منذ حوالى خمسة عشر عاما أو يزيد كنت أجلس فى قاعة أوركسترا القاهرة السيمفونى، وأمسك آلتى الحبيبة «الفيولا»، وأعزف عليها باندماج قبل بدء البروفة، وإذا بى أفاجأ ببعض الزملاء الأجانب - جميعهم من دول الاتحاد السوفيتى السابق - يقدمون لى الورود والحلوى وهدية صغيرة، ففرحت وتعجبت لأننى لم أعرف السبب، وفوجئت بأن نفس الشيء تكرر مع زميلاتى الأخريات بمجرد ظهورهن، وحين سألت الزملاء الذين قدموا الهداية، أجابوا بطريقتهم الظريفة فى النطق باللغة العربية: «لأنه عيد الستات» وكانت أول مرة أسمع عن هذه المناسبة أو أتلقى هدية، لأننا لم نعتد فى مصر على الاحتفال بيوم المرأة العالمى، وخاصة فى ذلك الوقت، ولا يتعدى الاحتفال حتى الآن سوى بالحديث عن المناسبة فى بعض البرامج، أو من خلال المجلس القومى للمرأة، أو غيره من المنظمات أو المؤسسات النسائية غير الرسمية، ولكننا لا نشعر بصدى هذه المناسبة فى حياتنا الفعلية، فبعض الدول الأخرى تمنح المرأة إجازة فى ذلك اليوم احتفالا بها.. ونتمنى أن يقوم الرئيس السيسى بذلك أيضا، خاصة أنه أعلن هذا العام كعام للمرأة.. وهو تقليد يشعرها بالمناسبة وبالاحتفاء والتقدير، ويذكر الرجل بدورها الذى لا يستطيع الاستغناء عنه.. ولكننا إذا كنا نحتفل بيوم المرأة العالمى اقتداء بالدول الأخرى، فعلينا أيضا أن أن نقتدى بهم ونحتفل بيوم الرجل فى ١٩ نوفمبر من كل عام.. فأذكر أننى تعلمت من زميلاتى الأجانب فى الأوركسترا آنذاك، أن نحتفل بالرجال فى هذا اليوم، من خلال جمع النقود من النساء فى الأوركسترا لتقديم هدايا وورد لكل الزملاء الرجال فى عيدهم.. ورغم أن الأمر ربما يبدو تافها للبعض إلا أنه يذكر الطرفين بتقدير كل منهما للآخر، ولدوره الذى لا يمكن الاستغناء عنه، وبالمسئولية تجاه الطرف الآخر، بدلا من أن نظل نتحدث عن الحقوق فقط!، رغم أن البعض يتحدث وكأننا تأخرنا فى ذلك المجال، إلا أن مصر بتاريخها وحضارتها كانت أسبق الدول بتقدير المرأة واحترامها ووضعها فى مكانتها الحقيقية، وفى الوقت الذى كانت فيه الكثير من الدول تتعامل مع المرأة وكأنها فى مرتبة أدنى من الرجل، كانت المرأة فى مصر ملكة تحكمها، وعرفنا فى التاريخ الفرعونى المرأة الطبيبة، والقاضية، والكاهنة، وكل المهن الأخرى، ولم نعرف المرأة المنكسرة التى تعامل وكأنها فى مرتبة أدنى سوى باختلاطنا بثقافات وأجناس أخرى، فمصر دائما كانت تتعامل مع المرأة بالاحترام والتقدير ليس فى المدن الحضارية فقط ولكن حتى فى الريف والصعيد، كانت دائما تتمتع بشخصية قوية ومؤثرة وتعامل كعماد الدار، ولم تقصر الدولة فى وقتنا الحالى فى منح المرأة جميع حقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية، ولكننا نحتاج للدور الثقافى والتوعوى من خلال الإعلام والمؤسسات الثقافية المختلفة، لتوعيتها بمسئولياتها وواجباتها أيضا، فمنذ أن زاد الحديث عن حقوق المرأة والمساواة وغيرها من شعارات لا يفهمها البعض جيدا، زادت نسب الطلاق بشكل كبير وأصبحنا نسمع عن حالات كثيرة لنساء متجبرات يقمن باستغلال بعض القوانين فى محاولة كسر أنف الرجال وحرمانهم من أطفالهم، فيجعلوهم يكفرون بالقوانين التى تم وضعها لمناصرة المرأة التى تتعرض للظلم، لذلك نحتاج من المؤسسات المعنية أن يكون لها دور فى توعية المرأة فى المقام الأول، ثم توعية المجتمع بأكمله، بالتشجيع على إنتاج أعمال فنية ودرامية تقوم بتغيير الصورة السلبية للمرأة، فدور المرأة هو المحرك للمجتمع بأكمله، وقد شاهدنا دورها المؤثر فى مقاومة الإخوان وخروجها إلى ميادين مصر، منذ الإعلان الدستورى الذى أرادوا به الانقضاض على الدولة، ولم تخش أفعالهم، ولم تتوقف المرأة فى مناصرتها للدولة والجيش، حتى إسقاط حكم الإخوان، واستردادنا للدولة مجددا فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لذلك علينا الاهتمام بالمرأة منذ نشأتها، وتربيتها على المسئولية قبل الحقوق، حتى نستعيد تماسك الأسر، الذى يؤدى لتماسك المجتمع بأكمله، فكما قال أمير الشعراء أحمد شوقى: الأم مدرسة إذ أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
آراء حرة
لحواء عيد.. ولآدم أيضًا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق