لم يكن اختيار إدارة باراك أوباما لآن باترسون لتكون سفيرة للولايات المتحدة في مصر خلال الفترة من 2011 وحتى 2013 وليد الصدفة، كما أن سحب وزير الدفاع الأمريكي الجنرال جيمس ماتيس لورقة ترشيحها لأعلى منصب مدني في البنتاجون تجنٍ أو اعتداء على حقها، فعلاقتها بجماعة الإخوان الإرهابية عميقة وحميمية، بل ويمكن أن تعتبرها في مرتبة واحدة من "حرائر" الجماعة.
الخلاف بين إدارة ترامب وجماعة الإخوان الإرهابية مؤكد، وهناك شواهد على انتقال درجة خطورة الجماعة من خانة العدو البعيد إلى العدو القريب، بعد ما كشفت عنه تطورات الأحداث في مصر عقب سقوط حكمهم، وظهور تشابكات عديدة تربط بين جماعة الإخوان وبين تنظيم بيت المقدس في سيناء، وغيرها من التنظيمات التي تبنت منهج العنف في مواجهة الدولة.
ما سبق ليس كلامي، ولكنها معلومات نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلا عن السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس توم كوتون، والسيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس تيد كروز، اللذين عارضا بشكل خاص ترشيح باترسون، وكلاهما عضو في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، وكروز أعاد مؤخرًا طرح تشريع يطالب وزارة الخارجية بتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية.
وتحدثت الصحيفة عن أن سياسة "دعم الإخوان" أصبحت ماضيًا أسود يطارد باترسون على أعتاب البنتاجون، إذ أثار سجل باترسون التي ضغطت من أجل العمل مع الإخوان المسلمين في عهد إدارة أوباما، المخاوف في الكابيتول هيل، والذى صدرت منه تحذيرات من أن باترسون ستسعى لاستئناف بعض سياسات إدارة أوباما الخارجية الأكثر إثارة للجدل، مثل إجراء اتصالات مع تنظيم الإخوان.
ما جاء في تقرير الواشنطن بوست بمثابة اعتراف تاريخي بوجود مؤامرة على الدولة المصرية، وأن تلك السفيرة كانت عنصرا حاسما فيها، كما يحمل في طياته اعتذارًا متأخرًا بصحة الموقف المصري الذى رفض استمرار هذه السفيرة في مصر عقب ثورة 30 يونيو، لعملها المستمر في خدمة جماعة الإخوان، وتحقيق هدف أوباما من بسط سيطرة ونفوذ الإسلام السياسي على كامل شمال أفريقيا، واستنساخ التجربة التركية في دولة تحت قيادة رجب طيب أردوغان.
أعتقد أن على من شككوا في تلك الحقائق مراجعة أنفسهم أو الاعتراف بأنهم كانوا جزءًا من تنفيذ ذلك المخطط، فلا يمكن تفسير السخرية منه أو التقليل من تأثيرة سوى أنها كانت محاولة للتغطية عليه، وإضعاف من انتبهوا وحذروا من ذلك المخطط القذر.
فقد كانت "آن باترسون" تحاول بخطوات حثيثة تحويل مصر للسيناريو الباكستاني، بتمكين الإخوان على حساب ثوابت الدولة المصرية، وصناعة نظام حكم يمكن الإخوان من التواجد لسنوات طويلة لخدمة الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط عبر عملية تحول ديمقراطي زائف يتجاهل ثوابت المجتمع المصري الكاره للعنف والتطرف الديني.
في باكستان رفضت باترسون حماية رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو، وكانت النتيجة نجاح عملية اغتيالها، وعلق مارك كوراترمان الذي ترأس فريقا للأمم المتحدة الذي حقق في عملية اغتيال بوتو بأن الحماية الأمنية التي تم توفيرها لبوتو كانت سيئة للغاية ومهملة، عندما سألت باترسون عن قرارها بعدم توفير الحماية لبوتو أكدت أنها لا تشعر بالندم.
وقبل أن تتسلم عملها في القاهرة، أرادت آن باترسون أن تستعرض معلوماتها عن مصر أمام مجلس الشيوخ الأمريكى فكشفت معلومة أن واشنطن أنفقت 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية في مصر منذ ثورة 25 يناير، وذلك عبر المنظمات الأمريكية، مثل المعهد القومي الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، مؤكدة أنها مستمرة في دعم عمل تلك المنظمات للاستفادة منها في إطار حفاظ الولايات المتحدة على مصالحها في المنطقة ودعم الديمقراطية.
كما أعربت عن تطلعها للتعاون مع 600 منظمة مصرية خلال فترة وجودها فى مصر، لافتة إلى تخصيص 65 مليون دولار للمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية فيمصر، مضيفة أن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول تمويلات من المنح المقدمة في ذلك التوقيت، وهو ما يعكس رغبتها في الاعتماد على الإخوان ومنظمات حقوق الإنسان في تنفيذ مشروع باراك أوباما لمصر.
تجيد باترسون اللغة العربية، وكانت تأمل أن ذلك يساعدها في مهمتها في القاهرة إلا أن المصريين فطنوا لسوء مقصدها، وكانت صورها في مكتب الإرشاد ولقاءاتها مع خيرت الشاطر وقيادات مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين لإنقاذ حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى كفيلا بكراهية المصريين لها.
ما نشرته الصحافة الأمريكية عن علاقتها بالإخوان ودورها في تنفيذ مخطط أوباما يتطلب الكثير من البحث والتحقيق حتى نعود لكتابه ما حدث منذ سقوط حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك حتى خروجها وفق تلك المعطيات المهمة التي تؤكد ما قاله الرئيس السيسي نصًّا خلال خطابه في افتتاح أعمال مجلس النواب: "علينا ألا ننسى أننا نجحنا في تعطيل مخطط وإبطال مؤامرة، وعلينا أن ندرك أن هناك من هو متربص ولا يريد لهذا البلد أن يكون استثناء بين مصائر دول هذه المنطقة المضطربة، وأن يعرقل مشروعنا الوطني للتنمية والاستقرار".
إذن فالمخطط "معطل" والمؤامرة تم إبطالها، وعلينا أن نعيد النظر في كثير مما دار ويدور حولنا، ونعيد مرة أخرى تشكيل الصورة حتى نصل إلى حقيقة ما جرى ويجرى على أرض مصر.