الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

دم "الملك" في رقبة مين؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمكنت البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة من استخراج جسم تمثال الملك رمسيس الثاني، الإثنين، بعدما تسببت فى موجة استنكار شعبية عارمة، نتيجة استخدام معدات الحفر الثقيلة فى التنقيب عنه، والتي قد تتسبب في تدمير الآثر بالكامل، بحسب تأكيدات المتخصصين، ومن بينهم الأثارية الدكتورة مونيكا حنا، والدكتور أحمد صالح مدير عام آثار أسوان، والدكتور عبدالفتاح البنا أستاذ ترميم المواقع الأثرية، لكن الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار شدد على أن البعثة وجدت الرأس مكسورا، وهو ما أيده الكاتب يوسف القعيد، عضو مجلس النواب، قبل أن يخرج الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، ليبرر الأمر بأن الفرس الذين احتلوا مصر فى القرن السادس قبل الميلاد، هم من حطموا آثار المطرية، ورغم ما ينطوى عليه هذا التصريح من دفاع، فإن الوزير أعلن أنه عاقب بعض المقصرين، ما يشى بأن هناك أمرا غير واضح بشأن التمثال الذى طالب أهالى المطرية بأن ينصب في منطقتهم، رغم خروجه دون إحدى رجليه.


واستخرجت البعثة الجزء الثانى من تمثال رمسيس الثاني، بحضور وفد برلمانى برئاسة أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان، وعدد من النواب، منهم سحر طلعت مصطفى رئيسة لجنة السياحة، ونادر مصطفى ولميس جابر ونشوى الديب أعضاء لجنة الإعلام، والكاتب يوسف القعيد، وبرفقة الدكتور خالد العنانى وزير الآثار، والدكتور مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. 
وتعالت زغاريد أهالى المطرية، فور انتشال الجزء المتبقى من التمثال، وطالبوا وزير الآثار بوضع التمثال بمنطقة المطرية، واستجاب العنانى لرغبتهم، مؤكدًا أنه سيتم نقل التمثال إلى متحف المطرية بمنطقة المسلة الأثرية، كما وعد باستمرار أعمال الحفر والتنقيب بالموقع الأثرى من خلال البعثة المصرية، مشيرًا إلى أن البعثة الألمانية ستنهى أعمالها نهاية الشهر الجارى.


البعثة متهمة بالاستعجال

وجاء الأسلوب العلمى المستخدم فى انتشال الجزء المتبقى من تمثال رمسيس الثاني، ليؤكد فداحة الأسلوب المستخدم مع الجزء الأول من التمثال، الذى تم انتشاله الخميس الماضي، وهو ما أكدته الأثرية الدكتورة مونيكا حنا، قائلة: خرج تمثال رمسيس الثانى يوم الإثنين، طبقًا للطريقة العلمية السليمة لاستخراج القطع الأثرية الثقيلة، وهذا يوضح بشكل كبير الاستعجال الذى حدث الخميس الماضي. 

وأضافت «حنا»: «يجب أن يُحاسب المسئولون عنه فى وزارة الآثار ومعهد الآثار الألماني، حيث إن البعثة كانت مشتركة فى المسئولية»، مشيرة إلى أن «دور وزارة الآثار هو الرقابة على البعثات الأجنبية وليس العكس».


الوزير يلصق التهمة بـ«الفرس»
من جانبه، قال الدكتور خالد العنانى وزير الآثار: إن منطقة المطرية تعرضت لعمليات التدمير لعدة مرات نظرًا لقربها من القاهرة القديمة، مشيرا إلى أن أول تدمير لحق بها حدث حينما احتل الفرس مصر فى القرن السادس قبل الميلاد وتحديدًا عام ٥٢٥ ق. م فى الغزو الفارسى الأول، ثم فى الغزو الفارسى الثاني، وبعدها تحولت المنطقة فى القرن الأول الميلادى إلى محاجر، وبدأوا فى نقل آثارها المحطمة، وحتى الآثار السليمة كانت تُحطم ويتم نقلها. 
وأوضح «العناني» أنه «لذلك نجد أن أغلب القطع الأثرية المحطمة هنا مستخدمة فى بناء القاهرة الإسلامية، كما أن أشهر مسلات العالم خرجت من منطقة المطرية، ٥ مسلات فى روما، وفى لندن ونيويورك، وجميعها خرجت من مدينة هليوبوليس الغنية بالمعابد والتى شهدت عبادة إله الشمس».
وعن التمثال، أكد العنانى أن حالته رائعة، مضيفا أن «الكل أجمع أنه لرمسيس الثانى فور العثور عليه نظرًا لموقعه، لأن المنطقة هنا كانت لمعبد رمسيس الثاني»، ونوه بأن أعمال الحفائر مستمرة فى نفس الموقع، وأنه ربما تُغادر البعثة الألمانية نهاية الشهر الجاري، ولكن البعثة المصرية ستستمر فى أعمال الحفائر، ومن ثم لا بد من تصفية المنطقة من أعمال الحفائر بالكامل.
وبالنسبة لرجل الملك والسؤال المتكرر عنها، أوضح العنانى أن هناك ٣ احتمالات للكشف عنها، الأول أنها تكون نُقلت مثل باقى الآثار التى تم نقلها فى العصور القديمة إلى القاهرة التاريخية، أو إلى الإسكندرية، والاحتمال الثانى أن تكون أكثر قربًا من المنازل، مضيفا أنه لا يمكنه مع ذلك الاحتمال الحفر بالقرب أكثر من ذلك. 
وأشار الوزير إلى أنه كان يخشى على الصحفيين والإعلاميين الواقفين أسفل المنازل وقت انتشال التمثال، لأن الأرض أسفلهم رخوة، وكلما تم سحب المياه التى تخطى ارتفاعها الثلاثة أمتار ترجع المياه مرة أخرى، لأنها تأتى من أسفل المنازل، مضيفا أن هذا الأمر يؤثر على الأرض التى تقف المنازل عليها.
ولفت «العنانى» إلى أنه تم مساء الأحد الماضى تصبين التمثال وتمت تجربة إخراجه، مشيرا إلى أنه أصر على إخراجه أمام وسائل الإعلام، حتى لا يُقال إنه خرج بالليل وتم كسره، مؤكدا أن التمثال حالته جيدة جدًا، والنقوش على ظهره هى التى ستؤكد هويته وإلى أى عصر ينتمي، وفى الغالب سيكون لرمسيس الثاني، ولكن أحدث تاريخ وارد للتمثال هو ٣٣٠٠ عام أو أكثر، متمنيا خروج العديد من الآثار من منطقة المطرية، معربا عن تفهمه لما حدث من هجوم وانتقادات واتهامات لعملية رفع رأس التمثال الخميس الماضي.
وتابع الوزير أن «الآثار تمس شرف ووطنية كل شخص مصري، وأن الناس لم تتعود على مشهد تمثال ملقى على الأرض وغارق فى الطينة، إلا أنه تمت محاسبة المقصرين»، مؤكدا أنه ينتظر نتائج الترميم المبدئى للتمثال، ومبدئيًا سيتم حفظ التمثال فى المطرية لعدة أيام، ثم يتم نقله إلى متحف التحرير ليشاهده الناس، ومن ثم إلى المتحف المصرى الكبير».


مبررات وهمية
لكن الدكتور أحمد صالح، مدير عام آثار أسوان، اعتبر أن ما قاله الدكتور خالد العنانى وزير الآثار عن رفع التمثال مساء الأحد وإعادته مرة أخرى للمياه لانتشاله أمام وسائل الإعلام، أمر فى غاية الخطورة، ويُشكل كارثة خطيرة على الأثر نظرًا لتعرضه لتغيير المعادل الجوى للأثر ٤ مرات.
وأشاد «صالح» بالطريقة العلمية التى خرج بها الجزء الثانى من التمثال، وقال: «كنا نود أن يخرج الأثر بشكل مُشرف كما حدث يوم الإثنين، وكان الاعتراض يوم انتشال رأس التمثال على استخدام الكراكات المحرم استخدامها فى المواقع الأثرية، كما اعترضنا على فكرة وجود المياه الجوفية، وكذا تأمين القطعة الأثرية فى خروجها، فالمياه الموجودة فى الحفرة كان لا بد أن يتم رفعها». 
وأوضح «صالح» أن «الوزارة قامت بأمرين عشية رفع الجزء الثانى للتمثال، الأول أنها قامت بسحب عينة من المياه وتحليلها، لفائدتها فيما بعد فى عملية الترميم، وكذا قامت بإحضار ونش متعارف على استخدامه فى المواقع الأثرية، لذا اكتشفنا أن جميع مبرراتهم كانت وهمية»، متسائلا عن الظروف التى تغيرت بين عشية وضحاها. 
وأضاف أن «ما حدث فى انتشال الجزء الثانى للتمثال أنهم قاموا بمعالجة وتمهيد الموقع لعملية الرفع، وتم تنظيف الموقع وإعداده للزيارة وللتصوير الصحفى والإعلامي، وكذا تجفيف الحفرة من مياه الصرف الصحي، إلا أنها ارتفعت مرة أخرى صباحًا، والأمر المهم أنهم قاموا باستخدام رافعة، وهو ما يؤكد أن ما قالوه عن سلامة استخدام الحفارات بالمواقع الأثرية أمر باطل، واستخدام الروافع هو أمر علمى سليم، وكان المفترض أن يكون منذ البداية».
وواصل «صالح»: «من بين الأخطاء التى وقعت بها وزارة الآثار أنهم بعد استخراج الرأس ألقوها دون رعاية أو اهتمام، ولكنهم اليوم قاموا بتجهيز مخدع للتمثال وأجروا عليه بعض أعمال الترميم الأولية، ونحن نتفق كأثريين أن ما حدث اليوم هو الطريقة العلمية السليمة المفترض أنها كانت تحدث الخميس الماضي».


