التحريات والأفكار المستأنسة مقدمة الاختيار.. وتوثيق العلاقات الاجتماعية تحدد موعد اعتماده «إرهابيا»
يودِّع رفقاءه فى التنظيم قبل أن يفجِّر نفسه.. يبتسم.. يضحك بملء فيه! يطمئن أصدقاءه ويربت على أكتافهم، ويقول لهم أكملوا الطريق.. إنها نفس الصورة التى تتكرر يوميًا.. والسؤال كيف يتحول شاب فى لحظات إلى انتحارى وكيف يتحول طفل بريء إلى إرهابي؟ وكيف تصبح فتاة قنبلة؟ كيف يتم تجنيد هؤلاء؟.
داعش
التصويب نحو الهدف.
اختيار العنصر المستهدف، وجمع تحريات عنه، ومعرفة قناعاته السياسية
بناء الجسور المؤمّنة لمعرفة هل يصلح الشخص للعمل الجهادى والتنظيمى، وذلك عن طريق بناء العلاقات الشخصية معه.
غسيل الأدمغة عن طريق نزع القيم الشخصية، ووضع أفكار وقيم أخرى بالحوارات والمعلومات والكتب والأبحاث.
الناقل والمضافات، أى التكليف واختيار مكان يعمل به العضو داخل التنظيم، سواء عسكرى أو غيره.
الروافد
١- الرافد السلفى الوهابي.
٢- القرآن والشبكات الاجتماعية.
٣- الظروف الاقتصادية والجهل والفقر.
٤- السلطوية والمشاكل السياسية.
الوسائل:
اللجان الإلكترونية.
أعضاء التزكية والتجنيد والمساجد.
مواقع التواصل الاجتماعي.
لجان الدعوة الفردية والفئوية.
الإخوان
التعرف:
التعارف والتعرف مع العضو المستهدف.
غسل الدماغ:
عن طريق إثارة العواطف الإيمانية، وإقناعه بأن الإسلام دين شامل وكامل، ويحتاج إلى دولة تحميه.
الإجابة عن سؤال العمل الجماعى، والتأكيد على أن «الإخوان» هى الجماعة الحق.
التكليف ووضعه كعضو غير عامل داخل التنظيم.
نهاية العملية:
٥- انغلاق المجتمعات فى الأحياء الشعبية.
١ - خلق عضو عامل داخل التنظيم.
٢ - صناعة عضو انغماسى أو انتحاري.
٣ - تكوين وحدة فكرية يشهر من خلالها التنظيم.
الكتب المعتمدة:
أبجديات العمل المقاوم
التجنيد لعبدالله العدم
الدعوة الفردية لمصطفى مشهور
دعوة المقاومة الإسلامية أبو مصعب السورى
تعددت الطرق والقتل واحد
الإرهاب فى العالم أهدافه واحدة وإن اختلفت الوسائل، لكن تبقى عقيدته قائمة على القتل وسفك الدماء وغسل أدمغة الشباب لإسقاطهم فى براثن طغيانهم بشتى الطرق، وإن اختلفت المعايير لكن القواعد العامة واحدة لاستقطاب الشباب من جميع الفئات والأعمار لتجنيدهم كنواة لعمليات القتل فى مناطق الصراع للجماعات المسلحة أينما وجدوا.
فدستور التجنيد لكل الجماعات الإرهابية، يتم عبر مراحل معروفة، الأولى هى التصويب نحو الهدف وجمع التحريات، وهى المرحلة التى يقارن فيها بين المواصفات المطلوبة والمحددة تنظيميًّا، وبين الشخص المراد استقطابه.
«عبدالله العدم» أحد كبار قادة تنظيم القاعدة، يقول إن هناك شروطا توضح الانضمام لكل جماعة تريد أن تعمل لــ «دين الله» ننظر هذه الشروط والمواصفات، إذا كانت موجودة فى هذا الأخ أو فى هذا الفرد، يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية من هذا العمل، ومنها معرفة ماضى هذا الشخص بحيث يخلو من أيّ نقطة سيطرة يمكن أن تؤثر على مستقبله، فقد يكون الشخص المستهدف له علاقة بحركة سياسية سابقة، ولكن سبب تركه لها غير معروف لدى عامة الناس، ولكنه معروف لأشخاص معينين أو للسلطة.
تبدأ الحركة بالتحرى وجمع المعلومات، والأهم معرفة «قناعاته السياسية الحاضرة»، ملفتًا إلى أنه يمكن معرفة ذلك عن طريق سؤال الآخرين من أقربائه وأصدقائه وزملاء العمل.
ويوضح «العدم» بشكل واضح: قبل أن نعرض فكرتنا على هذا الرجل يجب أن نعرف فكره السياسى، ما هو تصوره وفكره عن الدولة الإسلاميّة، أو المفاهيم التى يُتوصّل بها إلى إقامة المجتمع المسلم.
ثم تبدأ «الجماعات» فى تبويب المعلومات المطلوب جمعها عن الشخص لتغطية النقاط السابقة كما يلى: ماذا نحتاج من معلومات عن هذا الأخ؟ كيف نستطيع أن نجمع معلومات؟.
