السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"محل الميلاد: زنزانة".. من مستشفى مائير الإسرائيلية.. الأسيرة سمر صبيح: ولدتُ ابني براء وأنا مكبَّلة اليدين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من مستشفي مائير الإسرائيلية الأسيرة المحرر سمر صبيح: ولدت ابني براء وأنا مكبَّلة
جعلوني أرى زوجي وهو يُعذَّب لتزداد نفسيتي سوءًا وأنا حامل
كثيرًا ما يسألنى ابني: "أين السجن ولماذا نحن فى الخارج؟"
توقف جنيني عن الحركة في الشهر الرابع لضعف تغذيته
هناك ومن داخل مستشفى مائير الإسرائيلية بكفار سابا استلقت على السرير مكبَّلة الأيدي والأرجل، نظروا لها نظرات يملؤها الحقد متمنِّين موتها، وفجأة على حين غفلة خرج من ضعفها حياة جديدة أرعبتهم بصوتها، صراخ طفل ممزوج بصوت حديد كبّل حرية أمه، براء ذلك الطفل الذى خرج من ظلمات الرحم إلى ظلمات سجون الاحتلال، حرَموها من تلك النظرة الأولى والحضن الأول ولم ترَ منه إلا صوته الذى رأت فيه ما يشفي عذاباتها طيلة فترة اعتقالها، الأسيرة المحرَّرة سمر صبيح وقصة من قصص الولادة داخل سجون الاحتلال ترويها للبوابة نيوز فى عيد الأم ضمن ملفنا "محل الميلاد: زنزانة". 
المشهد الأول "التحقيق" 
بغير رأفة يلتف حولها جنود الاحتلال، تخبرهم أنها حامل فى شهرها الثالث ولكن دون جدوى، يجرُّونها من أمام منزلها الذى طوّقوه وأخرجوا كل مَن فيه دون أي مراعاة لحرمات البيوت، نادى عليها كبيرهم فأجبته "أنا" فاقتادها إلى منزل آخر حديث البناء وأمرها أن تخلع كل ملابسها وتتعرى تمامًا وتلبس لباس السجن الأبيض، رفضت فهدّدوها بالقتل مُشهرين الأسلحة فى وجهها فامتثلت لأمرهم عنوة، عصبوا عينيها واقتادوها من مدينتها طول كرم بالضفة الغربية إلى مركز تحقيق "المسكوبية"، 66 يومًا تمر عليها وكأنها 66 قرنًا من الزمن، لا يهمها ما يحدث لها من تعذيب وربط لساعات طويلة بقدر ما يؤرقها جنينها، ساعات من التعذيب والتحقيق بتهمة الانتماء لحركة حماس وحيازة متفجرات وتحضير لأحزمة ناسفة، كل هذا وأكثر كان فى انتظار الأم الحامل التى لم يشفع لها جنينها عندهم بأي رحمة ولا إنسانية. 
تبتسم صبيح وتكمل مستذكرة: "رغم وضعي السيئ تم نقلي للتحقيق معي فى المسكوبية وهو من أصعب مراكز التحقيقات ومن ثم وضعونى فى زنزانة تحت الأرض كانت "مترين فى مترين" تسَعُ فقط لإنسان واحد، والمرحاض كان فى حفرة فى الأرض والسقف به بعض الثقوب التى من المفترض أنها للتهوية، وكان هناك تعذيب نفسي وجسدي فكان يتم ضربي تحت الرقبة وأول الظهر لأنه مركز الأعصاب، وكانوا يجعلونني أرى زوجي أثناء تعذيبه من خلال فتحة سحرية فى الباب. 
"سمر صبيح خريجة الجامعة الإسلامية دبلوم شريعة وأصول الدين وقد تم اعتقالها بتاريخ 29/9/2005 وبعد اعتقالها بيوم واحد تم اعتقال زوجها رسمي صبيح اعتقالًا إداريًّا بسجن النقب الصحراوي وهو فى الأصل ابن خالها". 
