في مؤامرة؟ يوجد مؤامرة، منتجاتنا الزراعية صارت مستهدَفة من الخارج، دول كثيرة تعمدت التشكيك في صادراتنا، الخرطوم أحدث "تلاكيك" ملف التصدير، ادعت أن الكاتشب المصري فاسد، وأن الصلصة لم تصلح للاستهلاك الآدميّ.
التفاصيل تقول: إن وزير الصناعة السوداني أرسل خطابًا قبل أيام إلى وزير التجارة الخارجية بالسودان يطالبه فيه بحظر استيراد المنتجات المصرية كالمربّى والكاتشب، وجاء بالخطاب ادعاءات عديدة أن وزارته تلقّت شكاوى بأن الخضراوات والفاكهة التى تدخل السودان مصنَّعة على شكل مربى وصلصة وكاتشب، وهى سلع فاسدة تم ريُّها بمياه ملوَّثة، وهل انتهى الأمر عند هذا الحد؟ ولم ينتهِ، حيث تقدَّم النائب فرج عامر ببيان عاجل ضد وزراء الزراعة والتجارة والتموين بشأن إيقاف 6 دول استيراد فاكهة وخضراوات من مصر لمخالفة الصادرات المصرية معايير الجودة التى تفرضها تلك الدول، ومن هذه الدول اليابان وروسيا وأمريكا والسعودية والكويت والسودان.
فيما كشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الزراعة، أن الشهرين الماضيين تم تصدير كمية من محصول البطاطس وصلت إلى 209 آلاف و66 طنًّا، منها 88 ألفًا و943 طنًّا لدول الاتحاد الأوروبي، و10 آلاف و204 أطنان لروسيا، و752 طنًّا لدول أجنبية أخرى، و45 ألفًا و641 طنًّا للبنان، و63 ألفًا و526 طنًّا لدول عربية أخرى.
وفى تقرير للمجلس التصديري للحاصلات الزراعية كشف أن الصادرات الزراعية والغذائية معًا خلال عام 2015 وصلت إلى 4.7 مليار دولار، منها 2.1 مليار دولار للحاصلات الزراعية، و2.6 مليار دولار للصناعات الغذائية.
ماذا يعني ذلك؟ هل منتجاتنا الزراعية بالفعل ملوّثة وتضر صحة الإنسان، أم أن هذه قرارات سياسية تتخذها هذه الدول لتشويه سُمعة المنتجات المصرية وضرب اقتصادها؟
ويرد الدكتور سعيد خليل، مستشار وزير الزراعة السابق، أن الإنتاج الزراعي المصري يُعتبر من أفضل الإنتاج الزراعي بين 193 دولة على مستوى العالم، لكن هناك بعض المعاملات الزراعية الخاطئة فى بعض المناطق قد ينتج منها بعض الزراعات وتدخل فى بعض الشحنات المصدَّرة فتسبّب مشكلة ويتم رفض الشحنة، مضيفًا أن مصر تُعتبر منافسًا قويًّا فى الصادرات الزراعية لدول أخرى كالمغرب وإسبانيا وغيرها؛ لأن الظروف البيئية المصرية ملائمة للزراعة.
وأضاف خليل أن ما حدث فى موضوع السودان هو أمر سياسي لضرب الصادرات الزراعية المصرية، مطالبًا قيادات الزراعة المصرية واتحاد الصادرات الزراعى المصرى بأخذ التحذيرات اللازمة وعمل تحليلات للشحنات الزراعية قبل تصديرها فى معمل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة فى الأغذية؛ للحفاظ على الصادرات الزراعية، مطالبًا وزير الزراعة بتغيير بعض قيادات هذا المركز الذين من الممكن أن يصدروا تقارير غير مطابقة للتحاليل مجامِلة لبعض المصدِّرين؛ حتى لا تضرَّ بسُمعة مصر؛ لأن كل الدول الآن تقوم بعمل تحليل للمنتجات المصدرة لديها، وإذا ثبت وجود متبقيات فى المواد الغذائية يتم رفض الشحنة وتشهير الدولة.
