نقول هذا ردًا على الأقوال والمواقف المنحرفة لبعض مدّعى النقابية والذين تسللوا إليها فى غفلة من الزمن، مستغلين حالة الاضطراب التى تسود البلاد بسبب الانشغال فى التصدى للإرهاب والإرهابيين، ونظرًا لتنامى دور هؤلاء، الأمر الذى يشكل خطرًا داهمًا على الأمن القومى المصرى. كان لزمًا علينا العودة إلى البديهات حتى نرد على ما يقولونه وما يفعلونه. وفى البداية نؤكد أن الحركة النقابية المصرية، سواء كانت عمالية أو مهنية، هى حركة وطنية فى الأصل، وتعد من الروافد الأساسية للحركة الوطنية المصرية، وتصدت للاستعمار البريطانى القديم والاستعمار الأمريكى الجديد وربيبته إسرائيل، وهذا راجع لطبيعة نشأتها، حيث أخذت فى الظهور عقب انهيار التجربة الصناعية التى بدأها محمد على فى نهاية القرن التاسع عشرو وإشهار إفلاس مصر فى عام ١٨٧٦، الأمر الذى أدى إلى احتلال البلاد فى عام ١٨٨٢، وأعقب ذلك الحرب العالمية الأولى، التى أدت إلى تدفق رأس المال لمصر من أجل الوفاء باحتياجات السوق المحلية، وكذلك احتياجات القوات المشاركة فى هذه الحرب على الأراضى المصرية، وهذا أدى إلى انتعاش اقتصادى، وكان سببًا فى ظهور وبلورة الطبقة العاملة المصرية، سواء فى الشركات المملوكة للأجانب، أو قطاع الخدمات، كالترام والكهرباء، فبرزت الحقوق المطلبية، مثل زيادة الأجور أو تخفيض ساعات العمل أو الحصول على إجازة مدفوعة الأجر ورفض الفصل التعسفى، ولم تستجب الإدارة لهذه المطالب، مما دفع العمال إلى الإضراب عن العمل، ونسجل ملحوظة أساسية أن كل إضراب حدث وُلدت من بطنه لجنة نقابية، وساعد فى ذلك العمال الأجانب الذين نقلوا الخبرة النضالية الأوروبية إلى العمال المصريين، وكانت أول النقابات - نقابة عمال السجائر الذين بدأوا إضرابهم فى ديسمبر ١٨٩٩، وانتهى فى ١٢ فبراير ١٩٠٠. ولعبت النقابات العمالية والمهنية دورًا بارزًا فى ثورة ١٩١٩، وبرز دور حزب الوفد كرمز للوطنية المصرية فى مواجهة أحزاب السراى، وسعى للسيطرة على النقابات العمالية والمهنية، مما أدى إلى تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال بوادى النيل على يد الأستاذ عبدالرحمن فهمى فى إبريل ١٩٢٤ ولعبت النقابات العمالية والمهنية دورًا أساسيًا فى كل الهبات ضد قوات الاحتلال الإنجليزى وحكومات الأقليات التى كان يتم تشكيلها من خلال الأحزاب الموالية للقصر، وكان طبيعيًا أن يكون لهم دور بارز فى تشكيل اللجنة العليا للعمال والطلبة فى عام ١٩٤٦، والتى قادت النضال خلال هده الفترة، حيث رفعت شعارات المطالبة بالاستقلال التام ووقف المفاوضات مع الاحتلال، وحشد الملايين فى الميادين العامة بالمحافظات، وهذه اللجنة تشكلت فى ١٨ فبراير فى أعقاب المظاهرات الطلابية العارمة فى يومى ٩ و١٠ فبراير ١٩٤٦، والتى لعب فيها دورًا بارزًا طلاب الثانوية، الأمر الذى أدى إلى استقالة حكومة النقراشى، واضطر الملك لتكليف إسماعيل باشا صدقى بتشكيل الوزارة، والذى أطلق عليه لقب «عدو الشعب»، وتم فتح كوبرى عباس على المتظاهرين، وانهالت عليهم قوات الاحتلال والبوليس السياسى ضربًا وقبضًا فسقط أكثر من مائتى قتيل ومصاب.