المرحلة الثانية هى «بناء الجسور المؤمنة»، ومعرفة هل يصلح الشخص للعمل الجهادى والتنظيمى، وعند التأكد من ذلك تبدأ المرحلة الثانية، وهى إقامة علاقة شخصية معه، وهنا يشرح «عبدالله العدم» كيفية إقامة علاقة بين الشخص القائم بالعمل التنظيمى، والشخص المراد تنظيمه لإفهامه طبيعة هذا الدين على حد قوله، وتكوين وحدة فكرية يستمر من خلالها داخل الجماعة.
هناك أمور تجعل هذا الفرد ينتظم فى العمل الجهادى، أو العمل التنظيمى، ويرتبط ارتباطًا قويًّا ومصيريًّا بالعمل بالجماعة، منها: أن يرتبط بالجماعة بعلاقة اجتماعيّة، أسريّة؛ زواج إلى غير ذلك، ووجود علاقات فكريّة لتوحيد الرؤية وأسلوب العمل بأن يكون الرابط بينهم وبينه الفكر، والأسلوب الصحيح للعمل، حتى لا تختلف وجهات النظر، وأساليب العمل.
أما المرحلة الرابعة، فهى الإعداد العسكرى والأمنى، وهى الناقل والمضافات، أى «التربية الشرعيّة السياسية» لغرس قيم الولاء للتنظيم، والبراءة من الآخرين.
إستراتيجية الانتشار
اعتمد تنظيم «داعش» على الانتشار عبر الفروع، وهى الإستراتيجية التى أطلق عليها «الانتشار عبر الفروع» مركزًا على آسيا، مستغلا الأوضاع السائدة فى أكثر من بلد فيها، من خلافات وانقسامات قومية ودينية، وطائفية وعرقية، ومستفيدا من خواء السيطرة الأمنية، أو ضعفها فى أكثر من دولة، ومنها أفغانستان، على سبيل المثال لا الحصر.
الأسباب التى جعلت قوة داعش تتعاظم فى آسيا من حيث انضمام عناصر كثيرة منها: اعتماده على محطات من الجماعات القريبة منه فكريًا مثل أكناف بيت المقدس، وجماعة أنصار الإسلام، وجماعة المجاهدين فى بنجلاديش.
والثانى هو عودة حملة الجنسيات الأجنبية الذين يتمتعون بحرية التنقل، إلى بلادهم، ومنها طاجيكستان وأوزبكستان والشيشان، دون وجود خارطة تفصيلية دقيقة عنهم، بعد أن بدأ التنظيم يفقد معاقله الأساسية فى سوريا والعراق، مصرًا على نسخ تجربته فى مناطق أخرى، لاسيما وسط آسيا، وتحديدا باكستان وأفغانستان والجمهوريات السوفيتية السابقة.
كما يستغل التنظيم مشاكل الأقليات الإسلامية فى القارة برمتها للتحريض على رد الفعل، إما من خلال تنظيمات محلية أو من خلال ما يسمى بالذئاب المنفردة، التى تتحرك بشكل معزول، فيما يلعب أيضا على التناقضات التى يجدها فى عدد من المجتمعات وسط وشرق آسيا كى يجند أتباعا له ويوسع انتشاره الجغرافى.
وقد استغل التنظيم بعض الشخصيات الجهادية المؤثرة فى منطقة جنوب شرق آسيا للاعتماد عليها فى تجنيد عناصر جديدة، مثل محمد على تامباكو وعثمان باسط عثمان فى الفلبين، إضافة إلى بحرون نعيم الذى ساهم فى تمدد التنظيم بشكل ملحوظ فى إندونيسيا.
واستفاد التنظيم، أيضا من تراجع دور تنظيم القاعدة، لا سيما فى أفغانستان وباكستان، حيث أعلن عن إنشاء ولاية خراسان، وبايعه قادة منشقون عن حركتى طالبان باكستان وطالبان أفغانستان.
وتأتى العمليات الإرهابية الضخمة من التنظيم وتحديدًا فى منطقة وسط آسيا، بهدف الدعاية والترويج، ولعل هجوم العاصمة البنغالية دكا، جاء فى هذا السياق.
التنظيم وجد نفسه فى مواجهة سياسات مختلفة، ومختلة أحيانًا، ووجد البغدادى نفسه، كحلقة من حلقات الصراع بين واشنطن وحلفائها، كما وجد أنه يمكن أن يوظف ما يحصل للبقاء لأطول فترة ممكنة، وهذا ما حصل بالضبط، لذا جاء التمدد الآسيوى كحلقة من حلقات إعادة الحياة للتنظيم من جديد فى مناطق أخرى، هى أبعد عن أمريكا لكنها أقرب إلى روسيا العدو الإستراتيجى.
ويعد ما يجرى فى آسيا، هو إشارة واضحة إلى خطر العائدين، الذى حذرنا منه من قبل، وأكدنا مرارًا على أن العنف الداعشى لن ينتهى الآن، لكنه سيتحول ويتحول ويتكور ويتشظى فى أشكال جديدة.
