السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (38)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
والآن، الرجل لديه ثمانون شاباً، فماذا فعل بهم؟، والحقيقة أننا عندما نفحص ما قدّمه من فكر وما مارسه من فعل، نكتشف أن تلك الهالة التي أحاطت بـ "صالح سرية" كانت في غير موضعها، فصالح سرية تلميذ متوسط القامة - أو حتى أقل من المتوسط - بالنسبة لأستاذيه تقي الدين النبهاني وسيد قطب، وكما نفعل دوماً، ولأن الإرهاب يبدأ فكراً، نبدأ بالفكر، وهنا نكتشف أن الرجل الذي قالوا عنه إنه عالم في علم الحديث، لم يكن في هذا المستوى، وربما لأنه لم يستغرق وقتاً طويلاً في بناء تنظيمه، ولأنه كان حذراً، خاصة وأنه في وظيفة بالجامعة العربية لا تسمح له بالحديث المفتوح، ولأنه كان حريصاً على إخفاء هويته حفاظاً على تنظيمه، فإننا لا نجد له إلا كُتيّباً واحداً هو "رسالة الإيمان"، [راجع النص الكامل في د. رفعت السعيد، "الإرهاب المتأسلم" – الجزء الثالث المعنون بـ "المتأسلمون الآتون من عباءة الإخوان" – (2005) – صفحات 125 حتى 153]. 
ونبدأ.. يقول صالح سرية: "في بداية الإسلام - وخلال العهد المكّي - كان الناس في نظر الإسلام ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما، إما مسلمين وإما كافرين، وقد يكون الكافر ملحداً أو مشركاً أو من أهل الكتاب، وفي بداية العهد المدني أضيف قسم ثالث، هو المنافقون"، ويفسر صالح سرية الكلمات: فالمسلمون من يؤمنون بالشهادتين ظاهراً وباطناً ويطبقون الأوامر والنواهي، والكافرون لا يؤمنون بالشهادتين في آن معاً، ظاهراً وباطناً، والمنافقون وهم مسلمون ظاهراً وكافرون باطناً، وهذا هو بيت القصيد عند صالح سرية، فهو يركّز على أن غالبية من يُسمّون بأهل الإسلام، هم من المنافقين [صـ136]، وهو يرى أن من يُسمّون أنفسهم "رجال الدين" منعوا الناس من الأخذ مباشرة من القرآن، ثم هو يقول "وعادة التقديس لم تكن موجودة في صدر الإسلام، لا للرسول أو القرآن، فلم يكن أحد يقوم للرسول، ولا كانت عادة تقبيل يديه معروفة ولا مقبولة، وكان القرآن يكتب على العظم والحجارة أو سعف النخيل، ويوضع على الأرض"، وربما كانت هذه الأقوال هي الجديد الوحيد عند صالح سرية، أما عن تفسير القرآن فيكون عبر تطبيقات العهد المكي وفهمها، يقول: "ولعل خير التفاسير كتاب ابن كثير، وكتاب "الظلال" لسيد قطب في طباعته الأخيرة"، ثم نلتفط من إحدى الصفحات عبارة كاشفة "لا يوجد في الحياة أي عمل يضمن به صاحبه الجنة إلا عمل واحد، وهو الشهادة في سبيل الله، وبهذا تكون الشهادة في سبيل الله أهم أمنية يسعى إليها المسلم، بل هي الأمل الوحيد في الحياة، لأنها الوسيلة الوحيدة المضمونة التي تخلّصه من النار وتدخله أعلى درجات الجنة" [صـ142]، بهذه الكلمات المبسّطة اقتاد صالح سرية الشباب إلى فكرة الشهادة، وعبارة أخرى تقول: "إن معظم المتديّنين اليوم، (لاحظ أنهم ليسوا فقط ناطقين بالشهادتين وإنما متدينون)، كافرون عملياً، إذ لو كانوا يؤمنون حقاً لشمّروا عن ساعد الجدّ لتغيير المنكر، غير مبالين بالسجن وقطع الأرزاق، لأنه لا يستطيع أحد أن يضرّهم بما لم يُكتب عليهم، بل ولم يبالوا بالإعدام، لأنه "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً" [آل عمران-145]، والذى يتردّد في ذلك كافر"، ويقول "إن النطق بالشهادتين لا يعني الإسلام وإلا فلو أن ملحداً قرأ كتاباً فيه لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتُبِر مؤمناً، كذلك ليس المقصود بالمسلم هو مجرّد الاعتقاد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقد كان هرقل يقول بذلك وهو غير مسلم، وكذلك يهود الحجاز في زمن الرسول" [صـ145] . 
ويتحدّث صالح سرية عن الحكم القائم قائلاً: "إن الحكم القائم اليوم - في جميع بلاد الإسلام - هو حكم كافر ولا شكّ في ذلك، والمجتمعات كلها مجتمعات جاهلية" ثم يسأل: "هل معنى ذلك أن كلّ فرد من هذه المجتمعات كافر؟ والإجابة قطعاً لا، إنما الكافر من آمن بالله وآمن أيضاً بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل، أو كان لا مبالياً سواء جاء الإسلام أو لم يأت، أو كان ناقماً على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح بطريقة أخرى غير الإسلام، ويكون المؤمن من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغيير الحكومات لتصبح إسلامية، سرّاً أو علناً، فمن رضي بهذه الحكومات وتبعها كافر، ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن"، ثم إن "الجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم، لأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة" [صـ147]، ثم يمضي في مسلسل التكفير "فكل من اشترك في حزب عقائدي كافر لا شك في كفره، فكل من انضم إلى الأحزاب الشيوعية أو البعث أو حركة القوميين العرب أو الاتحاد الاشتراكي العربي وأمثالها كافر..."، ثم يقول "وكل من اعتقد فلسفة مخالفة للإسلام، مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها كافر، وكل من اعتقد مبدأ سياسياً مخالفاً للإسلام كالديمقراطية أو الرأسمالية أو الاشتراكية أو الوطنية أو القومية أو أيّ مثيل لها كافر" [صـ147]، ونمضي لمزيد من التكفير "هناك إذن حزب الشيطان وحزب الله، فكل من والى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر، والحكومة التي تحارب وتتعقّب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة، وكل من ينفّذ أوامرها - سواء كان مخبراً أو شرطياً أو ضابطاً أو قاضياً أو صحفياً - كافر، وكل من ينفّذ أوامرها عن طواعية ورضاء ودون إنكار كافر، وأقول هنا إن هؤلاء الزعماء قد يكونون متدينين بالمعنى التقليدي، يصومون ويصلّون ويقرأون القرآن بخشوع، لكنهم كفار، لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقي أجزائه"، ثم "وكل القوانين المخالفة للإسلام قوانين كفر، وكل من أعدّها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة، وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها كافر، وعلى هذا فإن كل المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات، وكل أعضاء البرلمان الذين صدّقوا عليها، وكل مجلس الوزراء الذي قدمها، والرئيس الذي دفعها، والقضاء والنيابة ومحقّقو الشرطة والمباحث الذين عملوا بموجبها - إن كانوا غير معترضين عليها - وأخلصوا في عملهم بموجبها فهم كفار"، ثم يقول صالح سرية، وهذا هل الأشدّ خطراً وتطرفاً: "وكل فرد من أفراد الشعب رضي بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر، لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة البشر على شريعة الله وهذا كفر، لأنهم اتخذوا آلهة غير الله، وحكموا بغير ما أنزل الله" [صـ149]، ويتحدّث صالح سرية عمّا أسماه "طقوس الشرك الحديثة"، وهي طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام، ومنها "تحية العلم.. يحيون قطعة قماش فتصبح كصنم تجري له العبادة، وكذلك السلام الجمهوري وتحية قبر الجندي المجهول"، ولعلنا نلمح كثيراً ممّا قال به صالح سرية في هذا الصدد في تصرفات بعض السلفيين في أيامنا هذه، ثم يتحدث "سرية" عن الاشتراكية، مؤكّداً أنها كفر: "فالمال مال الله، والناس مستخلفون فيه، بينما ترى الاشتراكية أن المال مال الدولة أو مال المجتمع"، وهكذا نرى أن صالح سرية ألقى بدلوه في بئر سيد قطب، ولم ينل منه إلا زاداً قليلاً، وحتى هذا القليل حاول شرحه فأتى الشرح بسيطاً خالياً من العمق، ألم نقل إنه كان تلميذاً غير متفوق؟!، وبهذه الأوراق المعدودة والخالية من العمق، والتي تشبه خطبة منبرية، اقتاد صالح سرية الشباب الذين أطاعوه إلى تهلكة، ولكن صالح سرية كان يقول إن "رسالة الإيمان هي - على حسب علمي - أول رسالة في تشخيص الكفر الذي وقع فيه المسلمون، وهي أهم ألف مرّة من دراسة قضايا العقيدة التي كتبت في الماضي"، وبهذا الاعتداد بما كتب، والبؤس في العمل التنظيمي والتخطيط الحركي، قاد صالح سرية شبابه ونفسه إلى التهلكة.