توقفنا فى المقال السابق عند البيان الذى أصدره مجلس الدفاع الوطنى فى يناير ٢٠١٣ والذى يمكننا اعتباره بداية للعد التنازلى نحو الثلاثين من يونيو، فقد كانت الأمور كلها تنذر بأن الوضع الذى انحدرت إليه مصر لن يستمر طويلا، فإما أن يقودنا إلى فوضى عارمة وإلى حرب أهلية شاملة يضيع فيها الأخضر واليابس، وإما أن نخرج من هذه الكبوة ونحافظ على الدولة المصرية بمؤسساتها العريقة، ومن الغريب أن الرئيس مرسى قد ترك البلاد وهى فى هذه الظروف العصيبة وسافر لحضور مؤتمر القمة الإفريقية فى إثيوبيا وفى نفس التوقيت سافر هشام قنديل رئيس الوزراء إلى دافوس، بما يعنى الاستهانة بما يحدث على الأرض من حصار مستمر لمدينة الإنتاج الإعلامى بواسطة حازم أبوإسماعيل وأتباعه الذين بنوا الحمامات فى عرض الطريق وأقاموا الخيام واعتدوا على الإعلاميين ومنعوهم دخول الاستديوهات وحطموا سيارات البعض، أما المحكمة الدستورية ودار القضاء العالى ومجلس الدولة فحصارهم يتم بواسطة شباب الإخوان، ومن جانب آخر كان حصار مكتب الإرشاد بواسطة شباب جبهة الإنقاذ، هذا إلى جانب الحرائق المتكررة لمقار الأحزاب المختلفة سواء الوفد أو الحرية والعدالة أو التيار الشعبى، وهناك عشرات من القتلى والمصابين فى القاهرة والإسكندرية والمحلة والفيوم وبنى سويف، وحظر تجول يتحداه أهل بورسعيد ومدن القناة، وجماعة تدعى البلاك بلوك تقتل الأفراد وتشعل الحرائق فى مؤسسات الدولة ولا أحد يعرف شيئًا عنها، وكل طرف يدعى أنها من صنع الطرف الآخر، فالإخوان يتهمون جبهة الإنقاذ بتكوينها ودعمها وهناك بلاغات مقدمة من قيادات إخوانية ضد المهندس ممدوح حمزة تتهمه صراحة بتمويل هذه الجماعة، وعلى الجانب الآخر تؤكد جبهة الإنقاذ أن البلاك بلوك ما هى إلا ميليشيات إخوانية هدفها السيطرة على الشارع بإرهاب المعارضة بالقتل والحرق، كل هذا والبلاد تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة جعلت مرسى يتجه إلى البنك الدولى لإجراء مفاوضات معه لإقراض الحكومة المصرية بعدما كان رافضًا لهذا المبدأ هو وجماعته التى تبنت قرارًا فى مجلس الشعب بعدم الموافقة على اتفاق مصر مع البنك الدولى بشأن قرض الأربعة مليارات دولار وقت حكومة الدكتور كمال الجنزورى والمجلس العسكرى، وها هو مرسى نفسه يطلب من وزير ماليته أن يعاود الاتصال بالبنك الدولى وهذا ما تطرقت إليه مناقشات رئيس الوزراء على هامش مؤتمر دافوس ولا شك أن الأزمة الاقتصادية قد وصلت فى مطلع ٢٠١٣ إلى ذروتها، حيث أدت إلى شلل تام فى جميع مرافق الدولة، فلا مشروعات تقام ولا استثمار ولا سياحة ولا تجديد للبنية التحتية ولا موارد، وهناك قرابة الثلاثة آلاف شركة أغلقت أبوابها وسرحت عمالها، وهناك أزمة طاقة أدت إلى انقطاع متواصل فى الكهرباء، فتحول الأمر إلى مزحة بين بسطاء شعبنا، انتقلت سريعًا إلى مختلف الطبقات، حيث كنا نردد كلما انقطعت الكهرباء «الله يخرب بيتك يا مرسى»، هذا فضلًا عن القمامة التى احتلت الشوارع والميادين وطوابير السيارات التى تقف بالساعات أمام محطات الوقود، وأعمدة الإنارة المطفأة على كل الطرق، فالبلد فى ظلام دامس وموحش، والحزن والاكتئاب على كل الوجوه، عدا الذين يفتون عبر الفضائيات بقتل من يعارض الرئيس مرسى وأحدهم أكد ذلك حين قال «نعم يجوز قتل قادة جبهة الخراب التى تسمى نفسها جبهة الإنقاذ لأنهم يشعلون الفتنة»،والسؤال الذى فرض نفسه آنذاك هو أين مشروع النهضة الذى صدقه البعض والذى روج له الإخوان حين ابتدعوا فكرة أننا لا نطرح شخصا للانتخابات وإنما نطرح مشروعا متكاملا، وللأسف فإن البعض قد آمن بهذه المقولة وإذ به وبعد مرور ستة أشهر من حكم مرسى يكتشف الحقيقة المرة، وعندما عاد مرسى من إثيوبيا وجد مشكلة جديدة قد طرأت فى وزارة الداخلية، حيث تصاعدت الأزمة بين مجموعة من الضباط وأمناء الشرطة والجنود وأدى ذلك إلى إضراب البعض عن العمل مما نتج عنه غلق العديد من أقسام الشرطة فى معظم أنحاء البلاد، فضلا عن المستشفيات التى أغلقت أبوابها أمام المرضى لانقطاع الكهرباء فى غرف الحضانات والعمليات ولعدم وجود السولار لتشغيل المولدات، وفى هذه الأيام يشاء الله أن يوقع الخصومة بين المتحالفين، وهما الإخوان وحزب النور السلفى، وذلك على خلفية إقالة خالد علم الدين مستشار الرئيس لشئون البيئة وما أعقبه من تصريح لأحد قادة الإخوان عن مخالفات وشبهات كانت السبب فى هذه الإقالة، هنا تأكد لأعضاء حزب النور أن تحالفهم مع الإخوان لن يستمر، ولذا خرج الدكتور يونس مخيون عن صمته بنشر قائمة تضم ثلاثة عشرة ألف موظف تم تعيينهم وزرعهم فى كل مؤسسات الدولة وجميعهم من أعضاء جماعة الإخوان، وذلك وفق ما سمى بأخونة الدولة، وأغضب هذا جماعة الإخوان فقامت ميليشياتها بحصار بيت نادر بكار المتحدث الرسمى لحزب النور والهتاف ضده وسبابه وتهديده وكتابة عبارات مسيئة له ولأعضاء حزبه على جدران العمارة التى يسكن بها، ووصل الخلاف إلى حالة من اللارجعة حين بات أعضاء حزب النور يتحدثون عن أخونة الدولة واختطاف الثورة وضرورة الوقوف أمام ممارسات نظام مرسى الذى يريد الانفراد بالحكم، وقدم حازم أبو إسماعيل نفسه مع أتباعه ليصبحوا البديل لحزب النور عند الاخوان، وظهرت جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتى دخلت استديوهات السينما فى الهرم وأنذرت العاملين فيها بوقف نشاطهم وفى السويس تم قتل فتاة وخطيبها لعدم امتثالهم لأمر الجماعة التى طلبت منهما عدم السير معا فى الشارع، وفى الأزهر اضطرابات يقودها شباب الإخوان ومطالبة متكررة برحيل شيخ الأزهر دون أسباب واضحة، كان هذا هو الحال وكادت مصر أن تهوى إلى المجهول، وللحديث بقية.
وبدأ العد التنازلي لثورة يونيو "2"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق