السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خناقة على «فيسبوك».. بعيدًا عن المنهج المعروف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدر القرار، ولم يكن مفاجئًا على الإطلاق، فمنذ عدة سنوات والكلام يدور علنًا وسرًا وفى أروقة مجلس الوزراء ومجلس النواب وكواليس اتخاذ القرار، وما أدراك ما هذه الكواليس.
نعم عزيزى القارئ.. «المناحة» منصوبة منذ سنوات «مترو الأنفاق بيخسر.. بيستلف علشان يسدد المرتبات»، وغير ذلك من الكلمات التى مهدت الطريق لاتخاذ قرار رفع سعر تذكرة المترو.. والزيادة تبدو بسيطة «يعنى إيه جنيه؟ هو الجنيه بقى له قيمة؟» لكن المسألة ليست بهذه البساطة لو تعلمون، رغم أن الزيادة البسيطة دى تمت بنسبة ١٠٠٪.
انشغل الناس بالقرار وارتفعت درجة حرارة «السوشيال ميديا»، وأهمها وأكثرها شعبية صفحات الـ«فيسبوك»، ما بين معارض أو مؤيد أو «مش راسى على بر»، وانغمس الجميع فى زاوية واحدة تناقش القرار ولم تلتفت إلى المنهج الذى يحاصرنا منذ أمد طويل وعلى مر أكثر من ٤٥ عامًا.
وانقسم الجميع إلى فرق متناحرة.. البعض يؤيد القرار على أسس يراها موضوعية، ويدافع عنه بحماس يفوق حماس الذين أصدروه لكنه بالطبع لا يمت بصلة لحماس «بتاعة غزة»، وكثيرون ينتقدون القرار من منطلقات موضوعية أيضًا، لكن هؤلاء البعض وأولئك الكثيرين تاهوا وسط غالبية، منها مجموعة تدافع عن القرار دون أى «ريحة» للمنطق ودون تقديم أى مبرر «يدخل الدماغ» وكان هدفهم فيما أعتقد مواصلة العزف على نغمة «المبرراتية» لأى قرار حتى لو تأثر به أقرب الأقربين إليهم، إلى جانب مجموعة أخرى ترفض القرار بأسلوب لا يعتمد إلا على الشتائم، ويعبر عن حالة «زهق عام» من أى قرار تتخذه الحكومة، انطلاقًا من انعدام الثقة بين الطرفين «الشعب والحكومة» اللى هما طرف واحد فى كل البلاد الديمقراطية.
ووسط كل ذلك لفت نظرى رأى عقلانى للغاية طرحه الباحث الاقتصادى المرموق محمد نور الدين، وأنقله كما كتبه على «فسيبوك»: «الزيادة بسيطة ولكنها ستلقى بأعباء كبيرة على بعض الأسر محدودة الدخل، وهناك أكثر من وسيلة طبعا لتخفيف العبء عليهم منها بيع ١٠ تذاكر مثلًا بـ١٥ جنيهًا.. الحل الحقيقى طويل الأجل هو استغلال المساحات المتواجدة بالمحطات وتأجيرها لمحلات متنوعة، كما هو الحال فى مترو باريس وغيره، وكذا عمل لوحات إعلانات بطول المحطات».
يا صديقى العزيز والمهذب.. هى الحكومة فاضية علشان تفكر بعقل ومنطق؟ اقتراحك رائع بس ده عايز وقت وطوب وزلط وأسمنت ومناقصات ومزايدات، والحكومة اعتمدت من زمان منهج آخر يقوم على «سرعة لم الفلوس من جيوب الناس» ليه تدوش نفسها وتصدع دماغها، وهى ترفع شعار: «عايزين الفلوس بدرى بدرى»؟.
هنا مربط الفرس، فهكذا هى حكومتنا دائمًا.. لم نسمع عن ترشيد المصاريف فى هيئة المترو، لا ندرى لماذا تستعين بشركة أمن خاصة تتقاضى أكثر من ٣٠ مليون جنيه؟ «صديق يجلس بجوارى يعارضنى قائلًا: لأ دى بتاخد ٥٠ مليون»، لا نعرف إلى أين وصلت مرتبات علية القوم فى المترو؟.
سيبك من كل ده.. لنفترض جدلًا أن ميزانية المترو «مش بايظة» وتمام التمام، فلماذا اعتادت حكومتنا السطو على جيوب الناس.. المترو بيخسر هات من جيوبهم، ميزانية الدولة فيها عجز هات برضه من جيوب الناس.. أما حكاية التكافل الاجتماعى أو العدالة الاجتماعية فقد ذهبت مع الريح.
هل تذكرون قانون الخدمة المدنية؟ هيصة وزيطة وكتر كلام وتصريحات وحوارات وكلها كانت تركز على أنه يستهدف إعادة الهيكلة والإصلاح الإدارى.. «بذمتكم حد منكم شاف الحاجة إصلاح اللى كانوا بيتكلموا عنها؟» ما حدث فقط تستشفه من كلام وزير التخطيط وقتها الدكتور أشرف العربى «الله يمسيه بالخير»، الذى أعلن أن تأجيل أو رفض القانون يحمل ميزانية الدولة ملايين الجنيهات، وهكذا اتضح أن الهدف أساسًا تقليص بعض المرتبات ليساهم الموظفون فى سد عجز الموازنة.
وبعدها صرخت الحكومة: «ياجماعة ما زلنا عاجزين عن سد العجز»، وطبقًا لمقولة جدتى الله يرحمها: «ياما فى الجراب ياحاوى»، طلع الحاوى بقانون ضريبة القيمة المضافة، وسط خداع علنى يقوم على أن القانون هو نفسه ضريبة المبيعات، وانطلقت المناقشات رايحة جاية ليكتشف المواطن أن نسبة الضريبة زادت كما ارتفع عدد السلع والخدمات الخاضعة لها.
ينطلق صوت عاقل: هدوء شوية.. على مهلكم على الناس.. مش كدة ياجماعة «على طريقة محمد صبحى»، فإذا بالرد يأتيك عن يمينك وعن يسارك وفى كل الاتجاهات، وأينما تكونوا تدرككم لافتات: «بالإصلاح الجرىء.. ننطلق على الطريق»، لكن حضرات السادة المسئولين، أرادوا تنفيذ توجيهات الصندوق إياه فداسوا بنزين جامد، حتى إنك لا تدرى كم دهسوا على الطريق؟!، ولا ندرى كم تكلفت هذه الحملة الدعائية فى الشوارع والميادين، غير تلك التى «تنط فى وشك» ضمن إعلانات كومباوندات البهوات على الفضائيات؟.. نعم كم تكلفت ومن جيب مين فى مصر؟
ماذا أقول لكم.. القضية مش فى رفع سعر التذكرة، لكنها فى المنهج الذى لا يفكر إلا فى جيوب الغالبية اللى بتاخد فوق دماغها بقرارات متوالية ترهق كاهلها، وما زالت تعيش وتتنفس وتعمل وتضىء وجه الحياة حتى لو غابت عنها ابتسامتها الجميلة.
وسلامًا على الصابرين..