الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

مغامرة بالفيديو.. مصانع أسمدة بير السلم.. منتجاتها مدمرة للتربة وتسبب السرطانات.. منتشرة في الدقهلية والشرقية والنوبارية وحلوان.. تحمل علامات تجارية وهمية وأختام مضروبة.. خبراء: خطر يحتاج إلى عقوبة

مصانع أسمدة بير السلم
مصانع أسمدة بير السلم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخطر يحاصر الفلاح المصري، كارثة جديدة تلاحقة وقادمة من باب الأسمدة، مغامرة صحفية لـ"البوابة نيوز" كشفت خطرا جللا، عرت الفساد في مصانع نائية بالمحافظة تصنع وتنتج الأسمدة السامة المسببة للسرطانات، خبراء أكدوا أنها تحول الأرض الخصبة إلى صحراوية، وتصيب الإنسان بالمرض اللعين.
من فلاح من بلدي وتاجر أسمدة، يدعى "محمد. ج" بإحدى قرى جنوب محافظة الجيزة، بدأنا المغامرة حيث قال: "بنشترى كيماوى السوبر الشيكارة بـ 15 جنيها من مصنع معروف بيصنعه يدوى فى الكسارة عشان كده بيكون رخيص وبنبيعه للفلاحين بـ 40 جنيهًا بس، وهو أرخص من السوبر الأصلى أبو 65 جنيها للشيكارة، وتابع، في فلاحين كتير اشتكوا وقالوا إنه مغشوش وخطر على التربة"، طلبت منه زيارة المصنع لشراء أسمدة منه بنفسى، أعطانى رقم هاتف أحد العاملين، اتصلت بالرقم وجرى الاتفاق على زيارة المصنع بعد أن دار حوار قصير معه..
سألته: "أجيلك فين؟".
قال: "عند كمين مايو ورن عليا وهوصف لك الطريق".
وفى أقصى جنوب مدينة 15 مايو الواقعة جنوب حلوان وتحديدًا فى منطقة جبلية وعرة، ذهبت إلى مصنع الأسمدة الكيماوية "المشبوه"، تنكرت في جلباب بلدى، ووصلت المصنع الهدف.
المصنع عبارة عن 3 أفدنة من الأرض الصحراوية طوله ما يقارب الألف متر، بداخله كسارة كبيرة "طاحونة" يلقى بها حمولة من الجير وبعض أنواع الحصى ومواد أخرى تضاف إليه لتقوم الكسارة بطحن المواد كلها ليخرج فى النهاية منها مادة عبارة عن مطحون به بعض الحصى الصغير جدا ثم يتم تعبئته فى أجولة من البلاستيك كأجولة الأسمدة الكيميائية بالضبط، ثم يتم ركنها فى أحد جوانب المصنع بعد غلقها بماكينة صغيرة، الأكياس مكتوب عليها أسماء شركات كبيرة ومكتوب على الأكياس من الخارج "سوبر"، والسوبر هو نوع من أنواع الأسمدة الكيميائية التى يتم رشها للأرض الزراعية بعد حرثها مباشرة حتى تفكها".
قابلنا عاملين بالمصنع باغتونا بالسؤال: "عايز إيه؟" قلت "عايز اشتري كيماوى.. سألني: أنت منين ومين قالك على المصنع؟.. قلت: من التبين وفاتح محل بيع أسمدة كيميائية ومبيدات وشخص دلني على المصنع إنه بيبيع سوبر سعره قليل، ومحدش يقدر يكشفه، قلت نسترزق ونرزقكم.. قال تعالي ورايا: ثم دخلنا المصنع وتقابلنا مع رجل آخر يبدو أنه صاحبه قال لنا: مين دلكم على المصنع.. قلنا: واحد من الصف تاجر أسمدة كيماوية.. قال لي: عايز إيه؟.. أنا معنديش أى سماد غير سوبر بس.. قلت له بكام سعره.. قال لما أعرف بس عايز كم طن.. قلت: حسب السعر.. قال: الشيكارة بـ"20" جنيها.. قلت: هاخد 2 طن فى البداية نجربه بس على سعر 10 جنيه للشيكارة.. قال: لا كده قليل جدًّا عليها.. قلت له هفكر فى سعرك، وتركته بعد أن تأكدت من شبهة المكان والسماد.

