لا بد لكل رئيس جديد أن يواجه اختبارًا صعبًا فى ميدان السياسة الخارجية. ولا يشكل دونالد ترامب استثناء لهذه القاعدة. إلا أن الاختبار الذى يواجه ترامب يزداد تعقيدًا، ويحمل بعض عناصر التشابه مع التجربة الصعبة التى واجهها الرئيس الشاب جون كينيدى فى بداية الستينيات. وأفضل وصف لأزمة ترامب هو أنها تبدو وكأنها «عرض بطيء لأزمة الصواريخ الكوبية»، ويكمن الفرق بين الحالتين فى أن الرجل المؤثر فى الأزمة الراهنة ليس فيديل كاسترو هذه المرة، بل هو رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون. والآن، يواجه الرئيس الأمريكى المغرم بالتعامل مع موقع «تويتر»، القائد السياسى الكورى الذى يقوم الآن ببناء صواريخ نووية بعيدة المدى يمكنها أن تصل إلى لوس أنجلوس، والذى اغتيل أخوه غير الشقيق «كيم جونج نام» على أيدى امرأتين مسحتا وجهه بسائل يعطل الأعصاب فى مطار ماليزى.
ولقد استمرت أزمة الصواريخ الكورية لفترة أطول من أزمة الصواريخ الكوبية التى دامت ١٣ يومًا فقط. ولكن هذا لا يهم. فلقد قال «روبرت ليتواك» من مركز «ولسون سنتر» للدراسات الاستراتيجية، وهو واحد من أكبر المتخصصين بدراسة أوضاع الدول المارقة: «نحن الآن على أعتاب نقطة انعطاف مهمة. وكوريا الشمالية تسجل الآن تطوراً سيسمح لقيادتها بضرب الولايات بالصواريخ العابرة للقارات». وأضاف: «وقد يصعب تصديق ذلك، إلا أن هذه المملكة المنعزلة والتى لا يزيد حجم اقتصادها كله على حجم اقتصاد مدينة دايتون بولاية أوهايو، سوف تكون قادرة فى عام ٢٠٢٠ على امتلاك ترسانة نووية تزيد من حيث حجمها على نصف حجم الترسانة البريطانية، بالإضافة لصواريخ قادرة على ضرب أى مكان من أراضى الولايات المتحدة». وفى هذا الوقت الذى تشخص فيه كل العيون باتجاه ترامب، فضلت بيونجيانج التركيز على تصغير حجوم أسلحتها النووية، بحيث تصبح على شكل رؤوس نووية يمكن تركيبها فى الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وكانت تقوم باختبارها بطريقة منهجية ومنتظمة منذ زمن بعيد مع تحقيق نجاح مختلط بالفشل. ونتيجة لذلك، كما يقول «ليتواك» فى كتابه الجديد الذى يحمل عنوان «منع الانطلاقة النووية لكوريا الشمالية»، فإن كوريا الشمالية دخلت فى إطار التحول من امتلاك ترسانة متوسطة الحجم من القنابل النووية، إلى دولة تمتلك ترسانة قد تصل إلى ١٠٠ رأس نووى، ومن امتلاك الصواريخ التى يمكنها أن تضرب اليابان وكوريا الجنوبية، إلى تلك التى يمكنها أن تعبر المحيط الهادى. ولا شك أن ترامب ليس هو الذى خلق هذه المشكلة، بل هو الذى ورثها عن الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، إلا أن المطلوب منه الآن هو إيجاد حل لها. ولقد بلغت تلك المشكلة النقطة التى لم تترك للولايات المتحدة إلا ثلاثة خيارات يمكن وصفها بأنها: «سيئ ورديء، وأكثر سوءًا»، ولكن ليتواك أطلق عليها ألفاظًا أخرى هي: «اقصف، أو اذعن، أو فاوض».
وتنطوى فكرة قصف مواقع تخزين الأسلحة والصواريخ النووية لكوريا الشمالية على احتمال تصعيد المواقف لدرجة اندلاع الحرب الكورية الثانية، وربما تكون نووية هذه المرة، وقد تكلف ملايين الضحايا. وسوف يؤدى ذلك إلى انتشار الإشعاعات النووية على أوسع نطاق ولمسافات بعيدة. وأما الإذعان أو السكوت عن التطور الذى تحققه كوريا الشمالية فى المجال النووى، فيعنى أن هذه الدولة المارقة سوف تصبح قوة نووية معترفًا بها على المستوى العالمى.
وأما التفاوض المباشر بين دونالد ترامب وكيم جونج أون، فهو أقل الخيارات سوءًا. وحتى يكون أكثر إثارة، يقول ليتواك: إن النموذج الذى سيتبعه ترامب هو نفس الأسلوب الذى اتبعه أوباما مع إيران، وأدى إلى عقد الاتفاقية معها التى وصفها ترامب ذات مرة بأنها «أسوأ صفقة تم التفاوض بشأنها على الإطلاق». وكانت هذه الخيارات الثلاثة قائمة أمام أوباما للتعامل مع إيران ويرى «ليتواك» أن على ترامب أن يتبع هذا المسار، وأن يعمل على دفع كوريا الشمالية لتجميد مشاريع تطوير رؤوسها النووية وفق المستوى الراهن، ووقف إنتاج المواد الانشطارية القابلة للاستخدام فى الأسلحة النووية، والتوقف التام عن إجراء تجارب إطلاق الصواريخ، وبهذا فإنها لن تستطيع ضرب الولايات المتحدة. ومقابل ذلك، يمكن تخفيض مستوى العقوبات الاقتصادية عليها وتقديم بعض المعونات لها.
الترجمة نقلًا عن «الاتحاد الإماراتى»