أكد الشيخ عبدالغني العمري الحسني المغربي، شيخ الطريقة العمرية بالمغرب، أن الطريقة لا تتبع أية جهة رسمية أو غير رسمية، ولا علاقة لها بالسياسية، ولا يمكن مقارنتها بمختلف الطرق الصوفية في الوطن العربي، مشيرًا إلى أن مملكة المغرب ليست مناصرة للتصوف، وخلاف ذلك هو مخادعة للرأي المحلي والعالمي، وإنما ما يوجد هو بقايا تبرك، تسعى الدولة إلى توظيفه سياسيًا، كما تشاء.
وأوضح العمري في حواره لـ"البوابة نيوز"، أن جماعة الإخوان انحرفت، ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن، وأن التنظيمات الإسلامية التي لجأت إلى العنف فيما بعد، قد كانت على ارتباط ما، أيديولوجي، بجماعة الإخوان، ما يجعل الأخيرة، مسئولة مسئولية عن كل ما عرفته الأمة من انحرافات، وإن لم تكن على صلة مباشرة بها.
وتابع: "إن الطريقة تعد المدارس الصوفية الرئيسية المعروفة كالقادرية والنقشبندية إخوة لها، ولا فروق بينها وبينهم إلا في مدى التقرب من الله، وموافقة الحق قولًا وعملًا، ومنهاج التربية داخلها مطلق، لا يتقيد إلا بالقرآن والسنة، لافتًا إلى أن الطريقة حازمة في اختيار مريديها حتى لا يضيع وقتهم فيما لا ينفع"، وإلى نص الحوار:
• في البداية، ما هي الطريقة العمرية؟
هي طريقة صوفية تجديدية، وهي عند الصوفية بمعنى المذهب في الفقه، وتعني أن الشيخ صار له مذهب مخصوص في مجال التزكية، وتأسست في بداية الألفية الجديدة، ولكن التأسيس الفعلي للطريقة تم في دمشق سنة 2010، عندما أقام بها الشيخ سنة كاملة، كانت كافية لتأسيس أول جماعة للطريقة في العالم.
وصارت الطريقة العمرية الآن متواجدة في أربع قارات، وفي دول مختلفة، وعدد الأتباع، فهو قليل نسبيًا، لأن منهاجها نحرص عليه داخل الطريقة بأن يكون المريدين فيه على حق، فنحن صارمين في اختيار مريديها، حرصًا منا على ألا يضيع وقتهم فيما لا ينفع، وتأسيسًا بما كان عليه السابقون من جد واجتهاد، وقد صار للطريقة فرع في مصر.
• وما هو المنهج الذي تسير عليه الطريقة؟
الطريقة تَعد المدارس الصوفية الرئيسية المعروفة كالقادرية والنقشبندية إخوة لها، ولا فروق بينها وبينهم إلا في مدى التقرب من الله، وموافقة الحق قولًا وعملًا، ومنهاج التربية داخلها مطلق، لا يتقيد إلا بالقرآن والسنة، وهذا هو ما يجعلها لا تعتمد الرقص المعروف لدى غيرها؛ وتكتفي بالأعمال والأذكار التي لا تتميّز فيها عن عموم المسلمين، إلا بالخصوصية التي لها من جهة العدد، ومن جهة المدد، حيث تعد جامعة لما تفرق في غيرها، في هذا الزمان، فهي طريقة علم وحال، وكشف وشهود؛ كما أنها جامعة لكل المذاهب الفقهية والعقدية الإسلامية؛ بما يناسب أهل كل بلد. وهي تحرص على أن تكون على السنة الثابتة من جهة الفقه، من دون تعصب لمذهب من المذاهب؛ وتحث على الاجتماع على العقيدة الإسلامية المشتركة، بعيدا عن كل المسائل الخلافية التي بين الفرق.
• ما علاقة الطريقة العمرية بالسياسة؟
لا تتبع الطريقة أي جهة رسمية أو غير رسمية، وليس لها أي علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد، وعلى الرغم من عدم صلتها بالسياسة أو معارضتها للنظام الملكي، فإنها مضطهدة في المغرب، حيث اعتادت السلطة التحكم في كل ما له صلة بالدين.
• وهل تقارن الطرق في الوطن العربي؟
الطريقة العمرية عند مقارنتها بمختلف الطرق الصوفية في الوطن العربي، ينبغي أولا التفريق بين طرق الإسلاك، وطرق التبرك التي تعيش على الانتساب إلى المؤسس فحسب، أو التفريق بين الصوفية والمتصوفة الذين يتشبهون بالصوفية، وليسوا منهم في الحقيقة؛ والمعيار هنا للتفريق هو تحقق الترقي للمريدين، الذي لا يكون من نصيب المتبركين. ومن الآفات الكبرى في زماننا، طغيان التصوف التبركي -الشعبي الجاهل- على التصوف الحق، بسبب انصراف القلوب إلى الدنيا، بصفة شبه كلية؛ وبسبب عدم التقيد بما يعطيه العلم.
• وهل المغرب مناصرة للتصوف؟
المغرب ليست مناصرة له، وخلاف ذلك هو مخادعة للرأي المحلي والعالمي فحسب؛ لأن التصوف الذي يقصدونه، ليس تصوفا عندنا، وإنما هو بقايا تبرك؛ تسعى الدولة إلى توظيفه سياسيا، كما تشاء، أما التصوف الرباني، فإن للدولة موقفا منه، على الرغم من أنه ليس عدوانيا ولا سياسيا، وهذا يجعلنا نتساءل عن حقيقة صلة الدولة عندنا بالدين.
• ما الذي دفعكم إلى الاعتصام؟
الاعتصام الذي قمنا به ليس احتجاجيًا، كما هو الشأن عند السياسيين، ولا هو من أجل مطالب مخصوصة، وإنما هو اعتصام اضطراري، فررنا به من الاعتداءات التي شنتها علينا جهات مشبوهة، خفنا معها على أرواحنا. والجيب في الأمر هو تواطؤ إدارات الدولة من أمن وقضاء وتربية، جعلنا لا نفهم حقيقة ما يجري، بالنظر إلى الدولة التي كان ينبغي أن تلتزم القانون، ولا تنصاع لأهواء الإسلاميين المغرضين.
• وما هو موقف وزارة الأوقاف هناك؟
وزارة الأوقاف، تعمل بحسب ما تمليه المواءمات السياسية، لا بحسب ما يُمليه الشرع وحده، والعلماء الرسميون عندنا، هم موظفون سياسيون وأمنيون، في مجال الدين في الحقيقة؛ ولا يقومون بواجبات العالم كما هي معلومة من الدين، وقد صار جزء منهم على العقيدة الوهابية، وقد وصل الأمر بأحدهم، إلى أن جمع المسؤولين من مختلف أجهزة الدولة، وجمع الخطباء والأئمة، وصار يحذرهم مني، وكأني جئت لأهدم الدولة والدين، في زمن تدّعي الدولة أنها تسعى إلى أن تكون دولة حق وقانون، وقد توفيت إحدى أخواتي ونحن في الاعتصام، من دون أن تغير الدولة من معاملتها شيئا؛ وكأنها تنتظر أن نموت جميعا، الواحد تلو الآخر.
• كيف تنظرون إلى التنظيمات الإسلامية المنتشرة في الوطن العربي؟
التنظيمات في الوطن العربي لها وجهان يميّزان بعضها عن بعض؛ وهما: العقيدة والطبيعة الحركية. فمن حيث العقيدة، فإنها أصبحت تيمية وهابية، علم أصحابها أم لم يعلموا. والسبب في هذا، قلة النور، وضعف العقل؛ وأما من جهة الطبيعة الحركية، فإن أغلب التنظيمات الإسلامية، متأثرة بالنموذج الإخواني. والتنظيمات عندنا، منها ما هو إخواني على الصورة الأصلية، التي يكون أصحابها أشاعرة من حيث المعتقد؛ ومنها ما هو سروري يجمع بين العقيدة الوهابية، والطبيعة الحركية الإخوانية. وهؤلاء أخطر من غيرهم بلا شك، لكونهم يجمعون بين السوء من جهتين.
• وكيف ترون جماعة الإخوان؟
جماعة "الإخوان المسلمون" كان لنشوئها مسوغ، إبان الاستعمار الإنجليزي. وكانت عاملا من عوامل الحد من موجة التغريب التي تعرضت لها مصر، في النصف الأول من القرن الماضي، ولكن ها سرعان ما انقلبت عبئا على الشعب المصري، عندما صارت تبغي الوصول إلى الحكم، بأي وسيلة، ولا شك أن تنظير سيد قطب، قد دشن لها مسارا جديدا، صار ينحرف عن سواء السبيل، مع مرور الأيام، وبالتدريج؛ إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، من مخالفة جلية لفقه الظاهر وفقه الباطن معا.