ورأى الدكتور هشام سرور، أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية، أن لدينا معمل متبقيات المبيدات وكنتُ نائب مديره عام 2004، وهذا المعمل هو المسئول عن تحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة والسموم القطرية فى الأغذية، وهناك دول تشترط شهادة منه وهو حاصل على الأيزو 17025 ويخضع لتفتيش الهيئة الفنلندية ويخضع لمتطلبات الكودكس والفاو والصحة العالمية؛ لأن هناك دولًا تحلِّل الخضراوات التى تصل إليها رغم حصوله على الشهادة من المعمل، مضيفًا أنه قد يحصل على عيِّنات غير مطابقة للشحنة أو أن هناك خللًا فى عملية التحليل، موضحًا أن لدينا بعض المشاكل بالفعل فى المحاصيل التى تروى بمياه المصارف، لكن عند التصدير لا بد أن تجتاز المحاصيل المصدّرة الاشتراطات التى تحددها الدولة التى تستورد محاصيلنا، لكن ما يحدث أنه قد يكون التحليل غير دقيق، ويمكن أن تكون العينة غير ممثلة للشحنة، خاصة أننا كنا نحلل العينات التى يأتى بها العملاء.
ورأى الدكتور خليل المالكى، أستاذ علم المبيدات بمركز البحوث الزراعية، أن لدينا معملًا مرجعيًّا دوليًّا لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة فى الأغذية، وهو معمل معترَف به دوليًّا، ولا توجد شحنة يتم تصديرها إلا عندما تؤخذ عينات وتُحلَّل بهذا المعمل، مضيفًا أن المشكلة قد تكون فى أن العينة التى يتم تحليلها فى المعمل هو المصدر نفسه، وهنا قد يأتى المصدر بعينة سليمة وجيدة من أي زراعات جيدة، ويقوم بتصدير شحنة أخرى ليست سليمة، مطالبًا بتغيير هذا النظام بحيث يقوم المعمل نفسه أو وزارة الزراعة بأخذ العينة من الشحنة المراد تصديرها وليس المصدر نفسه هو الذى يأتى بالعينة.
وأضاف المالكى أن ما أُشيع حول رفض السودان للشحنات المصرية هو قرار سياسي من الدرجة الأولى، وليس له علاقة بالعلم، والدليل أن منتجاتنا الزراعية تُصدَّر لأوروبا نفسها، وهى أكثر تطورًا تكنولوجيًّا وعلميًّا من السودان بمراحل كثيرة، مؤكدًا أن صادراتنا هذا العام من البطاطس لأوروبا ضِعف المصدَّر العام الماضى فى نفس التوقيت.
وجاء ردُّ الدكتور حسين الحناوي، رئيس اتحاد منتجي ومصدري الحاصلات البستانية، قائلًا: إن الرئيس السيسي قال للرئيس البشير: لماذا منعت استيراد المنتجات المصرية، فردّ عليه البشير قائلًا: هذا لم يحدث، وهذا خرج من الإعلام المصري وليس من السودان، مضيفًا أن السودان ليس لديها تقنيات حديثة فى تحليل المنتجات الزراعية، مضيفًا أن المنتجات المصنَّعة شيء آخر غير تابعة لوزارة الزراعة.
وأضاف الحناوي أن مصر تقوم بعمل فحوصات للمنتجات الزراعية التى يتم تصديرها وفق اشتراطات كل دولة ومطالبها والنسب التى تطلبها، منوهًا بأن منتجات مصر الزراعية لم يتوقف تصديرها لأي دولة كما ذكر فى الإعلام، مضيفًا أن مصر تصدِّر ما يُقدَّر 3 مليارات دولار سنويًّا، وأن مصر هذا العام زاد تصديرها من محصول البطاطس 209 آلاف طن ضِعف ما صدّرناه العام الماضي تقريبًا.
غير أن الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية بجامعة الأزهر، أكد أن الخضراوات والفاكهة تتعرض أثناء إنتاجها وتداولها إلى نوعين من التلوث، أوّلهما التلوث البيولوجي، وهو أن تتلوث بالبكتيريا والفطريات والفيروسات والديدان وغيرها، وتصل بطرق شتى بينها بمياه ملوّثة بالنفايات العضوية كمياه الصرف الصحي، وهي غالبًا محمَّلة بالعديد من المُمْرِضات مثل فيروسات مثل فيروس الكبد الوبائي (أ)، وغيره، مضيفًا أن الملوِّثات البيولوجية تنتقل للإنسان أيضًا عند جمع المحصول من العمال حاملي بعض تلك الأمراض، أو عبر النقل والتداول والتصنيع والتخزين، حيث يحتمل أن تكون مُعدّات النقل أو السيارات أو المعاصر أو المخازن ملوَّثة ببعض من هذه الميكروبات.
