناخ الحرية والديمقراطية واحترام الآخر، فهو أقدر من غيره بالإيمان بهذه المبادئ والأفكار وتطبيقها.
وحقيقة الأمر الذى قد يغيب عن الكثيرين أن هذا الرجل بحكم ما يتمتع به من وطنية وأمانة يقدر تمامًا طبيعة المرحلة الصعبة والدقيقة التى يعيشها الوطن والتحديات التى تواجهه ولذلك يضع هذه المتغيرات فى قلبه وعقله ومعه كثيرون من أعضاء المجلس عند تناول الموضوعات الحساسة التى تعرض على المجلس ويعمل باقتدار على أن يحترم الدور التشريعى والرقابى للمجلس دون أن يغفل المصالح القومية العليا لمصر التى هى فوق الجميع وأعلى من كل السلطات.
وتحمل هذا الرجل المحترم كل السخافات والاتهامات الباطلة التى وجهت إليه وإلى المجلس من الصحافة ومن الإعلام العميل ومن بعض القوى السياسية الأخرى أعضاء الطابور الخامس بأن المجلس ينفذ أجندة الحكومة ولم يحقق أى شىء وهذا افتراء وكذب.
أيها العملاء الخونة أعضاء الطابور الخامس إن السيد رئيس المجلس لن يلتفت إلى لغتكم المريضة وسيستمر جنديا مخلصا أمينا بكل القوة والحكمة فى محراب الشرف والوطنية للدفاع عن المصالح القومية العليا للدولة، وتعميق التجربة الديمقراطية والحفاظ على هيبة مجلس النواب الموقر.
فبعد ثورة الشعب فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ تابعت الجماهير العريضة من أبناء مصر باهتمام بالغ نتيجة الانتخابات النيابية. وقد تولد لديها إحساس واضح بأن مجلس النواب الجديد سيختلف عن المجالس النيابية السابقة. فلم يعد للصفوة أو النخبة المنتخبة من أبناء الشعب الحق ولا الإمكانية فى أن تحل محل الشعب إلا بالعمل الجاد المخلص النزيه الذى لا يهدف إلا وجه الله والوطن فى الرقابة والمتابعة والتشريع وطرح تصورات المستقبل والتصدى لمشاكل الجماهير الملحة.
فالوضع الطبيعى أن عضو مجلس النواب ما دام يجلس تحت القبة ينبغى له أن يعبر بشفافية عن أهداف الأمة وآمال الجماهير بالدرجة الأولى ولن يفعل ذلك إلا إذا تمازج معها كيانا ومصيرا لأن الجماهير لا تهتم بتصنيف المقاعد داخل المجلس بمعنى لا يهمها من هو عضو المجلس الذى يمثل حزب الوفد أو تكتل دعم مصر أو من هو اليسارى أو الرأسمالى أو غير ذلك. ولكن الذى يعنيها ويجذب اهتمامها هو التزام العضو بالتقاليد البرلمانية ومشاركته الإيجابية الحيوية بأدب واحترام فى الرقابة والتشريع ومدى إسهامه بفاعلية فى حل مشاكل الجماهير وطرح التصورات وبدائل الحلول بغض النظر عن انتماءاته الحزبية أو الفكرية أو العقائدية.
فهناك عقد اجتماعى وقانونى غير مكتوب بين العضو وبين الجماهير التى انتخبته ينبغى أن يلتزم بتنفيذ بنوده الطرفان وإلا انفسخ العقد وأصبح العمل بمقتضاه باطلًا. ومن بين بنود هذا العقد:
■ القدوة الحسنة التى يجب أن يتمتع بها عضو المجلس وتمسكه بالمثل العليا والسلوك القويم فى جميع تصرفاته داخل المجلس وخارجه.
■ الطهارة ونظافة اليد ومراعاة التقاليد البرلمانية وآداب الحوار.
■ المشاركة الإيجابية فى جلسات المجلس والتزام العضو بحضور نسبة من الجلسات التى يأخذ مقابلها بدلات بحيث يلفت نظر العضو الذى لا يحضر الجلسات، لأن العضو الذى لا ينتظم فى الحضور يعنى ببساطة أنه لا يشارك فى أعمال ومناقشات وقرارات المجلس، وبالتالى انعدم دوره وانتفى الغرض من استمرار بقائه ممثلا عن الشعب داخل المجلس. ومن المؤكد أن هذا العضو لا يمكن أن يكون له دور بين أبناء دائرته الذين صدقوا وعوده الانتخابيه، وبعد وصوله إلى المجلس تبخرت هذه العهود وطارت فى الهواء.
