المؤكد أن خوض انتخابات نقابة الصحفيين، تجربة تثرى صاحبها بالعديد من الخبرات خاصة إذا كانت المرة الأولى، وصحيح أن الحظ لم يحالفنى، لكن حسابات المكسب والخسارة بعدد الأصوات التى حزتها تؤكد افتقادى الخبرة اللازمة لخوض العملية الانتخابية، غير أن ما تعلمته من هذه التجربة يعد المكسب الأكبر فيها، يضاف إلى مخزون خبراتى المهنية فى مجال العمل الصحفى.
ومع ذلك كان دعم أساتذتى وزملائى وجميعهم ممن يُشار لهم بالبنان عندما تُذكر المهنية، الدافع الأكبر لأستمر فى العمل النقابى كعضو بالجمعية العمومية للصحفيين خاصة وأن المجلس الحالى فى مجمله من كبار الصحفيين الذين نتعلم منهم سواء كانوا أساتذة أوزملاء.
أظن أن هذا المجلس برئاسة نقيبنا عبدالمحسن سلامة يستحق الدعم المستمر من الجماعة الصحفية التى أتت به، خاصة أنه جاء فى لحظة تكثر فيها المزايدات الرخيصة، وبعد فترة شهدت محاولات لاختطاف النقابة وتغيير طبيعتها من كونها نقابة الرأى الأولى المدافعة عن حق المصريين جميعًا فى التعبير عن رأيهم، إلى ما يشبه الحزب السياسى الذى يعبر عن رأى واتجاه واحد بل ويحاول فرضه على الجميع.
الدفاع عن المهنة والعمل على خدمة أبنائها وتنمية مهاراتهم؛ هو فى جوهره دفاع عن مصلحة المجتمع وحقه فى تلقى المعلومة المجردة والفصل الحاد والصارم بين المعلومة والرأى ليُترك المجتمع بفئاته وشرائحه وانتماءاته الاجتماعية والسياسية المختلفة ليكون آراءه ومواقفه بحرية.
لذلك ليس ثمة انفصال بين دور النقابة فى توفير الخدمات المختلفة لأبنائها وتحسين ظروف حياتهم وتنمية مهاراتهم المهنية، وبين دورها الدفاعى عن حق الجميع فى التعبير عن آرائهم ما لم تكن ظلامية تكفيرية ومحرضة على العنف والكراهية؛ الخبر المجرد والتحقيق المُنزه والحوار المُحايد وغيرها من أشكال الكتابة الصحفية التى تطرح وتناقش قضايا الوطن هى ما تساعد أبناءه على تشكيل مواقفهم وآرائهم وهو ما يُعرف فى علوم الصحافة والإعلام باتجاهات الرأى العام وتعبر عن تلك الاتجاهات مقالات وأعمدة الرأى وكم من مقال أو عمود لكاتب كبير بُنى على معلومة مشوهة أو تم تزييفها بابتسار بعض عناصرها أو ما نسميه بمواصفات الخبر الصحفى الصالح للنشر.
للأسف لعب التصويت السياسى دورًا كبيرًا فى انتخابات الصحفيين على مقاعد العضوية ولم ينج منه بشكل قاطع سوى الزميلين أيمن عبد المجيد وحسين الزناتى وهذا لا يعنى أن اعتبارات الخبرة المهنية والنقابية قد غابت تمامًا فى اختيار الزميلين محمد خراجة وجمال عبدالرحيم، فقد امتزج معها الهوى والميل السياسى.
لذلك سيكون على النقيب عبدالمحسن سلامة والذى أُختير هو الآخر لاعتبارات مهنية ونقابية صرفة أن يقود دفة السفينة حيث وجه المهنة على نحو لا يُحدث صدامات أو تصدعات داخل المجلس ولعل وصف المايسترو لدوره فى المرحلة المقبلة هو الأدق على حد تعبير الصديقة والكاتبة الصحفية محاسن السنوسى، التى وافقتنى الرأى بأن نقيبنا عبدالمحسن سلامة منوط به لعب دور المايسترو فى ظل مجلس يضم أعضاءً يعزفون آلات مختلفة وليس مطلوبا أن تشذ آلة وتعزف لحنًا نشاز.
بحسب السنوسى على المايسترو سلامة أن يقدم سيمفونية تتكامل فيها آلات جميع الأعضاء لخدمة المهنة وأبنائها فلهذا فقط جاءت به الجمعية العمومية إلى مقعد النقيب بأغلبية كاسحة.
وعلى الزملاء الأعزاء من الأعضاء الذين جاءوا بحسابات الكتل السياسية أن يتعلموا الدرس جيدًا وألا يغردوا خارج سرب الجماعة الصحفية.
لهم كامل الحق فى التعبير عن آرائهم السياسية وممارسة العمل السياسى، لكن بشرطين ألا يفرضوا آراءهم على مجلس نقابة الصحفيين أو يتخذوها موضوعًا للمزايدة، وأن يمارسوا نشاطهم السياسى داخل الأحزاب والكيانات السياسية التى ينتمون إليها خارج النقابة وبعيدًا عن كونهم أعضاء بمجلسها يمثلون فى المقام الأول مصلحة الصحفيين.
صحيح أنهم أيضًا جاءوا بإرادة الجماعة الصحفية لكن هذا لا يعطيهم الحق فى فرض وجهة نظر التكتل السياسى الذى جاء بهم فى العمل النقابى وطريقة إدارة مصالح أكثر من ١٠ آلاف صحفى مختلفين فى مشاربهم السياسية والفكرية.