المشهد الثاني "سجن هشارون وأشهر الحمل الأولى" 
من المتعارف عليه أن مراكز التحقيق فى إسرائيل يرى فيها المرء أسوأ ما فى حياته، لدرجة أنه يتمنى أن يخرج منها إلى السجن، حتى ولو حكم عليه بالاعتقال مدى الحياة، طيلة تلك الفترة كانت تتمنى أن تخرج من أجل صحة جنينها ليس أكثر من ذلك، مشاعر الأمومة كانت تطغى عليها كل دقيقة لدرجة أنها باتت تفكر فى التصديق على ما يقولون؛ خوفًا على حياة ابنها الذى لم تره بعد، خصوصًا أنه فرحتها الأولى فهو ابنها البكر. 
تنتهى فترة التحقيق وتُنقل سمر صبيح إلى سجن هشارون وهو أحد السجون المخصصة للنساء، 6 مرات يتم فيها عقد جلسات فى المحكمة؛ لمناقشة قضيتها التى انتهت بالحكم عليها بعامين ونصف العام، كانت هناك سياسة للإهمال المتعمَّد لدرجة جعلت جنينها يتوقف عن الحركة وهي في شهرها الرابع من الحمل؛ بسبب ضعف تكوينه. 
تقول سمر: "أهملوني كثيرًا في زنزانتي، خصوصًا فى أشهر الحمل الأولى، حتى الطعام الصحي وهو أبسط حقوقى لم أكن أجده، وهو ما أصابنى بضعف شديد وصل إلى توقف جنيني عن الحركة في الشهر الرابع لضعف تغذيته، كما أنني قد طالبت بنقلي إلى المستشفى ولكن رفضوا فكان التقصير متعمَّدًا من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، وهذا ما أثَّر على صحتي طوال أشهر الحمل. 
المشهد الثالث "ولادة قيصرية تحت الحراسة" 
أبلغوها أنها ستلد غدًا ولادة قيصرية، ليلة لم تمر كمثيلتها من الليالي السابقة، ساعات كانت تمر كأنها سنوات، تفكر كيف ستكمل رحلة عذابها وتلد مولودها البكر، لا أهل ولا أصدقاء، فقط جنود الاحتلال هم من سيكونون معها غدًا بغرفة العمليات أو بالأحرى هي ليست غرفة عمليات ولكنها ثكنة عسكرية ستلد سمر صبيح فيها براء ابنها البكر.
بخطوات ثابتة يتخللها صوت الحديد وآلام المخاض في آن واحد تصعد سمر صبيح مبتسمة إلى عربة البوسطة الخاصة بالسجن، لم يتم نقلها في عربة إسعاف مجهَّزة ولكن تم نقلها في عربة السجن المغلقة حيث لا مكان للراحة أو للتهوية، وهو من أقل حقوق الإنسان الذى لا يعرف عنه الاحتلال شيئًا. 
آلام المخاض تزداد شيئًا فشيئًا، وبدأ الضعف يتخلل خطواتها، تستلقي على السرير ومعها 4 مجندات لسن في حراستها أو خدمتها ولكن من أجل استفزازها بكل ما عندهم من قوة، تبدأ عملية الولادة بمخدِّر موضعي، ينظرون لها متمنِّين موتها على تلك الحالة، وفجأة وعلى حين غفلة يخرج من ضعفها حياة جديدة تصرخ في وجوههم، براء الذي قُدِّر له أن يخرج من ظلمات رحم أمه إلى ظلمة وظلم سجون الاحتلال يوم الأحد 30/4/2006.
المشهد الرابع "ما بعد الولادة والعودة إلى سجن تلموند"
يأخذ الأطباء المشرفون على عملية الولادة هذا الطفل الصغير إلى الحضانة دون أن تراه أمه وتظل هي 6 ساعات تقريبًا مكبَّلة بالحديد على السرير، في حالة من الضعف إلى أن أحضروا لها رضيعها كي تراه، بدأت المجندات الأربع ممارسة استفزازهن بالكلام والتصرفات، حتى الطعام الذى كان يُقدَّم لها كان في أسوأ حالته، أما هن فكنَّ يأكلن أمامها ما لذّ وطاب رغم أنهن سيدات ويعلمن تمامًا ما تعنيه أن تكون المرأة أمًّا لأول مرة. 