ويقينا أن المشاركة الشعبية الفاعلة والأمينة من خلال اتصال عضو مجلس النواب بأبناء دائرته الإنتخابية فى كل ألوان النشاط المجتمعى عن اقتناع واشتراك كامل فى ثمار هذا النشاط باتت الشرط الضرورى لمواجهة المشكلة الإقتصادية الحادة التى تواجه مصر نتيجة الضغوط الخارجية والداخلية وما تتحمله الدولة من تكلفة محاربة الإرهاب. وتوفير حاجات الجماهير المتعددة والكثيرة والمتجددة.
إن أعضاء المجلس عليهم أن يعملوا بجد وإخلاص فى دوائرهم لإعادة السلام الاجتماعى والرضا الشعبى والاستقرار القيمى للمجتمع والتنظيم الاجتماعى الكفء وترميم الخلل الذى حدث فى البيئة الاقتصادية والاجتماعية نتيجة ارتفاع أسعار السلع من خلال توضيح الصورة الحقيقية لتبعات الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الحكومة وأن يشيروا لهم بأن هذا الوضع الصعب وضع مؤقت مرت به جميع الدول التى واجهت أزمات اقتصادية وسياسية. فكان المواطن الإنجليزى على سبيل المثال يتحصل على بيضة وزجاجة لبن كل أسبوع إبان الحرب العالمية الثانية، وعلى المواطنين أن يغيروا سلوكهم ونمط استهلاكهم فلا داعى مطلقا للإسراف فى الشراء. فكل دول العالم حتى الغنية منها تشترى الفاكهة بالواحدة واللحمة بالقطعة.
هذا التغيير فى النمط الاستهلاكى يحتاج إلى جهد كبير من أعضاء المجلس الموقر كل فى دائرته إلى جانب الرقابة الصارمة على الأسواق ومحاربة الاحتكارات والسرقة والنهب والفساد وجشع التجار.
لقد كان هذا الوضع نتيجة بعض سلبيات الحقبة السياسية السابقة أكملت عليها ثورة الخراب العربى ٢٠١١ فانتقلت فجأة فئات اجتماعية عميلة ومتطرفة من أدنى السلم الاجتماعى إلى أعلى السلم الاجتماعى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وانغمست الدولة فى اقتصاد السوق ورفع سقف الرأسمالية ونتيجة لهذه الأوضاع انتقلت معها الثقافات والعادات والتقاليد وظهرت بعض الأفكار والتيارات الفكرية والثقافية والفنية التى تشبع نهم الطبقة الطفيلية الغنية الجديدة.
وقد أحدث هذا الوضع انحطاطا فى سلوك الأفراد ونموا مشوها من خلال إدارة شئون البلاد خاصة فى السنة التى حكم فيها جماعة الإخوان الإرهابية يونيو ٢٠١٢- يونيو ٢٠١٣ وتدنى فيها أسلوب الإنتاج وطريقة توزيع الثروة وهو ما كان يسميه الإخوان توزيع الغنائم وارتبطت جماعة الإخوان بالولايات المتحدة وبتوجهات الرئيس الأمريكى الإرهابى أوباما حتى صار الاقتصاد مرتبطا بالرأسمالية المركزية الموجودة فى الولايات المتحدة وأوروبا.
وهذا اللاتجانس فى القوى السياسية والاقتصادية فى مصر لا يمكن أن ينتج عنه تجانس فى البيئة الاجتماعية، ولذلك فقد تراجعت النخبة المثقفة والمنتجة الموجودة داخل المجتمع وحجبت عن أن تأخذ وضعها الطبيعى فى البناء الاجتماعى وعملية التنمية ذاتها، وبناء على ذلك فإن عملية الدفع بهذه النخب أمر ضروري فى هذه المرحلة حتى لا يفرغ الدور التاريخى لها من محتواه ولا يمكن مع وجود هذا الخلل أن تنمو التجربة الديمقراطية، ولا أن تتحقق القيمة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وبالتالى لا يمكن أن يتم مواجهة مشاكل الجماهير واتباع حاجاتها الأساسية. فمشكلة التنمية هى مشكلة إحداث تغييرات رئيسية فى الهيكل الاجتماعى الذى يعوق التنمية. وهذا الهيكل الاجتماعى لا يمكن أن يتغير من تلقاء نفسه إذ إن قوى الركود موجودة بداخله فى صورة قوانين وتقاليد وتوجهات سياسية متصارعة واتجاهات ومؤسسات موروثة تعوق التنمية وتخل بالديمقراطية وتحط من أخلاق وآداب بعض الأفراد.