إذا أردت أن أُعرف أستاذى السيد يسين، كما عرفته وتتلمذت على يديه منذ أربعة عقود مضت، فإننى أقول إنه رائد الفكر الاستراتيجى فى مصر، وهو لم يصل إلى هذه المكانة إلا بمشوار شديد التعقيد والإثارة فى مدارس الفكر والعلوم الاجتماعية. فقد بدأ مشواره العلمى بعد تخرجه فى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، حيث بدأ بدراسة الجريمة كباحث قانونى، أخذته هذه الاهتمامات إلى دراسة علم الاجتماع، الذى خاض بحوره بكفاءة نادرة خاصة فى بعثته الأكاديمية فى باريس، ومن علم الاجتماع بفروعه المتعددة إلى علم الاجتماع السياسى ومنه إلى العلوم السياسية.
وجاء التحول الحقيقى فى مشوار السيد يسين مع الدراسات الاستراتيجية عندما قاد مشروع النهوض بمركز الأهرام للدراسات الفلسطينية والصهيونية بتحويله إلى مركز للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى أصبح مديره بمشاركة نخبة من عظماء علماء مصر على رأسهم أستاذنا الراحل الدكتور بطرس غالى الذى عمل رئيسًا للمركز ورئيسًا لتحرير مجلة السياسة الدولية، والأساتذة الدكتور على الدين هلال والدكتور عبدالملك عودة والدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور سامى منصور والدكتور عمرو محيى الدين، وبهم انطلق مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ابتداءً من عام ١٩٧٥ يقوده السيد يسين ليؤسس لمدرسة مصرية فى الفكر الاستراتيجى، عبرت عن نفسها بإصدارات مرموقة للمركز من الكتب والدراسات كان على رأسها بالطبع التقرير الاستراتيجى العربى الذى أسس له السيد يسين ووضع رؤيته الاستراتيجية وأهدافه ومجالات بحثه، وتولت أجيال جديدة من الخبراء والباحثين هذه المسئولية الكبرى العظيمة فى ظل حرص شديد من الأستاذ المؤسس على أن يكون فى بؤرة التأصيل النظرى للفكر الاستراتيجى.
وعلى مدى عقود أربعة ظل الإبداع الاستراتيجى هو مجال تألق السيد يسين، وظل همه الأكبر هو صياغة رؤية استراتيجية لمستقبل مصر بعد ثورة ٢٥ يناير المجيدة، ابتدأها بإصدار كتاب رائد فى هذا المجال صدر عن المركز العربى للبحوث والدراسات الذى تولى الأستاذ السيد يسين إدارته حمل اسم «الدولة التنموية» كان بمثابة مشروع جديد لمصر المستقبل يحمل رؤية جديدة للنهوض بمصر فى مجالات السياسة الخارجية والاقتصاد والثقافة والإعلام وغيرها محورها أن الدولة يجب أن يكون لها دور رائد فى مجال الإنتاج والعملية الاقتصادية والسياسية، ومن الدولة التنموية بدأ الأستاذ السيد يسين يعد للمشروع الأكبر تحت عنوان: «نحو رؤية استراتيجية لمصر». والمعنى المحدد الذى يقصده الأستاذ السيد يسين لـ «الرؤية الاستراتيجية» هو: السياسات المتكاملة للدولة فى الـ ٢٠ سنة القادمة.
هذا المشروع ما زال فى انتظار الأستاذ السيد يسين ليبدأ تنفيذه والإشراف على إصداره لأنه مشروع ضخم بدأ الإعداد لمخططه مع نخبة من خبراء المركز العربى للبحوث والدراسات، وأنا على يقين بأن الله سبحانه وتعالى سيكون رحيمًا بنا جميعًا، وسيعيد إلينا الأستاذ من كبوته الصحية الحالية ليكمل مشوار تألقه وإبداعه فى أن يقدم لمصر رؤية استراتيجية للمستقبل جنبًا إلى جنب مع دراسة أخرى معمقة لظاهرة الإسلام السياسى.
وكما أبدع الأستاذ السيد يسين فى دراساته عن العولمة، فإنه كان الأوعى فى تتبع تداعياتها السلبية خاصة مع النظام الرأسمالى فى أسوأ مراحله التى أدت إلى سقوطه ابتداء من عام ٢٠٠٨، بعد أن تحولت العديد من المجتمعات الرأسمالية إلى مجتمعات خطر بسبب تركز الثروات واتساع الفجوات الطبقية، وانتشار البطالة بين قطاعات شبابية واسعة، ما أدى إلى دخول النظام العالمى «مرحلة الاضطراب» وهذا ما يحذر منه الأستاذ السيد يسين فى ذروة تألقه فى دراساته الاستراتيجية النقدية للنظام العالمى وهو مجال آخر جديد ما زال من أروع مجالات إبداع الأستاذ السيد يسين التى تنتظر عودته وتألقه الذى اعتدنا عليه، وما زلنا فى أمس الحاجة إليه.
مدير وحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز.