الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفنان محمد رزق.. عطاء وإبداع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أواخر التسعينيات، تقابلت لأول مرة مع الفنان التشكيلى الكبير محمد رزق، حيث دعيت لتقديم حفل على آلتى المحببة «الفيولا» فى مركز الجزيرة للفنون، والذى كان يقوم سيادته بإدارته آنذاك، ومنذ ذلك الوقت بدأ عشقى لهذا المكان الراقى، ولقاعته الرائعة بمتحف الخزف الإسلامى، والتى كان يتوسطها آلة البيانو الضخمة التى كانت تضفى على المكان سحرًا خاصًا، وكنت أستمتع بالعزف فى هذا القصر الأثرى بين الآثار الإسلامية الرائعة والديكور المستلهم من التراث الإسلامى، إلى جانب الجمهور المتذوق الذى كان يداوم على متابعة الحركة النشطة للمركز والأنشطة الفنية المختلفة التى كانت تقام بانتظام، وبجانب تقديمى للعديد من الحفلات هناك، كنت أحرص على متابعة المعارض التى ينظمونها، وبمرور الوقت جمعتنى الصداقة بالفنان الكبير محمد رزق رغم فارق العمر الكبير بيننا، حيث يتمتع بروح شابة ومفعمة بالحيوية، إلى جانب نفس راضية وتواضع رغم قيمته الفنية والإنسانية الرفيعة، وعبقريته التى لا يجهلها المتخصصون والمهتمون بالفن التشكيلى، وخاصة فى النوعية التى تخصص فيها وهى الفن التجريدى، وكنا نتحدث دائمًا عن العلاقة الكبيرة بين الفن التشكيلى والموسيقى، ومدى ارتباط كل منهما بالآخر، وكيفية تذوق اللوحات التجريدية خصوصًا بالمقارنة مع الموسيقى التى تعد فنًا تجريديًا أيضا، فكلاهما يعتمد على خيال المتلقى، وترجمته لما يراه أو يسمعه، وكنا نتناقش فى علاقة اللون بالصوت، والدرجات اللونية المتفاوتة والتى تتدرج بين سبعة ألوان أساسية هى ألوان الطيف، وعلاقتها بالنغمات الأساسية والسلم الموسيقى الذى يتكون من سبع نغمات أيضًا، حتى أن الموسيقيين يستخدمون مصطلحات من الفن التشكيلى كاللون الصوتى، وكذلك الفنانين التشكيليين الذين يحللون الموسيقى فى اللوحات ويصفونها بمسمياتها، ولا أنسى مادة «الفنون المعاصرة» التى كنا ندرسها فى الكونسرفتوار، والتى كنا نتعلم من خلالها كيفية فهم المدارس المختلفة للفن التشكيلى، ونقارن اللوحات التشكيلية فى العصور المختلفة بالمؤلفات الموسيقية التى كتبت فى نفس العصور، فكنا ننتقل إلى متحف «محمود خليل» بصحبة أ. د ماجدة سعد الدين التى كانت تقوم بتدريسها باقتدار، وكان لها الفضل الأول فى فهمنا وتذوقنا للفن التشكيلى، وبعدها كنت من سعداء الحظ بحضورى العديد من المعارض التشكيلية بصحبة المبدع محمد رزق، حيث كنت أستمتع بعرضه ومشاهدة اللوحات بعينيه، فأغوص فى هذا الفن، وأتذوقه بعين أحد أهم رواده فى مصر، وكنت أستمتع أيضًا بأسلوبه فى النقد، فهو ناقد لاذع ولكن بخفة ظل، وأذكر تعليقه الساخر على أحد المعارض التى لم تعجبه، بأن أجمل ما فيه البراويز الخشبية القيمة!!، وكنت أشعر بالفخر والاعتزاز حين أرى لوحاته الرائعة فى الأماكن المختلفة التى أذهب إليها مثل: دار الأوبرا المصرية، ومتحف الفن المصرى الحديث، والمركز الدولى للمؤتمرات، وغيرها الكثير من الأماكن التى تتشرف بعرض لوحاته القيمة سواء داخل مصر أو خارجها، ولكن بسبب بعض الظروف الصحية التى أصابته ابتعد إلى حد ما عن المشهد خلال السنوات الأخيرة، ولكنه لم يتوقف عن الإبداع مطلقًا، ومنذ أيام قليلة قام قطاع الفنون التشكيلية برئاسة أ. د. خالد سرور، ومدير مركز الجزيرة للفنون الفنان أمير الليثى بتكريم هذا الرمز، من خلال تنظيم معرض للوحاته فى كامل قاعات المركز، وذلك للاحتفاء بمسيرته الفنية وعطائه المميز فى إدارة وتطوير هذا المركز الذى جعله منارة ثقافية، ولكن للأسف بعد انتهاء ولايته، وخضوع متحف الخزف الإسلامى للترميم منذ سبع سنوات، خفت وهج المركز وتوقفت العديد من الأنشطة، وبالطبع نتمنى أن تسرع وزارة الآثار فى ترميم المتحف حتى يعود لسابق عهده فى أسرع وقت، ولكننى سعدت بتلك المبادرة الكريمة من الإدارة الحالية للمركز، والتى تدل على الوفاء والاعتراف بالجميل، وتابعت بشغف الفنان الكبير وهو يفتتح معرضه محاطًا بحب وتقدير تلاميذه الذين أصبحوا الآن فى موضع المسئولية، فحصد ثمار ما زرعه، لنرى نموذجا رائعا للتكامل والتواصل بين الأجيال، واستمتعنا بمشاهدة ما يقرب من التسعين لوحة، والتى اختارها من بين أعماله منذ بداية الثمانينيات وحتى ٢٠١٥، وشعرت بالسعادة البالغة وأنا أتصفح الكتالوج القيم الذى تمت طباعته وتوزيعه فى المعرض، والذى يحتوى بعضًا من سيرته الذاتية، وتقديمه من خلال رئيس قطاع الفنون التشكيلية، ومدير مركز الجزيرة، بالإضافة لنبذة مما كتبه عنه كبار الفنانين التشكيليين والنقاد، إلى جانب استعراض اللوحات المعروضة فى معرضه الحالى، لنتأمل جزءًا من رحلة هذا الفنان العملاق ونتذوق جماليات لوحاته، ونشاهد محطات مهمة فى مشواره، محمد رزق الذى ولد عام ١٩٣٩ وتخرج فى كلية الفنون التطبيقية عام ١٩٦٨، وله العديد من الأنشطة البارزة فى مصر وخارجها، سيظل جزءًا مهمًا من تاريخ حركة الفن التشكيلى فى مصر، وأتمنى أن تسعى الكليات الفنية والمراكز الثقافية للاستعانة به فى ندوات وحلقات نقاش، للاستفادة من خبراته المختلفة ونقلها إلى الأجيال الجديدة، كما أرجو أن يقوم الإعلام بدوره المنتظر، ويسعى لتسجيل حلقات تتضمن مسيرة حياته الثرية، وأدعو الجمهور أن ينتهزوا الفرصة، ويصطحبوا أبناءهم لزيارة هذا المعرض القيم، والذى يمتد حتى يوم ١١ أبريل، ولا أجد أجمل مما قاله عن نفسه: «الفن عندى ليس مجرد صنعة أو هواية أو موهبة، وإنما نشاط وجودى، أمارسه بتطهر وكأنى أؤدى طقسًا شعائريًا».