يحيي العالم يوم 23 مارس اليوم العالمي للأرصاد الجوية 2017 تحت شعار" فهم السحب"، حيث يهدف إلى التنويه بعظم أهمية السحب بالنسبة إلى الطقس والمناخ والماء. فالسحب لها أهمية حيوية في الرصد والتنبؤ بالطقس. كما أنها جانب من جوانب الشك الرئيسية في دراسة تغير المناخ، حيث يجب علينا أن نفهم بشكل أفضل كيف تؤثر السحب على المناخ، وكيف يؤثر تغير المناخ بدوره على السحب.
هذا إلي جانب أن السحب أيضًا تؤدي دورًا حاسمًا في دورة الماء وفي كيفية توزيع موارد المياه على نطاق العالم، ويسجل اليوم العالمي للأرصاد الجوية إصدار طبعة جديدة من الأطلس الدولي للسحب، بعد استعراض جامع وشامل لتاريخه الطويل والمتميز.
وتحوي هذه الطبعة كنوزًا نفيسة تضم مئات الصور للسحب، من بينها تصنيفات جديدة لأنواع من السحب. كما أنها تتضمن معلومات هامة عن ظواهر جوية أخرى، مثل قوس القزح والهالات والشيطان الثلجي والبرد. ولأول مرة على الإطلاق يصدر الأطلس في شكل رقمي، ويمكن الوصول إليه عن طريق أجهزة الحاسوب والهاتف الجوال على السواء.
وتحتفل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ومرافق الأرصاد الجوية فى جميع أنحاء العالم باليوم العالمي للأرصاد الجوية في 23 من مارس كل عام، وذلك تخليدا لذكرى دخول اتفاقية المنظمة حيز التنفيذ اعتبارًا من 23 مارس 1950.
وأشار "بيتري تالاس" أمين عام المنظمة العالمية الأرصاد الجوية، في رسالة له بهذه المناسبة إلى أن العلميين يدركون اليوم أن السحب تؤدي دورًا حيويًا في تنظيم توازن الطاقة والمناخ والطقس في الأرض، فهي تساعد على دفع دورة الماء ونظام المناخ برمته. ولابد من فهم السحب للتنبؤ بأحوال الطقس، وتحديد آثار تغير المناخ في المستقبل، والتنبؤ بتوافر موارد المياه.
وكانت السحب طوال القرون الماضية من بين الظواهر الطبيعية مصدر الإلهام العلمي والتأمل الفكري. ولقد درس أرسطو السحب قبل أكثر من ألفي عام، وكتب مؤلفات تناولت دورها في الدورة الهيدرولوجية، لكن لوك هوارد هو من أصدر أول تصنيف للسحب، وكان شغوفًا بالأرصاد الجوية وكان يعيش في إنجلترا في أوائل القرن الـ 19.
وحدد هوارد، استنادًا إلى سجلاته الشاملة للطقس في منطقة لندن للفترة 1841-1801، ثلاثة أجناس أو فئات رئيسية للسحب: الركام، والرهج، والسمحاق. وتظل عملية تحديد أنواع السحب ووصفها وتسميتها مسألة حيوية لدراسة الطقس والمناخ.
وأضاف تالاس، في رسالته، لقد ألهمت رمزية السحب وجانبها المثير للعواطف كثيرًا من الفنانين في شتى أنحاء العالم، ومنهم الشعراء والموسيقيون والمصورون الفوتوغرافيون وغيرهم من محبي الفنون.
وقال، سأعطي مثالًا واحدًا: المعزوفة الموسيقية "المقطوعة الحالمة" للملحن ديبوسي، المعنونة "السحب"، هي إحدى المقطوعات الرئيسية في الموسيقى الانطباعية. والسحب تفتن أيضًا بسحرها المصورين خاصة، لا سيما المصورين الذين ساهموا بحماس شديد في دليل التقويم للمنظمة لعام 2017، والتي تعرض من خلال الصور موضوع هذا العام لليوم العالمي للأرصاد الجوية "فهم السحب".
