انتهى قبل أيام قليلة المؤتمر السنوي للاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، سيطر على المؤتمر أجواء مشحونة، فأغلب شركات البناء والتشييد لديهم الكثير من الأزمات فى اللحظة الحالية مع العديد من الجهات والتي منها على سبيل المثال لا الحصر من أزمات مع مجلس الوزراء والبرلمان والبنوك.، وهى أزمات لا تنفصل عما تعانيه الدولة بالكامل، هذه الأزمات تتوازى مع حجم هائل من المشروعات التي يتم تنفيذها الآن في جميع محافظات الجمهورية، والتي تقدر حجم الأعمال بها بحوالي 300 مليار جنيه.
أبرز هذه الأزمات هى فروق الأسعار التى حدثت عقب تحرير سعر صرف الدولار، وهو أمر طال كافة الصناعات بما فيها القطاعات الحيوية، وبصراحة شديدة يصعب على المرء تحديد الموقف الصحيح فالأمر شديد التعقيد، وأظن أن كلا من الدولة ومقاولي البناء والتشييد فى نفس الخانة لا تختلف مواقفهم كثيرا، فمن جهة نجد أن مطالب المقاولين بتعويضهم عن فروق الأسعار التى حدثت فى الشهور الأخيرة أمر عادل تماما، فهذه الفروق تسببت فى زيادة تكلفة المشروعات التى تعاقدوا عليها قبل القرارات التي إتخذت في الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، وهي تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، وزيادة أسعار الوقود، والإعلان عن قانون ضريبة القيمة المضافة، كما يعانى المقاولون من تأخير جميع الجهات الحكومية في صرف تعويضات فروق الأسعار، بسبب تأخير البرلمان لإقرار قانون تعويضات المقاولين، الذي كان من المقرر التصويت عليه في البرلمان قبل 3 شهور.
وهو الأمر الذي أدى إلى خروج حوالي ألفين مقاول من سوق المقالات ولم يستطيعوا تجديد عضوياتهم بالاتحاد، وبالتالي التوقف عن المشاركة في أي أعمال جديدة، أغلبهم خرج من السوق في الربع الأخير من 2016 وفقا لما كشف عنه الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء.
وفى المقابل تعانى الموازنة العامة للدولة من عجز ضخم، ومع الأسف موارد الدولة محدودة فى اللحظة الحالية ولا تتحمل أى أعباء، فالدولة المصرية ليست فى موقف عادى، بل تعانى أزمات عدة بشكل خاص.
وعلى مدى الأشهر الخمس الماضية اشتكى أغلب المقاولين من إنهم لم يعد لديهم من السيولة ما يكفى لاستكمال المشروعات التى تعاقدوا عليها مع الدولة، وفى نفس الوقت معرضون لخسارة كبيرة نظرا لأن المشروعات يمكن أن يتم سحبها منهم لعدم التزامهم بالجدول الزمنية المحددة للتنفيذ، بل معرضون لوضع غرامات وعقوبات عليهم بسبب التأخير.
أزمة المقاولين الحالية تكشف الثمن الذي تدفعه الدولة بالكامل حكومة ومواطن ورجال أعمال، لتنفيذ أولى خطوات الإصلاح الاقتصادي التي تأخرت منذ نهاية السبيعنيات من القرن الماضي، ولكن أزمة المقاولين تزداد تفاقما ليس فقط بسبب الأزمة المالية والفجوة فى الأسعار التى نتجت عن تحرير سعر الصرف، ولكن فى التهديدات الخبيثة التى يخضع لها المقاولين، من صغار الموظفين، الذين يتيح لهم القانون اللجوء للبيروقراطية، لمساومتهم لعدم تأخير صرف مستخلصاتهم أو الإسراع فى إصدار قرارات تطبيق غرامات التأخير فى التنفيذ، مستغلين الأزمة الحالية للمقاولين.
الأزمة المالية للمقاولين ستمر أجلاً أم عاجلا والاقتصاد المصري سيتعافى وستعود الأمور إلى وضعها، ولكن هل ستظل المشكلة الأساسية والمزمنة مستمرة أم إننا نستطيع مواجهتها بجرأة وشجاعة، وسنعدل القوانين التي تسمح للموظفين الاختباء بين تلال من الأوراق التي تحمى البيروقراطية ويلجأ لها ضعاف النفوس ويستنزفون الاقتصاد، ويهدرون الطاقات والوقت فى إجراءات روتينية لا طائل منها.
لا يعنى ذلك أن رجال الأعمال جميعهم مظلومون ولا يعنى أيضا أن جميع الموظفين ظالمون، ولكن نحتاج إلى إعادة صياغة لمنظومة التعاون بين رجال الأعمال والجهات الحكومة، لأن المناخ الإداري الفاسد كفيل بأن يخلق رجال أعمال على نفس النمط، ولن يدفع ثمن ذلك سوى المواطن والحكومة.
فالحكومة دورها تقديم الخدمات وتهيئة المناخ للاستثمار لمساعدة المستثمرين على توفير فرص العمل وزيادة الإنتاج لذلك يجب أن يكونا طرفي المعادلة حليفا لبعضهما البعض، ليخرجا بقوانين جديدة قادرة على مواكبة المتطلبات الحالية وقادرة على دمج التكنولوجيا الجديدة فى تقديم الخدمات والصناعة والبناء، ويتحالفان أيضا فى تطبيق هذا القانون بحسم وصرامة.