وتابع غانم أن النوع الآخر من التلوث وهو التلوث الكيميائي، الذي ينتج عن الإفراط في استخدام الكيماويات الزراعية من أسمدة ومبيدات، فمثلًا يؤدي الاستخدام المُفرط فيه للأسمدة الأزوتية المعدنية، إلى تكوُّن "إيوني النترات" و"نتريت السامين"، وحيث يتم تخزينهما بنسبة عالية في بعض الثمار، موضحًا أن هناك دراسات متعددة أُجريت على بعض العينات، التي يتم جمعها من الأسواق المحلية في مصر وتحليلها في وزارة الصحة، كشفت زيادة نسب المبيدات على المسموح بها، وهذا غالبًا يرجع إلى أن المُزارع يجمع المحصول بعد الرش مباشرة بيوم أو يومين دون ترك فترة أمان، والتي تقدر غالبًا بـ10 أيام.
وأشار إلى أن هذه الزيادات في نسب متبقيات المبيدات في الخضراوات والفاكهة لا تظهر في الخضراوات والفواكه المُعَدّة للتصدير؛ نظرًا للاشتراطات المشدَّدة التي تضعها الدول المصدَّر إليها، وفي بعض الأحيان قد تتعدي النسب المسموح بها فترفضها تلك الدول مما ينتج عنه خسائر اقتصادية كبيرة للدولة وللمزارع، مطالبًا بوجود رقابة جادة في كل مراحل الانتاج والتداول، من خلال التأكد من ري تلك المنتجات الزراعية بمياه نظيفة خالية من الصرف الصحي والصناعي، فضلًا عن نظافة العمال الشخصية، وترشيد استخدام المبيدات والأسمدة، وأخيرًا تحديث المعامل ومدّها بالأجهزة الحديثة التي يمكنها الكشف عن كل أنواع الملوثات بالمنتجات الزراعية قبل تصديرها.
واتفق معه المهندس أحمد السيد درويش، عضو الغرفة الكيميائية وعضو الاتحاد العربى للأسمدة، الذى أكد أن هناك نسبة من المزروعات تُزرع على مياه الصرف الصحي، فمثلًا الأراضى التى تُزرع على مياه مصارف كيتشنر والرهاوى وبحر البقر وهى كمية كبيرة من الأراضى الزراعية فى مصر، وهذه المصارف ملوثة بالصرف الصحى والصرف الصناعى والزراعى، مضيفًا أن المنتجات الزراعية الناتجة منها تكون حجم الخضراوات أو الفاكهة غير طبيعية يكون كبيرًا والإنتاج أكبر، "بمعنى لو إنتاج فدان من الشمام فى أرض عادية سينتج 10 أطنان وفى الأرض التى تروى من المصرف ستنتج 20 طنًّا".
وأضاف درويش أن هذه المنتجات لا تتحمل أن تستمر خارج الثلاجة أكثر من يوم وإلا تفسد بسرعة، وحتى لو وُضعت فى الثلاجة تجدها تفسد بعد يومين أو ثلاثة مثلًا، شكل الخضراوات يكون غامق اللون، مضيفًا أنه أجرى تجربة شخصية على نبتات الكوسة تم ريُّها بمياه الصرف الصحي وشجرة أخرى بمياه النيل، وبعد عشرة أيام أصبحت الشجرة التى تروى بمياه الصرف أكبر، وبعدها بأيام كوّنت براعم وأزهارًا وأنتجت بعدها ثمار الكوسة كبيرة الحجم وكأنها تم إمدادها بسماد البوتاسيوم، بينما الشجرة الأخرى ظلّت من 40 يومًا حتى تكونت الثمار وشكل الثمرة وحجمها طبيعى وطعم الثمار يختلف عن الأولى.
وتابع: هناك مخاطر بالفعل على صحة الإنسان لو تناول هذه الخضراوات والفواكه المزروعة على مياه المصارف، تتمثل فى أمراض الفشل الكلوى والكبدى وأمراض الكبد المختلفة وأمراض أخرى، موضحًا أن هناك مشاكل تتعرض لها التربة بسبب هذه المياه، منها أن التربة تصبح ملوثة لاحتوائها على تركيزات عالية من الملوثات كالنترات والفوسفات والكبريتات والعناصر الثقيلة، وهذه لها مخاطر كبيرة على صحة الإنسان فهى مدمرة، مؤكدًا أن هناك أكثر من 200 ألف فدان تُروى على هذه المصارف فى محافظات كفر الشيخ والشرقية والغربية والدقهلية.