الأعلى للآثار يدافع
من ناحيته، أشار الدكتور مصطفى أمين الأمين العام لمجلس الأعلى للآثار، إلى أن الجزء الثانى للتمثال تم تأمينه بشكل كبير، كما تم التأكد من وزن التمثال وهو يصل إلى ٩ أطنان، مضيفا أن التمثال الآن فى مأمن، ولم يتعرض لأى ضرر، منوها بأن ما قيل عن تعرض التمثال لأضرار من جراء الحفر فى المرة الأولى ليس حقيقيًا، حيث لم يتضح بالدراسات التى أجريت أن يكون هناك بقية للتمثال، لافتا إلى أن ما حدث لهذه المنطقة من تحطيم كان فى العصر الرومانى والعصر الفارسى والعصور المتتالية، مع وجود بعض الزلازل وكذا استخدام الحجارة فى بناء أسوار القاهرة التاريخية، وكل هذه الأمور أدت إلى تحطم آثار المنطقة، مضيفا أنه ربما كانت هناك قطعة أخرى للتمثال وتم انتشالها فى وقت سابق، ولكن المسح الذى تم على المنطقة لم يُثبت وجود قطع أخرى للتمثال.


رمسيس فى المتحف المصرى
وواصل «أمين»: تم التعامل مع التمثال من خلال الترميم، لأن البيئة التى خرج منها غير التى انتقل إليها، وتمت تصفية المياه من التمثال، وسيتم غدًا الأربعاء نقله إلى المتحف المصري بالتحرير لعرضه. 
وأشار إلى أن «فرحة أهل المطرية بانتشال التمثال تؤكد طيبة المصريين الغيورين على حضارتهم.. الأهالى منظمون وكانوا يتابعون عملية انتشال التمثال من المنطقة المخصصة لهم، والتزامهم يدل على حرصهم، ولهم كل الحق فى الاحتفال بانتشال التمثال، وأنا سعيد بقدرتنا على انتشال التمثال بشكل لائق». 
وأكد «أمين» عدم وجود ضرر للبعثات الأثرية الأجنبية، قائلًا: «هذه البعثات لا تأتى للعبث بالعكس لأنهم يأتون بإمكانياتهم، والبعثات العلمية تعرف ما تقوم به جيدًا، ولو افترضنا وجود خطأ، فالخطأ وارد فى أى مكان وفى أى وقت، الاعتراض كان على طريقة الرفع غير السليمة للأثر الخميس الماضي، لكن الرأس لم تُصب بأى ضرر من أى نوع، ولم يحدث أن تضرر الأثر من أسنان آلة الرفع.

«القعيد» يؤيد ويتمنى
من جانبه، قال الكاتب يوسف القعيد عضو البرلمان: «التمثال خرج إلينا مُحطما، وأتمنى أن يكون استخراج التمثال وغيره من الاكتشافات الأثرية، سبب فى عودة السياحة مرة أخرى، ونحن نرحب بكل الأعمال التى من شأنها عودة السياحة».
وأضاف «القعيد» أن المنطقة بالكامل مبنية على آثار، وهى تعد أهم منطقة آثار إسلامية وفرعونية فى العالم أجمع، متسائلا: «هل المبانى على هذه الأرض مرخصة أم لا؟»، قبل أن يعرب عن أمله أن يكون هذا الكشف «فاتحة خير» لكشوفات أثرية أخرى.


