الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

يوسف الحسينى بين الأطلال العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وسط الفوضى الإعلامية وغياب المعايير والأخلاقيات، وصخب برامج الهلس التى تعمل على تغييب العقول والإلهاء، طلت علينا قناة «أون لايف» بثوبها الجديد لتنافس القنوات الإخبارية الناطقة بالعربية، قناة قرر صانعوها أن تكون منبرًا للوعى يحترم عقل المشاهد ويقدم نموذجًا معتبرًا، وكأنها جاءت لتصحح مسار الإعلام المصرى، وتعيد إليه الريادة بعد التدهور الذى لحق بالإعلام الرسمى بفعل فاعل! انطلقت «أون لايف» بخريطة برامجية ثرية ومتنوعة تملأ الفراغ الإعلامى والمعلوماتى الذى نعانيه.. ورغم أنها اعتمدت على بعض الإعلاميين القدامى فى «أون تى فى» فإنهم ظهروا أكثر مهنية وانضباطًا بشكل يتناسب مع الإطلالة الجديدة للقناة.. ورغم أن أغلب البرامج التى تقدم على «أون لايف» تستحق الإشادة، إلا أن هناك ما يستحق أكثر من ذلك، كبرنامج «بتوقيت القاهرة» للإعلامى يوسف الحسينى، الذى ارتدى فى بعض حلقاته الثوب الملائم لشخصيته وثقافته، والذى يعتمد على اللياقة البدنية، مع اللباقة والحنكة فى ارتجال الحوار، بعيدًا عن رتابة حوارات الاستديوهات، وقد تفوق فيه على نفسه، ومعه فريق عمل يستحقون جميعًا التكريم، وجائزة أفضل برنامج عربى استطاع أن ينكأ جراح الأمة العربية، ويضع يده على مواطن الألم، فالبرنامج يهتم بالقضايا الإقليمية والدولية، ويعيد إلى أذهاننا مفهوم الصحافة التليفزيونية كما ينبغى أن تكون، ففريق البرنامج لم يبحثوا عن المتاعب فحسب، ولكن ألقوا بأنفسهم بكل جرأة فى قلب الخطر فى أكثر المناطق التهابًا فى المنطقة العربية، لينقلوا المشاهد العربى إلى قلب الأحداث الدامية، فى سلسلة من الحلقات الأكثر من رائعة، والتى بدأت فى سوريا من دمشق وحتى حلب، مرورًا بالمناطق التى تسيطر عليها الفصائل المتناحرة، والتى تبلغ حوالى ٢٧ فصيلًا مسلحًا، وجميعها تحاول السيطرة لإسقاط الدولة السورية.. ثم انتقل فريق البرنامج إلى ليبيا ليصبح على خط النار فى مواجهة الموت، لينقل للمشاهد بؤرة الصراع الدموى بين الجيش الليبى وداعش، ويلتقى بقائد الجيش الليبى المشير «حفتر»، الذى يطلعنا على آخر التطورات فى ليبيا، ولأول مرة نرى برنامجًا عربيًا يتحاور مع بعض أعضاء جماعة «داعش» الإرهابية، ويغوص فى نفوسهم.. وأخيرًا قدم البرنامج فيلمًا وثائقيًا عن قطر بعنوان «الإمارة» على ٤ أجزاء، وهو تحقيق استقصائى عن قطر قبل إنشاء الدولة عام ١٩٧١ أى بدءًا من محاولات القبائل للاستقلال فى أواخر القرن الـ١٩، ثم استعراض تاريخ الحكم فيها والانقلابات التى حدثت بين الأسرة الحاكمة بعضها مع بعض، والدور المسىء الذى تلعبه قطر لهدم الدول العربية، ودورها فى تمويل «القاعدة» فى اليمن، ومحاولاتهم لإسقاط سوريا وليبيا ومصر، والاعتمادات المالية الحكومية التى قدمتها قطر لإسقاط الأنظمة العربية.. وكان من أبرز الحلقات التى استوقفتنى بالبرنامج حلقة المتحف الوطنى بدمشق، حيث التقى بالباحث والعالم الأثرى الدكتور مأمون عبدالكريم، مدير عام المتاحف والآثار فى سوريا، والذى روى عن جهدهم فى محاولة إنقاذ آثار سوريا من مصير آثار بغداد التى نهبت خلال بضع ساعات.. وكيف استطاعوا إنقاذ جزء لا بأس به من آثار سوريا على مرحلتين الأولى قبل الاحتلال، حيث قاموا بإغلاق المتاحف ونقل الآثار تباعًا فى مخابئ سرية، والثانية بعد التحرير بجمع الآثار التى تم تحطيمها بفعل داعش باعتبارها أصنام، وذلك حتى يتم ترميمها، وكيف كانوا يزرفون الدموع، وهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراثهم الإنسانى، والذى شبهه بشرف الأمة الذى يجب حمايته دون تخاذل، بغض النظر عن أى مواقف سياسية، وكانت مشاهد مؤلمة ومبكية ونحن نرى آثار سوريا المحطمة، والتى تم جمعها فى صناديق مخبأة فى أماكن سرية حتى يتم ترميمها.. وقد ظهر فى الحوار المرارة التى يشعر بها هذا العالم الأثرى من نظرائه فى العالم العربى، حيث أدان موقفهم وأشار إلى أنه لم يتلق أى اتصال من أى دولة عربية، عدا لبنان ومركز التراث بالبحرين وإمارة الشارقة، ووجّه سؤالًا قاسيًا إلى الأمة العربية ومؤسساتها الثقافية، قائلًا: هل أنتم تعيشون، أم أصبحتم من الأموات؟! وتعجب أنه لم يجد مدير آثار واحد من العالم العربى، أو رئيس جامعة يبعث برسالة أو اتصال ليقول نحن معكم، كذلك أدان الإعلام العربى لأن كل القنوات الأجنبية ذهبت للمتحف وقامت بالتصوير، بينما «بتوقيت القاهرة» كان أول برنامج عربى يذهب إلى هناك! ولكن رسالته الموجعة تذكرنا أن ما شاهدناه من دمار لتراثنا الحضارى وتاريخنا فى كل الدول العربية لم يكن سوى حصاد للجهل والتغييب واختفاء دور المؤسسات الثقافية والإعلامية الواعية، لذا نتمنى أن تكون «أون لايف» نموذجًا تقتضى به القنوات التى لا تقدم سوى الإثارة والتحريض، أو المضامين التافهة التى تستهين بعقل المشاهد، فما أحوجنا لإعلام هادف ينير العقول، ويعيد أخلاقيات المهنة، التى أصبحت مهنة من لا مهنة له.