إن السحب متجذرة أيضًا في الرموز والعادات الثقافية للفكر. ففي الصين مثلًا، تمثل "السحب المبشرة" النعيم والحظ السعيد. ويقول الناس في بعض اللغات "عقله في السحاب" للإشارة إلى شخص منغمس في أحلام أو أفكار خيالية. أما الآن فكلمة السحاب تشير في العالم الحديث إلى حيز غير واضح الشكل لا يحوي سحبًا، ولكن موارد إنترنتية وبيانات مرقمنة.
وذكر تالاس، الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية، أن الأطلس الدولي للسحب هو المرجع الموثوق والشامل الوحيد لتحديد أنواع السحب. وهو يتمتع بسمعة أسطورية لدى المهتمين بالسحب. وقد صدر هذا الأطلس لأول مرة في أواخر القرن 19، وهو يحتوي مجموعة معايير مفصلة وكليشيهات فوتوغرافية عديدة للسحب وعددًا من الظواهر الجوية، وبعد مراجعته الأخيرة قبل 30 عامًا، ستصدر الآن طبعة محدثة ومراجعة تمامًا بمناسبة اليوم العالمي للأرصاد الجوية في 23 مارس 2017. ولأول مرة، ستصدر طبعة 2017 في أول الأمر في شكل رقمي على الإنترنت. وهي تحوي كنوزًا نفيسة من مئات الصور للسحب، من بينها تصنيفات جديدة لعدد من السحب، مثل السحب الحلزونية، والملفوفة، والتكثفية، وهي عبارة عن ذيل من البخار تتسبب فيه أحيانًا الطائرات، والسحب المسفاطة، وهى سحب متموجة، وإضافة إلى ذلك، يتضمن الأطلس معلومات هامة عن ظواهر جوية أخرى، مثل قوس القزح والهالات والشيطان الثلجي والبرد.
وقد شجع التقدم العلمي والتكنولوجي والفوتوغرافي للمنظمة على الاضطلاع بالمهمة الطموحة والشاملة لتنقيح الأطلس وتحديثه بصور ساهم بها أخصائيو الأرصاد الجوية ومراقبو ومصورو السحب. ويستخدم الأطلس أيضًا كأداة ضرورية لتدريب الحرفيين العاملين في مرافق وشركات الأرصاد الجوية، وفي قطاعات من قبيل الطيران والشحن.
ويقول تالاس إن مهمة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في جوهرها هي فهم ظواهر الطقس والمناخ لحماية الأرواح والممتلكات ومساعدة المجتمعات المحلية على أن تصبح أكثر قدرة على المقاومة. وستواصل المنظمة مساعدة الحكومات على تقديم أفضل الخدمات الممكنة في مجالات الطقس والمناخ والهيدرولوجيا والبحار والبيئة لحماية الأرواح والممتلكات، ودعم اتخاذ القرار.
يتميز كوكب الأرض بوجود الماء عليه، وتشكل المياه نسبة 71% من مساحة الأرض. ورغم أن ثلثي الأرض من الماء إلا أنه عند انقطاع الأمطار عن اليابسة يختل التوازن ويتدمر النظام البيئي عليه. فالأمطار هي إحدى أهم عناصر الحياة على كوكب الأرض ومن دون لا وجود للحياة، لذلك فاستمرار نزول المطر يجب أن يكون دون انقطاع، وهذه الظاهرة تسمى دورة الماء في الطبيعة.
ويشكل الماء العامل الأساسي في نمو الحياة وازدهارها، كما أنه يدخل في التفاعلات الكيميائية والحيوية. والسحاب هو عبارة عن تجمع جزيئات الماء بحالاتها المختلفة، غازية، أو سائلة، أو صلبة في الجو، وبارتفاعات مختلفة في طبقة التروبوسفير. وتكون ألوان السحب مختلفة تتدرج من الأبيض النقي إلى الرمادي الغامق، وهذا حسب كثافة جزيئات الماء فيها. وتتغير أشكالها فهي عشوائية لا قاعدة لها، ويمكننا رؤية السحب بالعين المجردة، ويمكن اعتبار أن تكون السحب هي شكل من أشكال الحياة على الأرض، والتي تتم بوجود الشمس كعامل مساعد، فبسبب الشمس تتكون السحب والغيوم بأحجامها وأشكالها، حتى تتلاشى.
