الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خطاب العنف والدم.. الحنابلة والفرق الأخرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استكمالًا للخطاب الحنبلي المتشدد والذي نعاني منه حتى الآن، وبعد أن عرضنا لحلقتين منه، أولها عن الإمام أحمد بن حنبل وخطابه المتشدد، وثانيها عن تأثير الخطاب الحنبلي في الحياة الفكرية والاجتماعية وضربنا مثال لها بمحنة الإمام الطبري مع الحنابلة، نقدم اليوم لخطاب العنف والدم الحنبلي في مواجهة الفرق الإسلامية الأخرى، على الرغم من أنه لم يكن الحنابلة حزبًا حاكمًا أوأعضاء في الحرس أوشرطة الخلافة، بل كانوا أفرادًا يربط بينهم المذهب الديني ويؤلّف بين قلوبهم التطرّف الأعمى، والنقمة على المجتمع وعلى مظاهر التحول التي اجتاحته بعد قرن ونصف من ظهور الإسلام، حيث سمحت الغزوات الكثيرة بتراكم الثروة والعبيد والجواري من كل جنس في دار الخلافة، التي أصبحت ملتقى للقوافل التجارية، فازدادت مظاهر التمدن والترف، وتعمق التثاقف والتبادل الحضاري بين المسلمين والحضارات القديمة المجاورة لهم، وخاصة منها الفارسية واليونانية والرومانية، مما أدى إلى البعد التدريجي عن نموذج المجتمع النبوي البسيط الذي ظل يلهب خيال الحنابلة وكل الفرق المتشددة، وظلوا يعتبرونه النموذج الذي ينبغي إعادة المجتمع إليه عند كل مرحلة تمامًا كما تفعل فصائل الإسلام السياسي اليوم على الرغم من اختلاف توجهاتها إلا أنها ذات مرجعية واحدة تعود في الأساس إلى هذه المنظومة الفكرية، فلن يجهد السلفي عقله بالتفكير والتحليل، والنقد والتمييز، وإعادة النظر والمراجعة، ما دام (السلف) وعلى رأسهم ابن حنبل إمام أهل السنة والجماعة، قد قالوا قولهم الفصل في المخالف!! ومعلوم أن هذه الأصول والقواعد لم تتمكن من عقول الناس إلا في المرحلة التي نال بعدها الإمام أحمد لقب (إمام أهل السنة والجماعة) بعد أن ظل المشكل السياسي يشكل بؤرة الصراع وأساس الافتراق بين الطوائف والذي سالت بسببه الدماء والاتهام بالتكفير. 
ما نقدمه هنا ليس افتراء نفتريه ولا تأليف من بنات أفكارنا بل هو ما وجدناه في كتب التاريخ المختلفة والتي يعد كاتبيها من أهل السنة والجماعة فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة سبع وأربعين وأربعمائة: (وفيها وقعت الفتنة بين الأشاعرة والحنابلة، فقوي جانب الحنابلة قوة عظيمة، بحيث إنه كان ليس لأحد من الأشاعرة أن يشهد الجمعة ولا الجماعات) أهـ.
وقال الإمام ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة سبع وأربعين وأربعمائة: (في هذه السنة وقعت الفتنة بين الفقهاء الشافعية والحنابلة ببغداد، ومقدم الحنابلة أبو علي بن الفراء، وابن التميمي، وتبعهم من العامة الجم الغفير، وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعوا من الترجيع في الأذان، والقنوت في الفجر، ووصلوا إلى ديوان الخليفة، ولم ينفصل حال، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفًا وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها) أهـ.
قال الإمام ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة خمس وسبعين وأربعمائة: ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة :
ورد إلى بغداد، هذه السنة، الشريف أبو القاسم البكري، المغربي، الواعظ، وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك، فأحبه ومال إليه، وسيره إلى بغداد، وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم، ويقول: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا"، والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا.
ثم إنه قصد يومًا دار قاضي القضاة أبي عبدالله الدامغاني بنهر القلائين، فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة، وكثر جمعه، فكبس دور بني الفراء، وأخذ كتبهم، وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى، فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ، فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن. ولقب البكري من الديوان بعلم السنة، ومات ببغداد، ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري) اهـ.
وقال الإمام ابن الأثير في حوادث سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة: (ذكر فتنة الحنابلة ببغداد :
وفيها عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة، وإن وجدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنيّة ضربوها وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن التي معه مَن هي، فأخبرهم، وإلاّ ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد.
فركب بدر الخرشَنيُّ، وهو صاحب الشُّرطة، عاشر جمادى الآخرة، ونادى في جانبَيْ بغداد، في أصحاب أبي محمّد البربهاريّ الحنابلة، ألاّ يجتمع منهم اثنان ولا يتناظروا في مذهبهم ولا يصلّي منهم إمام إلاّ إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشاءَين، فلم يفد فيهم، وزاد شرّهم وفتنتهم، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مرّ بهم شافعيُّ المذهب أغروا به العميان، فيضربونه بعصيهم، حتّى يكاد يموت.
فخرج توقيع الراضي بما يُقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم، ويوبّخهم باعتقاد التشبيه وغيره، فمنه تارة أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال ربّ العالمين، وهيئتكم الرذلة على هيئته، وتذكرون الكفّ والأصابع والرجلَين والنعلَين المُذهّبَين، والشعر القطط، والصعود إلى السماء، والنزول إلى الدنيا، تبارك الله عما يقول الظالمون والجاحدون، علوًا كبيرًا، ثم طعنكم على خيار الأئمة، ونسبتكم شيعة آل محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الكفر والضلال، ثمّ استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن، وإنكاركم زيارة قبور الأئمّة، وتشنيعكم على زوّارها بالابتداع، وأنتم مع ذلك تجتمعون على زيارة قبر رجل من العوامّ ليس بذي شرف، ولا نسب، ولا سبب برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتأمرون بزيارته، وتدّعون له معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، فلعن الله شيطانًا زين لكم هذه المنكرات، وما أغواه.
وأمير المؤمنين يقسم بالله قسمًا جهدًا إليه يلزمه الوفاء به لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنكم ضربًا وتشريدًا، وقتلاً وتبديدًا، وليستعملن السيف في رقابكم، والنار في منازلكم ومحالكم) أهـ.
قال الإمام ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة سبعة عشر وثلاثمائة: (وفيها وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المَرْوَزيّ الحَنبليّ وبين غيرهم من العامة، ودخل كثير من الجند فيها؛ وسبب ذلك أن أصحاب المَرْوَزيّ قالوا في تفسير قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) الإسراء:79؛ هو أن الله سبحانه يُقعد النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش؛ وقالت الطائفة الأخرى: إنما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة واقتتلوا، فقُتل بينهم قتلى كثيرة) أهـ.
هذه الحوادث وغيرها مما يملأ كتب التاريخ الإسلامي إنما تؤكد أن هذه التيارات والجماعات الإرهابية لم تأتي من الفراغ بل لها جذور في التاريخ لم يتم مناقشتها جيدًا مما يؤدي في النهاية إلى تمثلها والاهتداء بهديها في الذبح والقتل باسم الله.