الاعتراف بالمرض أول طرق
العلاج.. هكذا يقول الخبراء، لكنَّ الصحفيين لا يرون أن مهنتهم في مِحنة، بل لا
يشغلهم مستقبل نقابتهم التي تتعرض لأزمة غير مسبوقة أثَّرت على المهنة وعلى
المؤسسات وعلى النقابة "بيت كل الصحفيين".
لن أتحدث عن أزمة النقابة
مع الدولة، ولا أنها محور الأزمة، فهي أزمة ما زلتُ أراها "مفتعلة"
تداخلت فيها النقابة في وصلة مراهقة سياسية، كان يجب على النقابة الترفع عن التورط
في شأن سياسي بحت، والمحافظة على استقلالها؛ لأنه حصنها الأول والأخير ودرعها
الواقي لصد أي هجمة على حرية الصحافة.
الأزمة أكبر من السياسة،
أزمة مهنة تحتضر بسبب ارتفاع تكلفة الإصدار من الأوراق، ومستلزمات الطباعة، وتدني
مستوى معيشة الصحفيين لدرجه دفعت الزميل عبدالمحسن سلامة المرشح على منصب النقيب
لمصارحة الناس على الهواء في أحد البرامج بأن الصحفيين يلامسون خط الفقر، وأن
أحدهم باع كُليته لسداد احتياجات المعيشة!
كيف وصلنا إلى هذا الحال؟
ومن السبب؟ ولماذا لم تجتمع الجماعة الصحفية في مؤتمر عام لمناقشة أزمتهم العميقة
والخطيرة التي تهدد منظومة الإعلام المصري كله؟ وكانت الإجابة في اجتماع الجمعية
العمومية التي حضرها ألف صحفي من ما يقارب 8700 صحفي مسجلين في جداول النقابة وهو
أمر يتكرر منذ رحيل الأستاذ إبراهيم نافع عن النقابة.
لم يتوقف أحد ويسأل نفسه
في ذلك التوقيت: لماذا لا تشارك جموع الصحفيين في انتخابات مجلسهم ونقيبهم؟ وبأي
حق يمكن أن يحققوا في ضعف المشاركة الانتخابية في الانتخابات العامة على اختلافها
رئاسية أو برلمانية أو محليات أو نقابات أخرى؟ فإذا كانت مهنة رسالتها دعم
المشاركة الديمقراطية لا تطبق على نفسها هذا المبدأ، كيف يمكن أن تطالب الآخرين
به؟!
ولماذا لا تعاقب النقابة
أعضاءها الممتنعين عن الحضور؟ ولماذا أصبح الملحق أو الدعوة الثانية للانتخابات
بـ25% مِن عدد مَنْ لهم حق التصويت هو الأصل وهو ما يعني أن انتخاب النقيب والمجلس
يتم عبر 2000 صحفي فقط؟.. أين بقية اعضاء الجمعية العمومية؟ ..البعض يرى أنهم كتلة غير فاعلة أو غير
ممارسة للمهنة، وهو ما يستلزم تنقية الجدول من غير الممارسين، واستبعاد من يثبت أن
له وظيفة أخرى غير الصحافة وهم على حد علمي عدد لا بأس به.
وإذا أضفنا إلى المشهد
وجود أكثر من 70 مرشحًا على مقاعد المجلس، وحوالى 7 على منصب النقيب، وكل هؤلاء لم
يتمكنوا من حشد باقي زملائهم فنحن أمام مشهد ضعف آخر يؤكد أن هؤلاء المرشحين ليس
لديهم ما يجذب جموع الصحفيين أو ربما كثرة الانتخابات، وتكرار الوعود غير
المتحققة، وبقاء الأوضاع المتأزمة
أصاب السواد الأعظم من الصحفيين بالملل؛ فأصبحت النقابة بالنسبة لهم مجرد مكان
للخدمات أو الحصول على البَدَل الحكومي وتلك مصيبة كُبرى.
وقبل كل ذلك: لماذا لم
يفكر أي مرشح في استطلاع رأي الصحفيين قبل أن يطرح عليهم برنامجه؟ لماذا لا يطبق
الصحفيون أو نقابتهم أساليب الإدارة الحديثة في التواصل المباشر مع كل أعضائها
خاصة في وجود ميزة قلة الأعداد في الاستماع لمطالبهم واقتراحاتهم ورغابتهم والعمل
على تحسين العلاقة بين الصحفي والنقابة؟ وهذا الأمر لا يتوقف على الصحفيين
الموجودين في القاهرة فقط بل يجب الاهتمام بالصحفيين في الأقاليم وضمان وصول خدمات
النقابة لهم.
أزمة الأجور والخدمات يجب
أن تكون القضية الأولى على أجندة المجلس القادم، حال الصحفيين الحالي لا يؤهلهم لممارسة
المهنة بطريقة صحيحة، كما أن تحول النقابة إلى حزب سياسي معارض أو الصحفيين إلى
زعماء سياسيين هو أمر مُهلِك للمهنة على المدى القصير والبعيد، فضلًا عن أنه ضد
رسالتها الأصلية في توفير الأخبار للناس دون تلوين أو تحريف، ولا يمكن أن تتحول
النقابة إلى مكان يستخدمه أصحاب الصوت العالي في البزنس الخاص بهم، بينما السواد
الأعظم من الصحفيين يئنُّون تحت وطأة المعيشة الصعبة ويتحملون تبعات ما يقوم به
هؤلاء القلة باسمهم.
لقد سمعت أنين العديد من
الزملاء في القاهرة والأقاليم، وعدم قدرتهم على مواجهة أعباء المعيشة التي تصاعدت
بعد قرارات تحرير سعر الصرف وتجاهل المؤسسات الصحفية على تنوعها لصرف أي زيادة
توازى زيادة الأسعار أو على الأقل تمكن الصحفي من العيش الكريم.
تلك هي القضية الكبرى، أما غير ذلك من صراع مع السلطة أو اختلاق أزمة أو تعاطى مع شأن سياسي فهو محاولة من مجلس النقابة للتغطية على ضعفه وإلهاء جموع الصحفيين بعيدًا عن صلب الأزمة وجوهرها الحقيقي، وقوة مجلس نقابة الصحفيين من قوة النقيب، وتوحُّد أعضاء المجلس معه أم غير ذلك، فلقد أثبتت التجربة أن الانقسام سبب الفشل والصوت الواحد وعمليات المزايدة والابتزاز و"الحنجوري" يمكن أن يتسبب هذه المرة في مزيد من الأزمات للصحفيين، النقابة تحتاج إلى رؤية جديدة مستقلة للتعاطي مع همومها وأزماتها، ووحدتها هي الضمانة الوحيدة للحفاظ على هذه المهنة وعلى حقوق العاملين فيها.