وفى قرية كفر سعد بمدينة بنها بالقليوبية كانت المفاجأة، مصنع آخر من نفس العينة "مشبوه"، يديره أستاذ جامعى تخصص في إنتاج أسمدة، يقوم بختم المنتج بخاتم مركز البحوث الزراعية، ويروج للأسمدة المغشوشة ويبيعها فى محافظات القليوبية والشرقية وبعض المحافظات الأخرى بأسعار مغرية، واهما التجار والفلاحين بأن هذه الأسمدة منتجة طبقا للمركز القومى للبحوث، رغم أن المركز لا يعلم شيئا ولا يقوم بترويج هذه الأسمدة ولا دخل له بها لا من قريب أو بعيد.
وأكد المهندس أحمد السيد درويش، عضو الغرفة الكيميائية وعضو الاتحاد العربى للأسمدة، أن هذه الأسمدة دمرت أراضى الفلاحين فى الشرقية الذين حرروا محضرا ضد الاستاذ الجامعى "إياه" المحضر يحمل رقم ١٥٨ لسنة 2015 قسم شرطة فاقوس.
أضاف درويش، أن هناك مصانع تصنع أكياس اليوريا الأصلية ليتم تعبئتها بيوريا مغشوشة، وتباع فى المحال على أنها يوريا من المصنع الأصيلى، وهذه المصانع تمتلك معدات تعبئة وماكينات اندكشن صينى وماكينات تعبئة سوائل أسمدة وباتباع للتجار بدون ما يقدمون سجلًّا تجاريًّا لمصنع أو سجل صناعى، إضافة إلى قيامها بطبع استيكرات لمنتجات أسمدة ومبيدات ولشركات وهمية وطبع وتقليد استيكرات لشركات كبيرة هى في الأصل مصانع بير السلم، وتابع درويش أن هذه الشركات الوهمية لها سيارات منتشرة في محافظة الدقهلية والنوبارية والمحلة والشرقية وبنى عبيد ودكرنس ونوسة البحر والشرقية ودمياط. 
تابع درويش، لدينا 7 آلاف محل لبيع الأسمدة فى مصر بها 4 آلاف محل غير مرخصة ولا تخضع لرقابة، موضحا أن هناك أصناف أسمدة لشركات عالمية يتم تقليدها وغشها فى شركات بير السلم ثم يتم بيعها للتجار فى الأسواق، وكأنها أصلية وتباع بنفس السعر أو أقل قليلا حتى يتم ترويجها، من بين هذه المنتجات سماد "إن بى كيه" المخصب الزراعى الذى يتم تقليده بالكامل فى مصانع بير السلم، حيث يأتون ببودرة السيراميك ويخلطون عليها مواد أخرى، ويعبئون المنتج المغشوش فى عبوات وشكائر مطبوع عليها أسماء شركات عالمية أو اسم شركة وهمية وعنوان وهمى عليها، موضحا أن ما يقارب ثلث المنتجات الموجودة فى الأسواق مغشوشة، وأن المحال التى تبيع الأسمدة بها 75% من منتجاتها مغشوشة ومصنعة فى مصانع بير سلم، وهو لا يعلم عنها شيئا، ويبيعها على أنها أصلية.

ويؤكد الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية بكلية الزراعة جامعة الأزهر، أن هذا المنتج المطحون فى شكائر بلاستيكية دون أى معالجات ويبيعونه للتجار والفلاحين مباشرة يضر بالتربة ويفسد المحاصيل.
وأوضح أن الخطوة فى هذا السماد المغشوش، أن الفوسفور عنصر مشع وتركيزه فى الشكائر بدون تنقية سيكون كبيرا جدا، ومن المؤكد أنه سيسبب للإنسان مشاكل صحية كثيرة سواء العاملين فى المصانع أو الفلاحين الذين سيستخدمونه، هذا إضافة إلى أنه سيتسبب فى قتل البكتيريا النافعة الموجودة فى المنطقة السطحية حول جذور النبات فى التربة، وهذه الميكروبات لها دور في انحلال العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات.

ورأى الدكتور هشام سرور، أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية، أن غش الأسمدة أو المخصبات الزراعية كارثة تصب في مسلسل كوراث الزراعة المصرية ودليل كاشف على غياب الرقابة ومن قبلها متابعة الإرشاد، لافتا إلى أن السوق مفتوحة لمن يغش ومن يعمل بدون ترخيص رغم وجود التشريعات الصارمة إلا أن تنفيذها على الأرض بطىء. 
أضاف سرور أن أكثر المواد التي تضاف في الأسمدة المغشوشة هو الحجر الجيرى كربونات الكالسيوم أو مطحون الرخام، وهناك غش بإضافة الرمال، أما الغش المحترف فهو التلاعب في النسب وتقليل المواد الفعالة الباهظة الثمن مثل حمض الفسفوريك، وتابع أن نقص النتروجين يؤدى إلى نقص النمو الخضرى وتساقط الورق ونقص العقد الزهرى، وبالتالي نقص في إنتاجية المحصول.
مضيفا أن خطورة المركبات الفسفورية أنها ثابتة لا تتحلل بسهولة، وتبقى في التربة فترة طويلة، ولها تأثير خطير على المجارى المائية من نمو حشائش وموت كائنات حية، أما الكارثة الحقيقية فهو إضافة الحجر الجيرى للتربة، فيؤدى إلى ما يسمى بتملح التربة، وبالتالي إلى بوارها، موضحا أن الأمر كارثى ويحتاج إلى مزيد من الرقابة من وزارة الزراعة والبيئة ووزارة التجارة.

وقال المستشار حميد سلامة، الخبير القانونى: إن قوانين الغش التجارى للسلع صدرت عام 1948 وأحكامها ضعيفة لا يصلح تطبيقها الآن فى حالة الغش التجارى، إضافة إلى أن الحكم بإغلاق المنشأة أو المصنع لا ينفذ على أرض الواقع؛ لأن عقوبة إزالة الشمع الأحمر ضعيفة جدا تصل لغرامة مالية قدرها 200 جنيه، هذا بالإضافة إلى أن الحكم فى هذه القضايا يكتفى فيها القضاة بالغرامة ويستبعد الحبس.
يذكر أن لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة أعدت فى شهر أبريل العام الماضى قانونا لتغليظ عقوبة الغش فى الأسمدة والمبيدات فى مصانع بير السلم ينص على أن توقع غرامة قدرها 500 ألف جنيه وتصل إلـى 100 ألف جنيه و5 سنوات حبس، والإغلاق الفورى للمحل المخالف، مؤكدين أن غرامة بيع الأسمدة والمبيدات المغشوشة فى القانون الحالى تصل لـ 10 جنيهات فقط، وقد أرسلت هذا القانون لمجلس النواب ولم يصدر إلى الآن.