أعرف جيدًا آمال وطموحات الشعب المصرى، وأعرف أيضًا الرهان الكبير الذى يراهنه الشعب على نقابة الصحفيين كنقابة لها دلالة رمزية فى الوجدان العام، لتكون متنفسًا له فى التعبير عن الرأى ومدافعة عنه فى القضايا الوطنية الكبرى التى يرى الناس أنها قضايا رئيسية ومحورية وترتبط بالمستقبل أكثر ما ترتبط باللحظة الراهنة.
وشهدت النقابة يوم الجمعة الماضي احتفالًا كبيرًا تحت عنوان انتخاب النقيب والتجديد النصفى لانتخاب ستة من أعضاء النقابة، ترشح من ترشح وفاز من فاز فى جو انتخابى وحملة دعاية من كل الأطراف، استخرجنا فيها كل أدواتنا لينتصر من نريد فوزه، لم أكن محايدًا وأعلنت موقفى وأسماء من أدعمهم، أعلنت ذلك مبكرًا ودافعت عنهم، وبحضور ما يقترب من أربعة آلاف صحفى وصناديق شفافة انتهى الكلام وصارت الكلمة الفصل للجمعية العمومية.
الوحيد الذى فطن لذلك كنقابى مخضرم وصحفى مهنى رفيع المستوى هو الصديق يحيى قلاش، وبمجرد إعلان النتيجة يتقدم الصفوف من خلال الميكروفون معترفًا بخسارته ومؤكدًا وجوده كجندى عامل فى صفوف الجمعية العمومية، هذا التصرف من قلاش رد عليه عبدالمحسن النقيب الفائز برد مماثل حيث قال بملء الفم إن خبرات قلاش النقابية ستكون محل احترام واستفادة ومناقشة وحوار فى المرحلة المقبلة.
كل هذا عادى ومفهوم وبديهى، غير العادى، جاء من المتابعين غير النقابيين الذين لديهم عشم كبير فى النقابة، حيث كالوا السباب وألقوا الاتهامات على ٢٤٠٠ صحفى صوتوا لعبدالمحسن متهمين أكثر من نصف الجمعية العمومية أنهم ثورة مضادة، وهنا مكمن الخطر، التكفير والتخوين ونفى الآخر والمزايدة والتعجل كلهم أمراض نخبوية قاتلة، ترجع بنا للخلف ويحصد منها الخصم الاستراتيجى ولا تنتج سوى مزيد من التشاحن.
موقفى المُعلن كان من الممكن له أن يفرح بماكينة الشتيمة التى دارت بعد إعلان النتيجة، وذلك لأن النتيجة جاءت على عكس صوتى الذى أدليت به وعلى عكس دعايتى التى عملت عليها، ولكن بقليل من التفكير، يعرف المتابع أن التمادى فى هذا النهج من التفكير والممارسة يجعل الخسائر مضاعفة، ويدفع نحو انقسام غير مرغوب فى صفوف الجماعة الصحفية، بل يهزمنا نحن إذا كنا ندعى أننا أبناء التنوير والمدنية والتقدمية، وذلك بالخصم من رصيدنا عند أكثر من نصف الجمعية العمومية التى من المهم التواصل معها مستقبلًا من أجل البناء والتراكم.
وإذا كانت الثورة المضادة حسبما وصف البعض قد حققت أغلبية، أليس من حقها أن تحكم وأن نتدارس نحن أسباب عدم توفيقنا وعدم طرحنا لبرنامج نتحاور به مع زملائنا الذين حجبوا ثقتهم عن مرشحنا فى هذه الدورة؟، الحقيقة هى أن بعضًا من أنصار قلاش قد ذبحوه بدعايتهم الفجة والرخيصة والمبتذلة، وأنهم قدموا نموذجًا فاشلًا للدعاية الانتخابية فى نقابة مهنية لها اعتبارها كنقابة الصحفيين، أكرر بعضًا من أنصار قلاش وليس الكل.
وليت الاختلاف توقف عند من لهم حق التصويت فى نقابة الصحفيين، ولكن زاد عليه دخول بعض القادة السياسيين الناصريين من غير أعضاء النقابة أحدهم عضو بنقابة المهندسين جاء بتصريحات غير مدروسة ليخرب العلاقة بين قلاش وقوى سياسية محترمة، ولما طالبته بالاعتذار راح يحاور ويناور ويفلت من كلامه، فاعتبرته الدبة الحريصة على قتل صاحبها.
على كل حال انتهت الانتخابات ورأينا مجهودًا مشرفًا عند يحيى قلاش ورأينا إصرارًا ودأبًا عند عبدالمحسن سلامة الذى حاز على ثقة الناخبين، ويبقى الدرس المستفاد هو أن ينشط كل ناشط فى نقابته ومنهم المهندس الذى أشرت إليه، وأن تتوقف التدخلات فى ترتيب البيت الصحفى، أهل مكة أدرى بشعابها، وأن يترك الجميع قرار التصويت بالنقابة إلى الصحفيين أنفسهم، ربما وقتها تبرز النقابة من جديد كقلعة للحريات وليست نقابة تحت الوصاية يدوسها الجميع.