وتتلاشى الغيوم عندما تهطل الأمطار، حيث تتصادم الغيوم أو تصل إلى أقصى قدرتها على احتمال الأوزان، فتتساقط جزيئات الماء السائلة على شكل مطر، أو صلبة على شكل برد، أو على شكل قطني ناعم كالثلج، وهنا تصبح دورة الحياة أكثر وضوحًا.
أما عن مراحل تكون السحاب ونزول المطر، فتمر ظاهرة سقوط الأمطار بالمراحل الآتية:
التبخر: وهي عملية تحول الماء من حالته السائلة إلى الغازية نتيجة ارتفاع درجة حرارته. وما يحدث للمياه يكون نتيجة ارتفاع درجة حرارة المسطحات المائية كالمحيطات بشكل خاص والأنهار والبحيرات بفعل حرارة الشمس، حيث تتبخر جزيئات الماء ثم تتصاعد إلى الأعلى بواسطة وزنها الثقيل نتيجة ارتفاع حرارتها، وبواسطة التيارات الهوائية الصاعدة. ويكون 90 % من الماء المتبخر عن كوكب الأرض قادم من المحيطات.
.. التكاثف: وهى عملية تحول الماء من حالته الغازية إلى السائلة نتيجة انخفاض درجة حرارته. وتصل جزيئات بخار الماء الصاعدة إلى حد معين غالبًا ما يكون في طبقة التروبوسفير، ويمكن أن تمتد إلى بداية طبقة الستراتوسفير. وبمجرد وصول جزيئات الماء إلى هذه الطبقة تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض، فتنخفض حرارة الماء وبالتالي تبدأ جزيئات الماء بفقدان حرارتها، فيتحول بخار الماء إلى سائل، ويتكاثف الماء على شكل غيوم. ومن شروط تكون هذه الظاهرة تغير درجة الحرارة، وتوفر هواء مشبع ببخار الماء، وتوفر أنوية للتكاثف.
هطول الأمطار: بعد أن تتكون السحب تبدأ بالحركة في السماء متنقلةً من مكان إلى آخر بواسطة التيارات الهوائية، ويمكن أن تنتقل رأسيًا حسب وزنها وكثافتها، وبمرور الغيوم بمناطق باردة تبدأ جزيئات الماء بالاتحاد مع بعضها البعض، وبذلك تكون الجزئيات أكبر حجمًا، هذه الجزيئات الضخمة بالنسبة للغيمة لا تكون مستقرة، وبسبب وزنها تكون مهددة بالسقوط، فيحدث الهطول عند مرور الغيمة مثلًا بمرتفعات عالية، فتكون كمصدات للأمطار، أو يمكن أن تتبلور الجزيئات لتشكل بلورات من الثلج، وأيضًا تتراكم عليها بلورات الماء حتى تثقل وتسقط، وعن طريق ذلك يحدث المطر بأشكاله.
والمطر أنواع، كمطر التضاريس الذي ذكر من قبل ؛ ومطر الأعاصير عند التقاء الغيوم وتصادمها معًا ؛ ومطر التيارات الصاعدة غالبًا ما يتبع الجو المغبر تساقط للأمطار.
وتؤدي السحب دورًا حاسمًا في التنبؤ بالطقس والإنذار به، فهي توجه دورة الماء والنظام المناخي بأكمله. ويقر الأطلس الدولي للسحب الحالي 10 أجناس أساسية للسحب، ويعرف كل جنس منها وفقًا لمكان تكونه في السماء ولشكله التقريبي.
ومن أنواع السحاب ما يلي:
السحب الطبقية، عندما يتشكل المنخفض الجوي تتقدم معه سحب طبقية أي على شكل طبقات متراصة بينها، وتغطي مساحات واسعة من السماء، فهي أفقية الانتشار وليست عمودية الشكل، وتتواجد عادة في الجو المستقر، وتتشكل عند اندفاع تيارات هوائية دافئة فوق الهواء البارد المنخفض الحرارة، وتنقسم إلى نوعين مثل: سحب المزن والسحب المتوسطة.
والسحب الطبقية تكون قليلة السماكة وقد ترافقها أحيانًا أمطار خفيفة تحدث عند رؤيتها في السماء. أما السحب الركامية تشتهر بتواجدها في حالات الجو غير المستقر، ولهذا تتكون نتيجة اضطرابات الجو وبتأثير سرعة الرياح وشدتها، وسميت بالركامية لأنها تتراكم فوق بعضها البعض على شكل عامودي يختلف عن النوع الطبقي الذي يمتد بشكل أفقي، وعندما تتجمع السحب وتتراكم بكميات كبيرة جدًا فهذا يدل على وجود أمطار غزيرة وأحيانًا الثلوج والبرد، والسحب الركامية لا يمكن رؤية السماء من خلالها لأنها تغطيها كليًا، ولهذا يتوقّع بأن يكون الطقس ممطرًا مع هبوب الرياح عند رؤية السحب الطبقية وتساقط الثلوج حسب أشهر فصل الشتاء.
.. السحب المنخفضة وهي قريبة من سطح الأرض، وتكون على ارتفاع 2000 متر، ومن أنواعها السحب المنخفضة الصغيرة التي تتجمع بشكل متقطع، وعندما تقترب من بعضها تتكون سحب المزن الممطرة، وتكون مقدمة للسحب العالية الارتفاع، والسحب المنخفضة على ارتفاع 5 آلاف قدم وتكون كتلة واحدة وتمطر أمطارًا خفيفة، وهناك سحب منخفضة مخيفة الشكل، وعادة تكون قريبة من سطح الأرض ومحملة بأمطار غزيرة وبالبرد والثلج.
.. السحب المتوسطة تتواجد هذه السحب على ارتفاع 3 إلى 8 كيلومترات من سطح الأرض، وهي عادة أقل تأثيرًا على الجو بسبب البعد الذي تتواجد به، وهي ضعيفة الفرص في احتمالية تساقط الأمطار من خلالها.
.. السحب العالية سميت بالعالية بسبب بعد مسافتها التي تتجاوز 8 كيلومترات، وتتميز بارتفاعها العالي، وعادة تكون بيضاء اللون على شكل خيوط متقاربة من بعضها، وأحيانًا كقطيع الأغنام ذات اللون الأبيض، وهذه السحب العالية لا تؤثر على الجو ولكن فقط تقلل من تساقط أشعة الشمس على الأرض.
.. السحب الرعدية وهى السحب التي يحدث من خلالها صوت الرعد وحدوث البرق بسب تصادم الشحنات الكهربائية في داخلها، وتتواجد هذه السحب على ارتفاع 15 كيلومترًا، وهى مسافة آمنة حتى لا تحرق الأرض بالبرق، وتظهر في فصل الشتاء فقط. والسحب الرعدية تسبق تشكل السحب الركامية التي تتساقط من خلالها الأمطار.
وتنقسم هذه الأجناس العشرة إلى أنواع فرعية تبين شكل السحب وتركيبها الداخلي، وإلى مجموعات تبين شفافية السحب وأنساقها.
ويوجد إجمالًا زهاء 100 مجموعة مؤتلفة. ويضم الأطلس الدولي للسحب صنفًا جديدًا من السحب هو الحلزوني (كلمة لاتينية تعني ملفوفًا)، أي السحب الملفوفة. كما يقترح الأطلس أيضًا عددًا من السحب "الخاصة" الجديدة، مثل السحب البشرية. ومن أمثلة هذا النوع من السحب الأثرتكف (مختصر لعبارة أثر التكثف) التي تحدث أحيانًا نتيجة عادم محركات الطائرة. والمصطلح الخاص المدرج مؤخرًا والخاص بالسحب، وهو الناجم عن الاشتعال (الركام الناجم عن الاشتعال).
ويشير الأطلس خاصة إلى السحب أسبيراتوس (كلمة لاتينية تعني خشونة أو عدم الاستواء) وهي تشكيل هائل يبدو كسطح البحر المضطرب الذي به نتوءات، والتي استحوذت على الخيال الجماهيري في السنوات الأخيرة. وترد هذه السحب في الأطلس ضمن مميزاته الإضافية.
وقد صدر الأطلس الدولي للسحب الجديد بفضل سخاء مرصد هونج كونج وتفاني وحماس فرقة العمل التابعة للمنظمة ####(WMO)####، والتي أمضت ما يقرب من ثلاث سنوات في تنقيح النص وجمع الصور والبيانات وتصنيفها. ويسهم الأطلس في زيادة وإثراء فهمنا للسحب، وسيظل يستخدم كمورد ثمين طوال السنوات المقبلة.