فيما يتطلع الكثير من المحبين لقصائد حب على مدار أيام العام كما يتجلى في مشروع مرتقب لمنظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" فإن قضايا الحب تتحول أحيانا إلى إشكاليات ثقافية ومعضلات يبحثها مثقفون في العالم العربي والغرب.
وكانت صحف ووسائل إعلام قد ذكرت أن "القرية الالكترونية" وهي مشروع ثقافي إماراتي وقعت اتفاقية شراكة مع منظمة اليونسكو لتنفيذ عدة برامج ثقافية من بينها برنامج يتيح مجانا على شبكة الانترنت والهواتف الذكية 365 انشودة حب وغزل من عيون الشعر العربي.
وقضايا الحب أثارت وتثير جدلا حادا أحيانا بين مثقفين كبار فيما قد يتصدى بعضهم لمثل هذه القضايا فيحولها إلى إشكاليات تثير المزيد من الجدل مثلما فعل المفكر والأكاديمي السوري الراحل صادق جلال العظم الذي سخر بشدة من هؤلاء الذين خلدهم الشعر العربي كنماذج للحب العذري معتبرا أنهم كانوا في حقيقتهم "نرجسيين" حسبما ذهب في كتابه " في الحب والحب العذري".
واعترف الدكتور صادق جلال العظم في تمهيده لهذا الكتاب بأنه يتناول موضوعا دقيقا كما أقر بأنه يتعذر الحصول على تعريف "مقبول ومتكامل لظاهرة الحب" رغم أن الفلاسفة والمفكرين درسوا الحب وتأملوا طبيعته منذ أقدم العصور وعالجوه من جميع وجوهه وعلى كافة مستوياته.
ولكن-كما يقول هذا المفكر السوري-في هذا الكتاب الذي مازال يثير الجدل:"ما من مفكر كبير تطرق إلى دراسة ظاهرة الحب ظن أن باستطاعته أن يضع تحديدا دقيقا جامعا مانعا يعبر عن ماهيتها مرة واحدة وبصورة نهائية فيشمل بذلك جميع تجلياتها وجوانبها.
والدكتور صادق جلال العظم صاحب كتاب "في الحب والحب العذري" ولد في شهر نوفمبر عام 1934 بدمشق وقضى في الحادي عشر من شهر ديسمبر الماضي بالعاصمة الألمانية برلين فيما تخصص في الفلسفة الأوروبية الحديثة وعمل استاذا في جامعات امريكية والمانية فضلا عن جامعة دمشق.
ومع أنه درس الفلسفة وقام بتدريسها وصاحب العديد من الكتب والطروحات الفلسفية والثقافية العميقة فهو يقول بصراحة:" الحق يقال أن من عرف الحب بالتجربة والمعاناة هو بغنى عن كل التعريفات الفلسفية والتحديدات النظرية مهما دقت في عبارتها واتسعت في شمولها".
ويضيف العظم بكلمات طريفة:"كما أن من حرم هذه النعمة بما فيها من مرارة وخيبة لن تجديه النظريات المجردة نفعا ولن تزيده الشروح الفلسفية علما بطبيعة الحب لأن العلم به قائم على التجربة الحية والمعاناة الوجدانية الشخصية المباشرة".
وأوضح الدكتور صادق جلال العظم ان "الحب" الذي يهمه في هذا البحث الذي تحول إلى كتاب "في الحب والحب العذري" هو "الحاجة والنزوع والميل الى امتلاك المحبوب" وتابع بقوله:"الحب الذي يعنينا في هذه الدراسة هو حالة عاطفية مركبة تشمل كيان الانسان بكامله جسدا وعقلا وروحا".
وفيما ينقل عن المسرحي اليوناني القديم سوفوكليس قوله عن حقيقة الحب المركبة:" الحب ليس وحده الحب..ولكن اسمه يخفي في ثناياه أسماء أخرى متعددة" يتناول صادق جلال العظم في كتابه بعض خصائص الحب كونه في نظره "انفعالا تلقائيا وعفويا بالنسبة لمصدره وبواعثه" معتبرا أن "العاشق ينزع دوما إلى سبغ المعشوق بخصال وخصائص لا يتصف بها من وجهة نظر محايدة بعض الشييء".
وفي هذا السياق استشهد العظم بمقولة لأحد الرموز التاريخية للثقافة العربية وهو الجاحظ جاء فيها:" أن العاشق كثيرا ما يعشق غير النهاية في الجمال ولا الغاية في الكمال ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة ثم إذا سئل عن حجته في ذلك لم تقم له حجة".
غير أن هذا المفكر السوري الكبير والذي فقدته الثقافة العربية مؤخرا يفسر الأمر بقوله:"وليس في هذه الظاهرة ما يثير الدهشة لأنه حين ينظر العاشق إلى موضوع عشقه من خلال هذا التركيز الهائل لأحاسيسه وانفعالاته وتنبهه إلى شخص المعشوق لابد أن يراه على صورة تختلف في ألوانها وظلالها عن الصورة التي تبدو للمشاهد العادي الذي لا يعنيه أمر المعشوق إلا بصورة طبيعية وعادية".
والحب الذي ترك أثرا هاما في تاريخ الإنسان وأدبه وفكره يتميز حسب قول الدكتور صادق جلال العظم بكونه " شقيا تعيسا يائسا..إنه الحب الذي لا يعرف النهايات السعيدة لأنه دوما حليف المآسي، أما الحب المتوج بالسعادة المستمرة والاكتفاء الدائم إن كان له ثمة وجود على الإطلاق فإنه لم يلهم إلا فيما ندر، أحدا من كبار الكتاب أو عباقرة الشعراء والأدباء ولم يحرك في الإنسان أية مشاعر عميقة تستحق الذكر او التدوين" !.
ويورد صادق جلال العظم عدة امثلة في هذا السياق بكتابه من بينها قصة كليوباترا ومارك انطوني وقصة روميو وجولييت وعشق آنا كارنينا لفرونسكي في رائعة تولستوي الأدبية المشهورة ووقوع كاترين في حب فريدريك هنري في رواية هيمنجواي:"وداعا أيها السلاح" فيما ينقل عن العالم الأندلسي ابن حزم تعليقه المقتضب والحاسم على نهاية الحب المتشائمة:"وقد علمنا أن كل ما له أول فلابد له من آخر".
ولأن المفكر صادق جلال العظم أدرك بوضوح انه يصدم الكثير من قراء كتابه بارائه في الحب والحب العذري والتي حطم فيها الكثير من التصورات المستقرة في الاذهان حول العشق العذري فقد تمنى على القاريء لكتابه:"التروي والتسامح وعدم توقع الوضوح التام والانسجام الكامل في أية محاولة لفهم ظاهرة عاطفية لا تنتعش إلا في الأجواء الغامضة المعتمة ولا تزدهر إلا على أساس المفارقات والتناقضات الماثلة في أعماق حياة الإنسان ومشاعره".
وواقع الحال أن الدكتور صادق جلال العظم بدا في كتابه وكأنه يحطم بلا رحمة أيقونات خالدة للحب العذري عند العرب مثل "جميل وبثينة" ليندد بالعاشقين معا وهو ما فعله أيضا حيال نموذج "عروة وعفراء" ناهيك عن "مجنون ليلى" معتبرا أن ما قيل طويلا حول "الوفاء التام والإخلاص المتفاني الذي يتسم به الحب العذري فيه كثير من المبالغة" كما أشار إلى ذلك المفكر المصري عباس محمود العقاد في كتابه "جميل وبثينة".
وفي تحليله لشخصية "الدونجوان" أو "الشخصية الدونجوانية المعروفة بحياة المغامرات العاطفية" رأى العظم أن حياة الشخصية الدونجوانية ليست الا "محاولة مستمرة للبقاء بالحب على مستوى العشق العنيف والانفعال الحاد والبحث عن شتى الوسائل والطرق التي تبعد عنه خطر الاستقرار ومايتبعه من وهن في اشتداد العشق وضعف في حدته وتعريضه للرتابة والتكرار والملل".
واللافت أن الدكتور صادق جلال العظم توصل عبر تحليل فلسفي عميق ومقارنات منهجية دقيقة إلى وجود "اتفاق شبه تام" بين ثلاثة من رموز الثقافة العربية والغربية وهم: " الجاحظ وابن حزم وموليير" حول سمات وطبيعة "الشخصية الدونجوانية" التي تتصف بالتقلب السريع والاستجابة المباشرة للمثيرات العاطفية والغرامية المحيطة بها بغية إبقاء الحب في مستوى العشق العنيف والانفعال الحاد ومن هنا فهذه الشخصية ترفض الروابط العاطفية الدائمة والمستقرة.
