السيد يسين، اسم كبير وقامة عملاقة وعالم موسوعى ومفكر كبير قلما يجود الزمان بمثله، كان لى الشرف والحظ أن أقترب منه فى السنوات السبع الأخيرة، رغم أننى اقتربت من فكره وإسهاماته العلمية الخلاقة التى ترجمتها عشرات الكتب قبل هذا بكثير، وكنت أتعجب من التجدد المعرفى المتدفق لدى هذا الرجل رغم رحلة الحياة الطويلة التى خاض غمارها بدأب وهمة يحسدها عليه كثير من المثقفين المصريين والعرب.
ولعل ما لا يعرفه الكثيرون أن السيد يسين كان عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، وكان يُلقى خطبة الجمعة فى أحد مساجد الإسكندرية حتى اختلف مع الجماعة على مبدأ السمع والطاعة، وهو المبدأ الذى لا يستسيغه العقل النابه والمفكر، وهو الأمر الذى أدى إلى شرود العديد من أعضاء الجماعة الذين انشقوا عنها.
ومنذ ذلك الحين كشف السيد يسين عورات الجماعة، وعمل على تعرية تيار الإسلام السياسى الذى عمد إلى خلط الدين بالسياسة. وفى فترة مبكرة من عقد التسعينيات، دعا هذا التيار أثناء إجراء المراجعات فى السجون لأفكارهم إلى العدول عن التأويل المنحرف للنصوص الدينية، وألا يتخذوها مطية لأهدافهم التى لا علاقة لها بالدين والدعوة.
وقد حارب السيد يسين الفكر التكفيرى وفكك الأصول التى يقوم عليها، كما قام بالتحذير من الفكر اليوتوبى فى النظر إلى جماعة الإخوان قبيل وأثناء اعتلائها سُدة السلطة فى عام هو الأسود على الإطلاق فى تاريخ مصر المعاصرة.
وقد عملنا كخبراء بالمركز العربى للبحوث والدراسات فى مجالات متباينة فى السياسة والتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع والإعلام فى السنوات الأربع الأخيرة، تحت إمرة عملاق الاجتماع السياسى فى تفكيك ظاهرة الإسلام السياسى من جوانبها كافة، وهو ما مثل فى جزءٍ كبيرٍ منه، المواجهة الفكرية مع جماعة الإخوان وجماعات الإرهاب والتطرف الأخرى، وكانت لنا منتجات فكرية غاية فى الرُقى، سواء فى مؤتمرات عقدناها أو ندوات فكرية نظمناها أو كتب أصدرناها أو دراسات نشرناها فى مجلة المركز أو مقالات متعمقة على موقع المركز على الإنترنت.
ولم يكتف السيد يسين بتفكيك ظاهرة الإسلام السياسى، بل هو من ابتدع مصطلح "الدولة التنموية" وعبارة "إعادة بناء الدولة المصرية"، ولعل كتابه الأخير الذى صدر وهو يرقد فى غرفة العناية المركزة بمستشفى دار الفؤاد خير شاهد على ذلك؛ فلقد عنون الكتاب بعنوان لافت: "ما بعد الثورة: الزمان التنموى والتحديث الحضارى"، وضمنه قسمًا كاملًا بعنوان "الدولة التنموية".
كما قاد فريقًا من خبراء المركز العربى للبحوث والدراسات لإعداد أبحاث مهمة يكون هدفها إعادة بناء الدولة المصرية فى كل المجالات من خلال نقد السياسات الراهنة واقتراح سياسات جديدة تكون قادرة على الانطلاق بالدولة إلى مرحلة التحديث الحضارى المنشود، وقد تم تضمين هذه الأبحاث فى كتاب بعنوان: "الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة"، وهو ما تعهد به السيد يسين فى لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمثقفين.
وقد حرص الدكتور عبدالرحيم على، رئيس مجلس إدارة المركز، والسيد يسين، مدير المركز، على أن يتم إرسال نسخة من هذا المشروع التنموى المتكامل إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وكل عضو من أعضاء مجلس النواب لتضمين المقترحات الواردة فى المشروع فى الأجندة التشريعية للمجلس الموقر.
إن انحياز السيد يسين للدولة المصرية جعل الرؤساء المصريين على مختلف العصور يثقون فيه، وفى رؤيته الثاقبة للأمور، وذلك منذ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وحتى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى حرص أن يكون يسين على رأس المثقفين الذى يلتقيهم لاستشراف مستقبل الدولة المصرية.