مثلت أزمة هولندا وتركيا لتضع فصلا جديدا من فصول الصراعات الأخيرة بين تركيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة.
وكانت هولندا قد منعت وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو من الهبوط بطائرته للأراضي الهولندية، بالإضافة إلى منع وزيرة الأسرة التركية، فاطمة بتول صيان قايا، من دخول القنصلية التركية في هولندا من قبل الشرطة الهولندية، ما أثار غضب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بخصوص هذا الأمر.
أردوغان وصف ألمانيا بالنازيين كما فعل مع هولندا، فالرئيس التركي وصف الألمان بهذا الوصف من قبل بسبب منع السلطات الألمانية تجمعات لأنصاره من أجل الحشد لمساعدته على الفوز بالاستفتاء الذي سيجرى الشهر المقبل حول الصلاحيات الرئاسية، والتي ستزيد من صلاحيات أردوغان في تركيا.
وحدث صدامات خلال الفترة الماضية بين ألمانيا وتركيا، ولم يهتم أردوغان إلى أن ألمانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، وأن من مصلحته النظر كسب ودها من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي التي لطالما قاتل من أجلها.
أردوغان قام بهذا الأمر مع هولندا أيضا، فالحليف الأوروبي لتركيا اتخذ إجراءات ضد المسئولين الأتراك نتيجة محاولتهم الحشد من أجل الاستفتاء، فوصفهم أردوغان "بالنازيين" كما فعل مع الألمان، ولم ينتبه أيضا إلى أهمية دعم هولندا له في الاتحاد الأوروبي للحصول على العضوية، بل إنه أمر بترحيل السفير الهولندي في أنقرة وإغلاق السفارة والقنصلية، مما ينذر بعلاقات دبلوماسية منقطعة.
إن رفض كل من ألمانيا وهولندا لحشد أردوغان إنما هو رفض أوروبي واضح لتلك التعديلات، التي من شأنها أن تجعل من أردوغان حاكما مستبدا ومسيطرا على كل مفاصل الدولة التركية، فرفض ألمانيا وهولندا وعدد من دول أوروبا ليس من فراغ، فقد شهدت تركيا خلال الفترة الماضية حبس عدد كبير من الصحفيين الأتراك، مما جعلها البلد الأول في اعتقال الصحفيين حول العالم، وهذا طبقا لتقارير موثقة من الاتحاد الأوروبي، بجانب أنه في حالة نجاح الاستفتاء، فإنه سيدخل حيز التنفيذ في 2019 ويسمح لأردوغان بتمرير التشريعات بمرسومه ومد فترة ولايته رئيسا للبلاد حتى 2029.
وأشارت تقارير أوروبية في الفترة الأخيرة إلى نية الاتحاد الأوروبي في وضع تركيا على الدول الغير ديمقراطية، وهذا الأمر يعتبر ضربة قوية لتركيا.
وأكدت تقارير أبرزها موقع المونيتور الأمريكي، والتي أصدرتها لجنة المتابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE)، حول تراجع 9 دول عن أسس الديمقراطية المعروفة في أوروبا، وبجانب تركيا كانت أرمينيا وأذربيجان وأوكرانيا وروسيا.
وأضاف تقرير المنظمة ومقرها ستراسبورغ، والتي تعتبر تركيا عضوا مؤسسا بها أنه بعد ثمانية أشهر من انقلاب 15 يوليو التركي الفاشل، وإعلان حالة الطوارئ، لاحظت لجنة المتابعة أن هناك تدهورا خطيرا في عمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد في تركيا.
واستشهدت اللجنة بالموجة العارمة من عمليات التطهير التي اجتاحت البلاد، حيث تم عزل ربع القضاة وأعضاء النيابة العامة في تركيا، وعدد كبير من قوات الشرطة، إلى جانب 30% من الدبلوماسيين والأكاديميين دون اللجوء إلى القضاء.
كما أعربت اللجنة عن قلققها حيال الاعتقالات الواسعة تجاه الصحفيين ورفع الحصانة عن 154 من أعضاء البرلمان.
وقالت اللجنة: إن الحزب الديمقراطي الموالي للأكراد "هو الأكثر تضررا، حيث تم تجريد أعضاؤه من الناحية العملية لحصانتهم، حيث تم تجريد 10 من الأعضاء، مؤكدة أن قرارها يجب أن تكون دعوة للاستيقاظ لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم لعودة تركيا كما بالسابق، والكف عن الديكتاتورية وخنق الديمقراطية التركية وسيادة القانون، وهذا ما قاله: إيكان إردمير، زميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وعضو سابق في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري التركي.
وأضاف أن الأمر استغرق في تركيا 24 سنة لعمل الإصلاحات للأضرار الناجمة عن وحشية انقلاب عام 1980، وأنه من المحزن أن نرى في تركيا إضاعة أكثر من عقدين من جهود التحول الديمقراطي والتراجع والعودة إلى ما قبل 1980.
وجاء هذا التقرير في الوقت الذي حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن سياسة تركيا تجاه الديمقراطية وسيادة القانون "إشكالية للغاية" بخصوص التعاون المستقبلى للبلاد مع الاتحاد الأوروبي.
منذ عام 2005، كانت تركيا في محادثات رسمية من أجل الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، ولكن ضربت بالمحادثات عرض الحائط، على خلفية فشل تركيا في عمل الإصلاحات اللازمة لهذا الأمر وفشلت في الوفاء بعهودها.
وقالت اللجنة في تقريرها أن مسالة اكتساب أردوغان صلاحيات واسعة في تركيا هي مسألة مثيرة للقلق، وفي ضوء الانتهاكات التي تشهدها تركيا بخصوص حقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ.
وحثت اللجنة تركيا لرفع حالة الطوارئ "في أقرب وقت ممكن، ووقف نشر المراسيم بقوانين تجاوز الإجراءات البرلمانية، وإطلاق سراح جميع البرلمانيين المعتقلين، والصحفيين في انتظار المحاكمة، إلا إذا أدينوا".
لكن رئيس الوزراء التركي بينالي يلديريم قال لمجموعة من الصحفيين الأجانب: إن هذا من شأنه أن يمتد إلى ما بعد 19 أبريل ويقصد بعد انتهاء الاستفتاء، مضيفا "بالطبع هذا الأمر لن يستمر إلى الأبد"، موضحا: "نحن نراعي الوضع إلى حد كبير".