تقول سمر: "لم يكن ذلك صعبًا على نفسي بقدر صعوبة أخذ ابنى منى بعد الولادة مباشرة، فكان الفراق صعبًا حيث إننى كنت خائفة فأنا معهم بمفردى بعيدة عن أهلى وزوجى وظللت على هذه الحال من الإهمال والعذاب أسبوعًا كاملًا لم تجر لى أى فحوصات طبية أنا وابنى إلا مرة واحدة فقط أخبرونى فيها بمدى ضعف حالة ابنى الصحية؛ وذلك لما لقيناه من عذاب وإهمال طيلة فترة الحمل، عدت إلى سجن تلموند لأجد في استقبالى جميع الأسيرات في السجن فبراء لم يكن له أم واحدة بل كان كلهن أمهات له وفى خدمته ورعايته. 
وتكمل: "نعم فقد ولدت طفلي براء في ظلال ظلمات السجن وظلم سجانه، من دون حضور أي من أهلي أو أقارب زوجي؛ بسبب تجاهل مصلحة السجون الإسرائيلية تنفيذ قرار قضائي سمحت فيه المحكمة لشقيقتي وزوجها الأسير في سجن النقب بحضور عملية الولادة للاطمئنان علي". 
المشهد الخامس "براء أصغر أسير في سجون الاحتلال"
عام وثمانية أشهر قضاها براء في كنف أمه داخل سجون الاحتلال، الوضع كان خطيرًا وصعبًا فهو كطفل لا يعرف سوى ما رأته عينه لأول مرة فهو كان يظن أن هذه هي الحياة وأن ما هو فيه هو الوضع الطبيعي، طفل لا يعرف سوى البراءة لا يفرق بين معتقل وسجان، أسئلة كثيرة باتت تدور في ذهن سمر "كيف سيعيش ابنها في هذا الوضع السيئ؟ كيف ستجيبه حين يبدأ الإدراك ويسألها: لماذا نحن هنا؟" أسئلة كثيرة لم تكن تعرف الإجابة عليها لتنطلق رحلة تربية رضيعها داخل السجن. 
ورغم كل ما حدث رفضت إدارة مصلحة السجون أن تسمح لزوجها بأن يزورها ويرى طفله ويطمئن على صحة زوجته، فقد كان يسمع أخبارهما من المحامين عبر الاتصالات الهاتفية وهو داخل محبسه فى سجن النقب. 
تقول سمر: "كنت أعانى كثيرًا فى تطعيمه فكانت مصلحة السجن تحاول تأخير التطعيم كنوع من أنواع كسر النفس، أما ثيابه فكانت أمى تحضرها لى فى الزيارات ولكن كانوا لا يدخلونها كاملة فكانوا يمنعون الكثير منها". 
المشهد السادس "براء وغادة صداقة داخل الزنزانة
يشاء القدر أن لا يحرم براء من أصدقاء لطفولته ليجد بصحبته غادة تلك الرضيعة ابنة الأسيرة خولة زيتاوي والتي وافقت إدارة مصلحة السجون على إدخالها إلى والدتها الأسيرة في السجن، بعد أن اعتقلت وتركتها وهى رضيعة، فكانت صديقة وحدته ورفيقة لعبه. 
وأخيرًا تختم سمر صبيح قصتها قائلة: "لا شك في أن ما يواكب نشأة الطفل في شهوره وسنواته الأولى يترك آثاره في صياغة سلوكه العام لاحقًا، والأطفال الذين وُلدوا في الأسر أو الذين عاشوا الشهور الأولى من أعمارهم خلف القضبان، لا تزال صور القيود والأقفال والسلاسل الحديدية في مخيلتهم، حيث تتعدد أسئلة طفلي براء مع تعلمه الكلام، أين السجن ولماذا نحن في الخارج على اعتقاد منه أن السجن هو الوضع الطبيعي. 
وبهذا يكون السجان قد نجح في حفر لغته في عقول الأطفال وربط مخيلتهم بعقلية السجن وأصبحوا يحبون اقتناء الأقفال والسلاسل والعيش خلف أبواب مغلقة، بحسب سمر. وقالت: هذا بالتأكيد ما يسبب لهم صعوبة في التأقلم، فبراء لا يزال يرفض اللعب مع الأطفال، ويقول أنا لا أريد سوى غادة وهي الطفلة التي اقتسمت معه عتمة السجن، وما أخشاه هو أن يكون من تأثيرات ذلك انعكاسه على نمو طفلي البدني والنفسي وتوجيهه نحو ممارسة سلوك عنيف كالسلوك الذي تعايش معه داخل السجن، أو الميل للعنف والانتقام ممن عذبوه في طفولته.

للعودة لباقى الملف من هنا