الطلاب والأطفال فريسة التنظيمات
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا عن الجهاز المركزى للاستخبارات الفرنسية بعنوان «انغلاق المجتمعات فى الأحياء الشعبية»، تحدث عن رصد تجاوزات ومظاهر «تشدد إسلامى» فى عدد من النوادى الرياضية لكرة القدم داخل بعض الضواحى الفرنسية، كما أشار إلى ملاحظة تتعلق «ببسط سجادات صلاة من أجل أدائها فى فترة الاستراحة ما بين الشوطين»، أثناء مباريات لكرة القدم.
التقرير الفرنسى تحدث عن أن إرهابيى فرنسا كلهم تلقوا تعليما علمانيا، ومعظمهم حصل على مستوى تعليمى جيد، وينتمى معظمهم إلى الطبقات الوسطى.
المهم أن التقرير أكد أن أطروحة الجهل والفقر والأمية كأطر تفسيرية لدوافع الجهاديين خاطئة، وأن التجنيد يتم عبر الإنترنت فقط أيضًا تفسير خاطئ.
بالفعل فقد لوحظ فى الآونة الأخيرة، خاصة حادثى باريس وبروكسل، أن منفذى الحادثين كلهم جاءوا من دائرة واحدة وهى من خلال شبكات والصداقة، ودوائر الأسرة والقرابة، وليس فى الفضاءات الافتراضية والمتخيلة على شبكة الإنترنت، على سبيل المثال الأخوان كواشى، والأخوان بكراوى.
ولو لاحظنا سنجد أنه حتى فى الجماعات الهرمية المصرية الكبيرة، فإن علاقات القرابة لها دور كبير جدًا، وبحسبة بسيطة سنجد أن الدوائر القيادية كلها مرتبطة برباط المصاهرة والزواج والقرابة، وبشكل عام الصداقة.
الباحث الفرنسى «سكوت أتران» يرى أن الجهاديين غالبا ما باتوا يعتمدون على العائلة والزواج لاستكمال مجموعاتهم المسلحة، وهو تطور مهم، لأنهم عندما استطاعوا تشكيل مجموعاتهم بناء على علاقات القرابة والزواج، أصبحوا مقيدين بشكل متصاعد، بثقة يصعب على مجهودات مكافحة الإرهاب أن تخترقها أو تكسرها، وهو الملاحظ فى بعض التفجيرات، مثل تفجير بالى ٢٠٠٢، وتفجيرات فندق ماريوت فى جاكرتا ٢٠٠٩، ففى التفجير الأول ثلاثة من المشاركين كانوا إخوة، وفى التفجير الثانى أربعة من العناصر الرئيسية كانوا من عائلة واحدة، وهذا ما لوحظ أيضا فى تفجيرات مدريد، وتكرر فى هجمات باريس الأولى مع الأخوين شريف وسعيد كواشى، والثانية مع الأخوين إبراهيم وصلاح عبدالسلام، وكذلك هجمات بروكسل مع الأخوين خالد وإبراهيم البكراوى، وقد كشفت التحقيقات عن علاقات صداقة واسعة داخل هذه الشبكات.
هناك صورة أخرى رسمها التقرير عن العلاقة بين السلفيين وملاعب كرة القدم، وهو نفس ما أشرنا إليه من قبل فى حديثنا عن «المؤمن المرتل للقرآن حين أصبح زعيمًا لداعش» لوليم ماكنتوش، الذى ذكر كيف أن مسجد الحاج زيدان فى حى الطوبجى المتواضع فى بغداد، هو المكان الذى أتاح للبغدادى أن ينغمس بممارسة هوايته المفضلة وهى لعبة كرة القدم.
كان فى المسجد ناد لكرة القدم، وكان البغدادى هو نجمه «ميسى الفريق» «فى إشارة إلى اللاعب الأرجنتينى ليونيل ميسي». وأثناء اعتقاله فى معسكر بوكر فى جنوب العراق، أدهش البغدادى رفاقه وسجانيه فى ملعب كرة القدم، حيث جرت مقارنته بمارادونا. بيد أن الأهم ما ذكر نقلا عن أحد السجناء الذى روى له كيف «استطاع البغدادى عبر الصداقات التى تشكلت من كرة القدم ويوميات السجن أن يحول معتقل بوكر إلى مركز لاستقطاب المقاتلين».
الباحث «سكوت اتران» تحدث أيضًا عن العلاقة بين الجهاديين وكرة القدم، حيث أكد عبر بعض المقابلات أن هناك إرهابيين كانت هوايتهم قبل التحاقهم بالقاعدة وداعش هى كرة القدم.
لعل ما سبق، يمكن أن ندلل عليه، بتلك الشبكات العنقودية، التى تشكلت فى مصر مؤخرًا، والتى ثبت فيما بعد أن كلها بدأت من العلاقة الرياضية فى النوادى والمجموعات الرياضية «الألتراس».