"هنا عاش علي الكسار حتى مات في صمت" هكذا يتحدث أهالي شارع حارة الشرنوبي بشارع الشهيد مسعد مصطفى إسماعيل بمنطقة شبرا مصر، بيوت قديمة، وطرق بالية مازلت تحتفظ بعبق زمن فات، رحل بكل ما كان يحتويه من علم وثقافة وتراث لم يتبق منه غير الذكريات التي يرويها أهل المنطقة، ذكريات لا يمحوها الزمن، فهي "حكاوي" تتناقلها الأجيال، وضمن هذه الحكايات ما يرويها أهالي المنطقة عن علي الكسار، فهو جارهم الذي عاش في المنطقة لسنوات طوال، حتى مات في صمت، وتبعه أولاده في ذلك وفق حكايات أهل المنطقة.
تلك الحكايات التي اندلعت
فخرهم بذلك التراث، الأمر الذي دفع أهل الحارة عامة، وبيت الفنان علي الكسار خاصة
إلى تعليق لافتة مكتوب عليها "هنا عاش الفنان علي الكسار" ولكن سرعان ما
يخلعها الحي بحجة انتظار الزيارات، وعلى حد وصف أهل المنطقة لا يتركها الحي معلقة
على البيت إلا حين زيارة أحد المسئولين للتباهي بها، وبالفنان الراحل أمام جموع
الزائرين، ولهذا حاولنا التحدث مع أصحاب المنطقة للتعرف على كل ذكريات
"الكسار مع أهل منطقته".
ممسكًا بورق الصنفرة الذي ينعّم الخشب ويزيد من
خشونة يديه، وبابتسامة لا تفارقه أبدًا، يتحدث عم جلال جرجس، أحد سكان المنطقة،
والذي عاصر الفنان علي الكسار حيث يقول: الفنان علي الكسار كان من سكان المنطقة،
لا أتذكر من تلك الأيام الكثير، لأنني كنت طفلا، ولم أعهده في شبابه فلقد كان عمري
4 سنوات فقط، وأتذكر بساطته الشديدة وحبه للعب مع الأطفال، حتى أنني لا أتذكر مرة
أنه رآني ولو حتى من البلكونة ولا وأعطاني "تعريفة" فلقد كان محبًا
للجميع، وورث عنه أبناؤه هذا الحب للجميع.
وبالحديث عن أبنائه يتابع عم
جلال: كان له ولدان وبنت واحدة، أكملوا حياتهم في البيت من بعده، حتى انقطع أثر
العائلة بالكامل من المكان في أواخر السبعينيات، إما بقضاء الله الذي ينفذ على
الأرواح أو حتى بقرار من الشخص ذاته بالرحيل، فلم يحب أي من الأبناء الدخول إلى
عالم التمثيل والفن، فاختار الولد– وكان يدعى ناصر- أن يدرس الهندسة، وعادل الذي
لا أتذكر عمله، ولكنني أتذكر جيدًا أن عائشة قررت أن تقبع في البيت.
ومن داخل الحارة، يتحدث عزت الشرنوبي، أحد أقدم
السكان هناك، أن علي الكسار لم يكن أسمر اللون كما يعتقد البعض، ولا حتى نوبيًا
كما تظن الجماهير، بل كان يدهن نفسه بخلطة يصنعها بنفسه من أعشاب طبيعية كل ليلة
من أجل تجسيد شخصية عبدالباسط، ذلك الرجل النوبي الذي تسبب له بكثير من الشهرة
والمجد، ولعل سبب تعلم النوبية، وإتقانها جاء نتيجة عمله كـ "طباخ" في
بداية حياته وسط مجموعة من النوبيين، مما أكسبه اللغة النوبية وطريقتهم في الحديث
بشكل كبير.
وربما يتعجب البعض من تلك المعلومة، حيث ظهر الكسار
في أعماله أسمر يتحدث كما النوبيين، ولكن يؤكد الناقد السينمائي كمال رمزي أن علي
الكسار فنان أبيض اللون، وما كان يفعله من "دهان" وجهه بهذا اللون هو
تقربًا للطبقة التي انتمى لها لسنوات طوال، فهو رجل شعبي، ويحب كل الكادحين، الذي
كان أغلبهم في هذا الوقت من أهالي النوبة والسودان والحبشة، على حد قوله.