• وهل يمكن القول إن التنظيم ساهم فيما نشهده من تدهور الأوضاع في الوطن العربي؟
لا شك أن التنظيمات الإسلامية التي لجأت إلى العنف فيما بعد، قد كانت على ارتباط ما، أيديولوجي، بجماعة الإخوان؛ مما يجعل الأخيرة، مسئولة مسئولية خلقية عن كل ما عرفته الأمة من انحرافات، وإن لم تكن على صلة مباشرة بها. ولقد نصحناها نحن، في كتابينا "الدروس المصرية" و"العبر الإخوانية"، قبل 30 يونيو، أن تحل نفسها قبل أن تُحل رغما عنها. ولا زلنا ننصح شبيهاتها، في المغرب وفي غيره، بالنصيحة نفسها؛ لأن المرحلة ما عادت تحتمل وجود جماعات منغلقة، تمزق الأمة وتفرق كلمتها، وهي واحدة في الأصل. ولكن المعروف عن الإخوان أنهم عنيدون، ومصرّون على مواصلة مسارهم، لا يلتفتون إلى ناصح، ولا يستمعون لنصيحة. والمساكين من الأتباع المقلدين، يظنون أن ذلك من الثبات على المبدأ، ومن قوة الإيمان. وهو لا يعدو أن يكون جهلا محضا، أو ارتهانا لسياسات خارجية، أكبر منهم، وأبعد عن مصلحة المسلمين.
وأهم ما ينبغي دحضه من جهالات الإخوان، الخلافة التي يزعمون العمل لإقامتها. ذلك لأنهم يجهلون معناها، ويجهلون شروطها. فكيف بعد هذا، يزعمون إقامتها؟! ونحن قد كتبنا في هذا المجال، وتناولنا الخلافة من عدة وجوه، بما نراه كافيا لرد كل شارد، وهاديا لكل طالب. ولكننا نرى من المؤسسات الرسمية عندنا، تقاعسا -بسبب تغليب المنطق السياسي الظرفي- لا يخدم الغرض، ولا يسير بالبلاد نحو الصلاح المنشود.
• كيف تجد الدعوات التي تطالب بهدم التراث الإسلامي أو تجديده، كونه سببًا للإرهاب؟
لا بد من الإقرار بأن التراث الإسلامي، محتاج إلى إعادة نظر، وإعادة ترتيب؛ لأن تراكمه عبر كل هذه القرون، جعله لسعته متناقضا أحيانا، من جهة؛ وأصبح بعيدا عن سمة العصر، التي هي الدقة والتحديد والاختصار، طلبا للسرعة، من جهة أخرى، وطالبنا بهذه العملية، منذ فترة طويلة؛ وأما ربط التراث بالإرهاب، فلا يمكن أن نحكم بصحته عموما؛ وإنما هو مختص ببعض التراث. ونحن نؤكد أن من التراث، ما هو أرضية لكل إرهاب، من زمنه في الماضي، إلى قيام الساعة. ونخص بالذكر هنا تراث ابن تيمية، الذي ابتدع في مجال العقائد، حتى أخرج عموم المسلمين من الملة. ولما جاء ابن عبد الوهاب الذي هو أشد عمى منه، فإنه قد شيّد للإرهاب قلعة منها ينطلق في الاتجاهات الأربعة.
وما ندعو إليه، ليس هو ما يطلبه المنادون بالإصلاح والتجديد دائما؛ فنحن، خلافا لغيرنا، نعلم أنه لا بد أن يقوم على هذا الأمر، علماء أمناء، ذوو ملَكة ونور؛ لأن الدين ليس عُرضة لأن يتكلم فيه، كل من شاء أن يتكلم. ولقد ظهر قوم، صاروا يُطالبون بإعادة قراءة التراث، وبتنقيحه، وبرد ما يرونه جديرا بالرد؛ لا نوافقهم على كثير مما يذهبون إليه. وكان من أبرز هؤلاء، إسلام بحيري، الذي سُجن لذلك؛ ولم يكن من داع إلى ذلك. ولكن الإنصاف يقتضي منا، أن نذكر أن بعض الأزهريين، الذين تصدوا للرد على البحيري، لم يزيدوا البلاء إلا استفحالا، عند إبانتهم عن قصور بادٍ، وعن جمود فكري، لا يُمكن أن يقنع أيا من المفكرين المستقلين في عصرنا. وهذه الآفة، ينبغي أن يتنبه إليها الأزهر، وأن يُعد لها رجالا يصلحون لها، في زمان صار الحوار فيه مفتوحا على العالم بأسره؛ شئنا أم أبينا. ولا شك في أن الأزهر نفسه في حاجة، إلى إصلاح جذري؛ نرجو أن يوفق الله لتحقيقه علماء مصر الأفذاذ، فلا ينبغي أن نُغفل مكر الدجاليين في العالم، الذين يريدون صرف الناس عن الأديان كلها، وعن الإسلام خاصة، وعلى كل حال، فإن التجديد والإصلاح ضروريان؛ لكن ما كل أحد نسمح له بتولي ذلك، أو نقبل منه كل ما يريد هو أن نقبل. ونحن واثقون أن المجددين لا يخلو منهم زمان، كما جاءت بذلك الأخبار. فما علينا، إلا حسن الإصغاء لمختلف الأقوال، لنتبيّنهم إن كنا من أهل العلم التمييزي.