البنا: أخطاء الحفر لا يمكن معالجتها
ومن جانبه، قال الدكتور عبد الفتاح البنا أستاذ ترميم المواقع الأثرية بكلية الآثار جامعة القاهرة: إن أعمال انتشال التمثال يوم الإثنين حاولت تلاشي الأخطاء الميكانيكية في التعامل مع الكتلة الصخرية المتبقية التي حدثت  الخميس الماضي، مؤكدًا أن أخطاء الحفر نفسه لا يمكن معالجتها، خاصة أنه فُقد ما يثبت تاريخ دفن الأثر في هذه المنطقة بإزالة طبقة "الباتينا" التي كونها التفاعل التبادلي بين سطح جسم التمثال والتربة المحيطة بغسل الأثر بالماء والتخلص من كل مواد التربة العالقة.
وأشار البنا إلى ضرورة عدم امتداد اليد البشرية على سطح الأثر قبل أخذ هذه الأحتياطات الضرورية في عملية "التأريخ" إذا لزم الأمر مستقبلا بترك مساحة من القشرة السطحية المتكلسة في مكان مخفي عن البصر بدون إزالة أو تنظيف، وهو ما لم يتوفر في عمليتي الانتشال.


وأضاف البنا، أن الدكتور زاهي حواس أصدر بيانًا يوم الجمعة يفيد بأن عملية انتشال التمثال بالكراكة عمل علمي وأشاد بها، ثم تراجع عن تصريحه بعد انتقادي له مع وائل الإبراشي وصرح لقناة العربية بعكس ما جاء في بيانه قائلًا: "كان هناك أخطاء في انتشال التمثال بالكراكة وكان يجب استخدام عروق الخشب والحبال".
وواصل البنا: "انتشال التمثال كان من المفترض أن يتم وفق عدة خطوات، أولا يتم تجفيف الموقع بأسلوب تخفيض الماء بمستوى أقل من مستوى الحفر بما لا يقل عن 1م أو 1.5م بشكل ثابت بأسلوب "Dewatering" وهذا سهل قبل البدء في استكمال الحفائر عندما لاحظوا ارتفاع منسوب مياه الرشح والنشع أي بعد 2011 وتوقف الحفائر في هذه الفترة بأسلوب الصرف المغطى بعمل مجارير من الفخار حول منطقة مربعات الحفر وعلى عمق مترين ثم عمل آبار بعمق أكبر من 2 متر يتم نزح الماء منها باستمرار ولا يسمح لها بأن تتعدى الارتفاع المقرر الحفر في عمقه كطبقة حفر، كده أنا حيدت الماء تماما.
ثانيا: تستكمل الحفائر كما بدأت في أرضية جافة لاستكمال دراسة طبقات الحفر واستكمال التوثيق العملي من تصوير ورسم وقياس للأبعاد. 
ثالثا: الاحتفاظ بعينات من تربة طبقات الحفر بعد تكويدها وتسجيلها في سجلات البعثة سواء كانت ورقية أو إلكترونية. 
رابعا: الاستقراء على مساحة طبقة القشرة السطحية الواجب الاحتفاظ بها على سطح جسم التمثال مكان غير مرئي للعين "مخفي" لأنها ستكون مهمة في حال التشكيك في تأريخ فترة دفن التمثال ووثيقة علمية سنرجع لها في مثل هذه الحالات. 
خامسا: عمل دراسة لاتزان التمثال وسيناريو لعملية انتشال التمثال الضخم الذي وجد، واحتمالات التأثر نتيجة لعمليات الرفع وأي الأساليب أفضل للرفع في مثل هذه الحالات من الآثار الثقيلة. 
سادسا: بعد الانتشال من بيئة الدفن، لا ينقل التمثال مباشرة من الموقع بل يعمل معمل متحرك أو مظلة والبدء في محاكاة بيئة الدفن من رطوبة ولكن بدرجات أقل تدريجيا كي يتكيف التمثال بمادته الصخرية مع البيئة الجديدة، بعدها ينقل إلى المخازن أو العرض بعد أجراء الصيانة اللازمة له أو أعمال الترميم وإظهار القيمة الأثرية مع الاحتفاظ بالمساحة التي يجب ألا تنظف وتترك كبصمة للأثر في مكان خفي في جسم التمثال.