الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

خرج هاربًا وعاد منتصرًا.."خليفة" يحكي قصة اعتقاله وفراره من أمام مقر احتجازه بـ"داعش".. تهمتي حيازة كاميرا وجدران السجن سجل مدني لأسماء المعتقلين..الأجانب يتولون التعذيب والسوريون مسئولون عن التحقيقات

خليفة خضر
خليفة خضر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من أمام غرفة قاضى المظالم بسجن الشرعية وقف خليفة قائلًا: «خرجت منه بالأمس هاربًا، واليوم عدت منتصرًا»، عيسى علي الخضر، أو خليفة، كما يلقب نفسه من سكان حلب، اعتقل من قبل «داعش»، بسجن المحكمة الإسلامية بمدينة الباب بسوريا بتاريخ ٣ يونيو ٢٠١٤، والتهمة «حيازة كاميرا» واستطاع الهروب من السجن بعد حوالى ٦ شهور، وبالتحديد فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٤، ووقف يحمل نفس تهمته «كاميرته الخاصة» أمام غرفة قاضى المظالم، والذى حكم عليه بالسجن وكان يمكن أن يتطور إلى حد الإعدام.

تواصلنا معه فى «بوابة العرب» عبر «وسائل الإتصال الحديثة» ليحكى لنا عن فترة سجنه وعودته مرة أخرى، يقول فى بداية حديثه «لم أتخيل أبدًا أنى سأعود إلى هنا فى نفس المكان، والباب الذى دخلت منه ذليلًا ومعصوب العينين مرة أخرى، سأعود إليه منتصرًا، فحتى اللحظة التى استطعت فيها الهروب كنت فاقدًا الأمل فى العودة للحياة من جديد، خاصة أنهم أصروا على إعدامى.


يتابع خليفة وصف سجن المحكمة «بداية من غرفة قاضى المظالم» على اليمين الغرفة مسجد داخل السجن، لم يكن مخصصًا للصلاة فقط، لكن كان أيضًا لحفظ بعض المعتقلين قبل توزيعهم على السجون، واعتقلت فيه ثلاث ساعات قبل أن يصطحبونى لغرف السجن الانفرادى، أما على اليسار فهنا غرفة «أبوالعباس الأمنى» كل مدنى بريف حلب الشرقى ومدينة الباب يعرفه جيدًا، فهو من منطقة «دير جبيل» وقتل على يد التحالف الدولى فى شهر ديسمبر ٢٠١٤، حين استهدف طيران التحالف سجن السرايا.

ورغم الدمار الذى حل على المكان، لكن ما زال هناك حتى الآن أوراق داخل السجن تحمل شعار تنظيم الدولة ليبقى شاهدًا على تشويه آلاف البشر بالكذب تحت راية الإسلام خلافًا على أسماء المعتقلين وتواريخ اعتقالهم التى دونوها على حائط السجن، فجدران سجون داعش بمثابة سجل مدنى لأسماء كل المعتقلين فيها، فعلى تلك الجدران سجلوا تواريخ اعتقالهم وخروجهم حتى من أعدم سجل أصدقائه اسمه وتاريخ موته ليبقى موثقًا للتاريخ.


هنا كان يجلس عبدالناصر السجان، ومعه جهاز صوتى يصدر منه الأغانى الجهادية طوال الوقت، قالها خليفة، وهو يشرح لنا باقى أقسام السجن، وهناك لافتة مكتوب عليها «غرفة استلام السجان». 

ويكمل «بالداخل كانت غرفة الشيخ أبوالحسن، والذى هددنى كثيرًا أنه سيقتلنى بنفسه، فكان دائمًا يقول لى «أنت حكمك القتل» وكنت أرد عليه «أنت الآن من قتل على يد التحالف، فأنت الآن ميت، وأنا ما زلت حيًا أرزق».