وعند المفكر صادق جلال العظم هناك فارق بين "العاشق العذري والدونجوان الكلاسيكي" وإن كان قد نال من النموذجين معا وقال في هذا الكتاب:"العاشق العذري لا يحافظ على عنف عشقه بالتنقل الدائم من حبيبة إلى أخرى كما يفعل الدونجوان الكلاسيكي وإنما يركز احاسيسه على محبوبة واحدة فريدة ويؤمل النفس دوما بالحصول عليها ولكنه يصطنع في الوقت ذاته جميع العراقيل الممكنة ليحول بينه وبين امتلاكها لأنه يعلم علم الدونجوان بأن العاشق متى ظفر بالمعشوق مرة واحدة نقص تسعة اعشار عشقه".
بعبارة أخرى يتوق العاشق العذري دوما لحبيبته ولكنه يمنع نفسه عن وعي وعن غير وعي بشتى الوسائل من امتلاكها حتى لا تخف حدة هذا التوق وتبرد عاطفته ومن ثم "لا جميل كان يريد الزواج ببثينة ولا بثينة كانت تريد الزواج من جميل بل كان كل منهما يريد قبل كل شييء عشقه للآخر وشعوره بالانفعال المتزايد بسبب بعد حبيبته" كما يقول العظم في كتابه:"في الحب والحب العذري".
ويرى العظم أن "العاشق العذري لا يحب في الحقيقة شخص حبيبته بقدر ما يحب عشقه هو لها ولذلك يفضل بعدها على قربها لأن البعد يؤجج نار العشق ويترك المجال للعاشق لأن يتلذذ بينه وبين نفسه بأعنف المشاعر وأعذب الأحاسيس".
ومن ثم يخلص صادق جلال العظم لحكم قد يبدو صادما وقاسيا للغاية بالنسبة لهؤلاء الذين يطربون لقصص الحب العذري فهو يقول في كتابه:"يعبر الحب العذري عن حالة مرضية متغلغلة في نفس العاشق وتتبين في ولعه بسقمه وهزاله وحرمانه وتلذذه بألمه وشقائه وتعاسته واستمتاعه بحرقة الشوق الذي لاأمل في اشباعه".
ويقول الدكتور صادق جلال العظم:"لا شك أن الحل المثالي لمفارقة الحب هو إبقاؤه إلى الأبد أو على مدى الحياة في أقصى درجة ممكنة من الاشتداد والحدة فلا يطرأ عليه وهن أو انحلال أو ملل غير أن الظفر بمثل هذه الحال هو سراب ومحال شأنه في ذلك شأن الشباب الأبدي وخرافة الحيوية الدائمة ابدا".
وهناك شعراء كبار مثل محمد الماغوط بدوا فى حالة بحث عن شىء اسمه الحب..فاذا كان الشاعر السورى الراحل محمد الماغوط قال يوما ما:لقد أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب فإن الشاعر الأمريكى هنرى كول يرى أن اللغة تتحول بالحب إلى فن.
وإذا كانت اراء المفكر السوري صادق جلال العظم لاتخلو من قسوة على بعض المحبين فلعل احد الآباء الثقافيين في التاريخ العربي وهو ابن القيم قد عبر عن النظرة العربية النبيلة للحب الحقيقي عندما قال منذ زمن بعيد ان الحب هو الميل الدائم بالقلب الهائم وايثار المحبوب على جميع المصحوب وموافقة الحبيب في المشهد والمغيب.
وابداعات الشعر العربي في عالم الحب بكل تجلياته من سلطان العاشقين عمر بن الفارض وحتى نزار قباني مازالت تهز أوتار القلوب وكما تؤكد تقارير وإحصاءات معلنة فإن عدد المعجبين بالشاعر السورى الراحل نزار قبانى تجاوز المليون شخص على صفحات فى موقع فيس بوك الشهير للتواصل الاجتماعى.
وعلى صفحات الفيس بوك يمكن للمتصفح أن يلتقى بشعراء ومثقفين كبار ولهم ابداعات خالدة في الحب مثل المتنبى والجاحظ وجبران خليل جبران وعباس محمود العقاد وادونيس ومحمد الماغوط ومحمود درويش ناهيك عن نزار قبانى "بشعبيته الالكترونية الطاغية".
وإإن حق التساؤل:هل للحب أعاصير أم أنه لا يعرف سوى الطبيعة العذراء والناى وموسيقى الشعر والسمو المتعالى على المادة ورومانسية الروح على ضفاف كون ساحر فلعل أسئلة كتلك الأسئلة بحاجة لإجابات شاعر كبير مثل فاروق جويدة الذى ما كان للحب أن يبتعد عن اجندته الفنانة.
فقد تناول الشاعر والكاتب فاروق جويدة طرفا من قضايا الحب والمحبين بقوله: "بعض الناس يتصور أن الحب لا يموت فى حين أن كل الأشياء فى الحياة لها بداية ونهاية" مضيفا:" وفى الحب شىء غامض لا نراه ولكننا نشعر به وحين يختفى يتحول الحب إلى تمثال من الشمع فيه الملامح والعيون ولكنه غارق فى صمت مخيف".
وإذا كان فاروق جويدة يسلم مثل العالم الأندلسي ابن حزم بأن الحب مثل كل الأشياء "يرحل ويخرج بلا عودة" فإنه يفضل دائما "أن ينتهى كل شىء بلا جراح" فيما توقف عند مشكلة الأنانية فى الحب قائلا: "فى الحب شىء من الأنانية وكثير من الغيرة..من حق المحب أن يشعر أنه يمتلك حبيبه والملكية هنا لا تشبه ملفات الشهر العقارى..إن الملكية فى الحب هى الالتزام والصدق والأمانة".
وفيما تزخر المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت فى زمن الحداثة وما بعدها بالكتابات والطرائف حول الحب وأشهر الثنائيات العربية فى الحب فإن دموع الحب تضارع معارك الفكر التى خاضها جبابرة وعمالقة الكلمة مثل عباس محمود العقاد كما أن هذه الدموع حاضرة فى إبداعات الساعة واللحظة الراهنة.
وقد تحدث الكاتب طاهر الطناحى أحد أقرب المقربين لعملاق الكلمة عباس محمود العقاد عن "دموع الحب بين الآنسة مى والعقاد" وأكد أن هذا العملاق أحب فى حياته مرتين:"سارة" وهذا ليس اسمها الحقيقى وإنما اسم مستعار ومارى زيادة الأديبة اللبنانية المعروفة "بالآنسة مى".
كانت سارة مثالا للأنوثة الدافقة الناعمة الرقيقة لا يشغل رأسها سوى الاهتمام بجمالها وأنوثتها وكانت مى مثقفة قوية الحجة وجليسة علم وفن وأدب وزميلة فى حياة الفكر..كلتاهما جميلة ولكن الجمال فى مى "كالحصن الذى يحيط به الخندق" اما الجمال فى سارة "فكالبستان الذى يحيط به جدول من الماء النمير..هو للعبور أكثر مما يكون للصد والنفور".
ذلك ما سمعه طاهر الطناحى من العقاد الذى كتب قصة عن "سارة" أما قصته مع مى فكانت أكثر تعقيدا بعد أن تطورت من صداقة أدبية إلى حب فغرام وهيام ودموع والحقيقة أن هذه الأديبة اللبنانية الجميلة كانت تحترم عباس محمود العقاد وتجله ككاتب ومفكر أما الحب الذى تنافس فيه الكثيرون من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فى ذاك الزمان فكان من نصيب مبدع كبير يعيش فى أمريكا هو الشاعر والكاتب اللبنانى الأصل جبران خليل جبران.
وعلى مدى نصف قرن وربما أكثر ظلت كتب جبران خليل جبران الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة فهو نموذج للكاتب الفنان مع نزعة روحية تجتذب الغارقين في مجتمعات صناعية مادية وتطحنهم ازمات روحية.
والذى لم يقله طاهر الطناحى أن شخصا فى قيمة وقامة عباس محمود العقاد كان لابد وأن يتألم لفوز جبران بقلب مى التى طلبت من العقاد صراحة ألا يقسو فى كتاباته على جبران بعد أن كتب عملاق الكلمة فى مصر والكاتب الأول لحزب الأغلبية حينئذ وهو حزب الوفد "عن أخطاء لغوية وانحراف فى الفطرة والطبيعة الشاعرة والخيال السليم" فى كتاب المواكب الذى كان جبران قد أصدره عام 1919.
الاحترام شىء مختلف عن الحب ومى التى كانت تخاطب العقاد فى رسائلها:"بالأستاذ الجليل العقاد" منحت الحب لجبران والحب لا يفسر، غير أن الأمر قد يؤلم عملاقا كالعقاد بل ويجعله يبكى وهو الذى أحبها بكل عواطفه وبعث لها عندما كانت فى روما بأبيات شعر نظمها جاء فيها:"آل روما لكمو منى الولاء وثناء عاطر بعد ثناء..وسلام كلما ضاء لنا طالع الإصباح أو جن مساء ".
وقد يحق التساؤل:"هل ثمة حيز في العصر الرقمي للرومانسية ولحبيبة تسكن في القلب وتكحل عينيها بتبر الذكريات..وهل لابد من القبلات"؟!...طريف هذا الكتاب الذي قد يقدم بعض الاجابات في زمن الحداثة ومابعدها.
والكتاب الصادر بالإنجليزية بعنوان "تاريخ القبلة: مولد ثقافة شعبية" يتناول فيه المؤلف مارسيل دانيسي وهو مؤرخ كندي في حقل الثقافة الشعبية القبلات من منظوره الثقافي..وثمة أسئلة طريفة ودالة في هذا الكتاب مثل:"لماذا تحظى القبلات بكل هذا التأثير العاطفي القوي والدلالات الرمزية المفعمة بمعاني الحب"؟!.."ولماذا يتحول فعل هو بالمقاييس المادية البحتة غير صحي إلى فعل رومانسي جميل وبديع"؟!.
وهي أسئلة من وحي نقاشاته مع طلابه يعترف البروفيسور مارسيل دانيسي بأنها اثارت حيرته لأول وهلة مع ان الكتاب يقدم في الواقع اجابات بعضها يفتن الألباب !..وبالطبع كان لهذا الكندي المتخصص في الثقافة الشعبية ان يقلل من الشروح والايضاحات البيولوجية وهو يتناول "اصل القبلة".
وهاهو يتجه بدلا من ذلك للتركيز في كتابه على الجوانب الرومانسية للقبلة التي باتت في العصور الوسطى ترمز للحب الصادق في مواجهة التكلف او العلاقات المفروضة عنوة..انها "القبلة التي جاءت بشيرا بعصر الاستقلال الرومانسي" على حد التعبير الطريف لمارسيل دانيسي.
ولكن البروفيسور دانيسي ذهب بعيدا في حماسه للقبلات لحد أنه يتحدث عن "الآثار المزلزلة للقبلات وسطوتها على القصص والحكايات حتى أنها اسهمت في مولد الثقافة الشعبية ذاتها"..وتقاليد الحب العذري كما يقول مؤلف الكتاب كانت التجلي الأول للكتابات الثقافية الشعبية وقد مضى في تقصي مواضع القبلات عبر الأدب مثل القبلة القاتلة في رائعة وليام شكسبير "روميو وجولييت".
وكذلك راح مارسيل دانيسي يتقصى ويسرد تاريخ القبلات عبر الصور وأفلام السينما كما هو الحال في قبلة الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو وكيت وينسليت في فيلم تيتانيك اما دينيس دورجمون فيقارن في كتابه "الحب والغرب" بين الحب العذري في الثقافة العربية ومايماثله في الغرب.
وينتهي إلى أن البحث عن عائق للوصال في الثقافتين يتكرر في الحالتين، إنه الغزل والتشبيب بالحبيبة الذي يحول دون زواج العاشق من حبيبته في المثال العربي وهو السيف الذي يمدد بين الجسدين كما في أسطورة تريستان وايزولدة.
وفي كتاب عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب "سوسيولوجيا الحب العذري" مقاربة استثنائية وفريدة للحب العذري فيما قد تستوقف البعض مقارنة تاريخية بين بقدر ما هي اجتماعية بين قصة الشاعر العذري عروة بن حزام واسطورة تريستان وايزولدة كتعبير غربي عن الحب الافلاطوني.
وكل ذلك يعني ضمنا وجود أوجه للقاء بين الشرق والغرب في قضايا الحب..فمرحبا بقصائد الحب بعدد أيام العام مهما قيل عن متاهات الحب !..مرحبا بقصائد لها ملمس الفجر وربيع باذخ..أيها الحب: ها هو الربيع قادم فأطلق سراح كلماتك وزهور المنى ولا تغب بحروفك الجميلة عن القلوب..فلتكن حروفك أحلاما والكتابة حب حتى وإن تساءل البعض في زمن الحداثة وما بعدها:"هل الحب هو الحب" ؟!.