يا لها من فرصة لن تتكرر كثيرًا.. تلك اللحظة الفارقة التي يتحدث فيها المرء عن ما يدور في وجدانه، ويحبسه في نفق عميق، ينهمر بين جنباته، ماء مالح، ينتظر التوقيت المُناسب ليخرج ثائرًا؛ فيحرق جروحًا غائرة.
يا لها من ثوانٍ عصيبة تلك التي تمر على الإنسان بعيدًا عن أمه، لماذا لم يكن القدر رحيمًا باليتامى؟، لماذا لا يزهقنا الموت مع أمهاتنا؟، لماذا يتركنا عرايا في هذه الدنيا، نلتحف منها أوراق الشجر؛ لنستر بها أرواحنا التي انكشفت بغتةً؟.
صحيح الحياة مُعاناة، لكن لن تعيشوا أسوأ من لحظة فراق أُمهاتكم، هنا فقط ستكتشفون قسوة هذه الدنيا.
في ثانية واحدة، يتحول الشاب اليافع، دون أن يدري إلى كهل، حينها فقط سترى شعرك الأبيض في العشرينيات من عمرك، وقتها أنت على موعد مع احتساء كأس المرارة، سترى الشفقة في عيون الجميع لأول مرة في حياتك.
«البقية في حياتك.. ماما ماتت»، إنها الجملة التي أتذكرها يوميًا، عندما أستيقظ من نومي، أبحث عن أمي، فلا أجدها، فرغم مرور السنوات بأيامها الطويلة، لازال يعتريني الأمل حتى هذه اللحظة أن ألتقيها.
أمي العزيزة.. أرسل لك خطابي هذا من أرض النفاق، لأبلغك أن ما علمتني إياه لا يصلح لهذه الدنيا.
لم يعد الإخلاص والوفاء من الفضائل هنا، ليس صحيحًا أن الأخلاق تصنع العظماء، فقد رأيت الخيانة بين الأصدقاء من أجل المناصب والمال، وسمعت أيضًا الكذب يتردد مرارًا وتكرارًا حتى أصبح حقيقةً.
أُصارحك بشيء لن تصدقيه، الصحافة ليست للدفاع عن الناس، لا أعلم هل كنتِ تكذبين عندما أقنعتني بذلك؟، فقد سمعت عبارة «طز في القارئ» كثيرًا، فالصحفيون هنا «ملك يمين» المصادر، وعبيد لـ«المصلحة».
«الطبلة» هي شعار المرحلة، يخرجها الصحفيون لرؤسائهم ومصادرهم، يغيرون مبادئهم أسرع من ملابسهم، لا عليك من ذلك فالواقع أليم في كل الأحوال.
هل تعلمين أن «طه حسين»، لم يكن بالسوء الذي كان يصوره «عباس العقاد»، وأن هناك الكثير من الجوانب المضيئة في أفكاره وكتاباته.
إليكِ أيضًا، لم يعد «أنيس منصور» كاتبي المُفضل، فقد شاركت خلال السنوات الماضية في مشروع للتوثيق، فاكتشفت في مقالاته الكثير من المُتناقضات، حتى كتابنا المُفضل «القوى الخفية»، لم يعد مسليًا كما كان يبدو في الماضي.
رغم كل ذلك، لا زلت أعشق أغاني عبدالحليم، ونجاة، وأبكي على صوت سعاد محمد، وألحان فريد الأطرش، وأشاهد أفلام محمد فوزي، وأرى حسين صدقي وسيمًا، لم أتغير كثيرًا.. كل شيء ثابت.
حتى لا أطيل عليكِ.. أعلم أني قد امتلكت عقلك بتذكيرك بنقاط ضعفك، وهنا حان وقت عرض المطالب.
أصابني الملل واليأس من بعدك عني، ولا أعلم متى نلتقي!.
أريد فقط أن أراكِ ولو مرة واحدة في أحلامي، فلم تزوريني منذ لحظة الفراق!!.
تعلمين أني لا أُخاطب عاطفة الأمومة، بل أستجدي وفاء الصديق.
أمي العزيزة.. أنتظرك منذ سنوات لماذا الخصام؟!.