يصف خليفة غرفة أبوالحسن بأنها لم تكن خالية من التعذيب، بل كانت تشهد وقائع تعذيب للسجناء بطريقة «الشبح»، وهو أن يُربط الشخص ويعلق من يده لفترات طويلة جدًا، حتى يفقد الوعى، ومن المفارقات الغريبة أن هناك لافتة معلقة فى الغرفة مكتوب عليها «إذا دعتك قدرتك على ظلم البشر، فتذكر قدرة الله عليك».

ويعلق خليفة على هذه اللافتة، التى ما زالت معلقة حتى الآن بأن قدرة الله أبادتهم ونصرتنا.


يكمل خليفة «كانوا يعلقوننى يوميًا لساعات كبيرة، والتهمة كانت «الكاميرا»، وهنا على الجدار كتبنا أسماء أشخاص أعرفهم وأتذكرهم جيدًا، وكل سجين فينا كان له رقم، وكان رقمى ٢٩٢، وعلى اليسار هنا كانت غرفة تسمى «مهجع سكين»، كنا فى هذه الغرفة ١١٥ شخصًا. على الجدران يتذكر عيسى كتاباته وكتابات أصدقائه أثناء الحبس، فيقول أتذكر أن هناك أشخاصًا معنا خرجوا من السجن وبايعتهم، وهناك من تمت تصفيتهم، وكنا ننام فى الحمامات بسبب كثرة العدد».

ويضيف «على اليسار، كانت غرفة الإعدام، ومن بعدها غرفة المنفردات، وكنت أنا فى غرفة رقم ٣، وبقيت فيها شهرًا كاملًا وكنا ٤ فى الغرفة».

ويكشف خليفة فى حديثه أن سجن المحكمة الإسلامية لم يكن السجن الحقيقى كما كان يعرف البعض، لكن كان هناك تحت الأرض سجن آخر موصول بسجن المحكمة خلال نفق تحت الأرض، فكان حين يأتى أحدهم باكيًا ومتوسلًا يسأل عن قريبه المفقود، يقسمون له بأنه ليس مسجونًا عندهم، ويسمحون له بالدخول إلى السجن والمهاجع ليعرف أنهم صادقون، وهو لا يعلم حقيقة الأمر، أن من يسأل عنه موجود فى سجن آخر تحت الأرض.


يقول خليفة «سجن المحكمة هو السجن الشكلى فقط، أما السجن السرى فكان تحت الأرض، ويتكون من دورين، والأجانب هم الذين كانوا مسئولين بتعذيبنا كمعتقلين، أما السوريون هم المسئولون عن التحقيق معنا».

ويتحدث خليفة شارحًا لما يطلق عليه «سجن الكلب»، وهو عبارة عن نوعين من الزنازين الصغيرة، أولها يتم فيها سجن المعتقل، وهو واقف لا يستطيع الحركة، ويتم تقييد يديه فى الباب من أعلى، ولا يسمح له بالخروج إلا لمرتين لقضاء الحاجة فقط، ويظل على هذه الحال حتى يعترف بكل ما يريدون منه الاعتراف به.

أما النوع الثانى، وهو الأصعب، فزنزانة صغيرة تتسع لشخص واحد فقط، ولا تكفيه للوقوف حتى بمنتصفه، فهى صغيرة جدًا مثل بيت الكلب، فلا يمكن أن تتواجد بداخلها إلا بوضعية القرفصاء، ولا يمكنك التحرك أو تغيير جلستك وغير مسموح الخروج منها حتى لقضاء الحاجة، فهم يلبسون المعتقلين «حفاضة كبيرة» لقضاء حاجته فيها، وإما أن يعترف أو يظل فى هذا التعذيب لا يعرف ليله من نهاره.

وأخيرًا يختم خليفة قائلًا «فخور أنى اليوم أقف منتصرًا فى نفس المكان الذى وقفت فيه ذليلًا، واليوم أدعو على كل من كذبونا وقالوا عن هذا التنظيم أنه عادل أن يُسجن فى ما تبقى لهم من سجون، ويرى بنفسه ما رأيناه من عذاب نفسى.