وإذا انتقلنا إلى الناحية الأخرى لمعرفة دور جماعة الإخوان المسلمين فى هذه الفترة التاريخية، فسنجد أنهم فى البداية كانوا ضد النقابات والعمل النقابى ومع إنشاء الجمعيات حتى تصبح فروعًا للجماعة، إلا أنهم اضطروا فى فترة تاريخية للعمل النقابى، ليس إيمانًا بالعمل النقابى بقدر ما هو محاولة منهم للتصدى للقوى الوطنية الديمقراطية، وفى القلب منها اليسار المصرى، وتفتيت الحركة الجماهيرية، ورفعوا شعار «لا حزبية بعد اليوم» وردت عليهم الحركة الوطنية بشعار «لا فاشية بعد اليوم»، وقاموا بتشكيل لجنة الطلبة التنفيذية العليا كرد على تشكيل اللجنة العليا للعمال والطلبة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استقبلوا إسماعيل باشا صدقى «عدو الشعب» بمركز الإرشاد وأيدوه باعتباره هو الذى سينقذ البلاد، وعلق زعيمهم فى الجامعة مصطفى مؤمن على وعود صدقى بآية من القرآن «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًا».
أما عقب قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ فقامت جماعة الإخوان المسلمين بتحريض حكومة الثورة ضد الأحزاب السياسية والنقابات، إلا أن حكومة الثورة حلت الأحزاب وجمدت العمل النقابى وأخذت بنظام التنظيم السياسى الأوحد، بهيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى، واشترطت حكومة الثورة عضوية هذا التنظيم لاكتساب عضوية النقابات العمالية أو المهنية، ورغم كل هذا استمرت النقابات العمالية والمهنية فى تأييد ودعم الثورة، وبرز هذا فى مواجهة العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦، سواء الاشتراك فى كتائب الفدائيين ببورسعيد أو تنظيم المقاطعة لسفن الدول الثلاث التى اشتركت فى العدوان هو ذات الدور عقب هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، بينما سيطرت الشماتة على جماعة الإخوان المسلمين وفرحت بهذا العدوان، واعتبرته تخليص ذنب حبس كوادرها وانتقامًا ربانيًا من السلطة الوطنية، ولكن الحركة النقابية المسيرة استمرت فى دورها والوقوف خلف قواتنا المسلحة فى صمودها وتصديها للعدوان، ونظمت كتائب الدفاع المدنى وزيارات الجبهة ورعاية أسر الشهداء والمقاتلين على الجبهة حتى كان انتصار ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وركزت القوى الوطنية على عملها النقابى، وكان لها الفضل فى إبراز شعار «اخلع رداءك الحزبى على باب النقابة» ونتيجة الاتفاق الذى أبرم ما بين الرئيس الراحل أنور السادات وجماعة الإخوان المسلمين للتصدى لقوى اليسار سواء الماركسيين أو الناصريين تم تسليم النقابات المهنية وطرد عناصر القوى الوطنية، والذين حولوها إلى معارض للسلع المعمرة وسوق للعقارات، وكونوا ثروات طائلة نظير هذا العمل ولجان الإغاثة وجمع الأموال الطائلة كتبرعات وانحرفوا بالعمل النقابى إلى سبوبة تدر عليهم وعلى تنظيمها الأموال الطائلة، وللأسف الشديد هناك جزء من القوى الوطنية تحالف معهم وسار فى ركابهم، وأدى هذا إلى فرض الحراسة على بعض النقابات المهنية وأدى إلى وصولهم للحكم بعد اختطافهم ثورة ٢٥ يناير وزادت قبضتهم على النقابات المهنية، واستولوا على النقابات العمالية بالكامل حتى قامت ثورة ٣٠ يونيو وصححت المسار، وتم تحرير بعض النقابات المهنية من قبضتهم، إلا أنه للأسف الشديد حل محلهم من كانوا متحالفين معهم من مدعى الوطنية، والذين لا ينتمون بأى صلة بها، إنما رفعوها كستار على مخالفتهم المالية الجسيمة، وظهرت دعاوى مشبوهة سواء التعددية النقابية أو النقابات المستقلة والتعاون مع المنظمات الدولية المشبوهة لتلقى الأموال الأجنبية وإقامة منظمات موازية للنقابات العمالية والمهنية لهذا الغرض، وهذا يفسر عدم قيامهم بفتح ملفات انحرافات وسرقات عناصر جماعة الإخوان المسلمين لأموال النقابات، وكذلك الأزمات التى تتواجد فى عدد من النقابات المهنية والعمالية، وأمام هذا الوضع لابد من فتح ملف النقابات المهنية والعمالية وتذكير الجيل النقابى الجديد والشريف بأمجاد الحركة النقابية المصرية والثوابت الوطنية والديمقراطية التى كانت تتحلى بها والفرق ما بين العمل النقابى والعمل الحزبى والطهارة النقابية باعتبار العمل النقابى عمل تطوعى بدون مقابل وليس سبوبة لجمع الأموال.