كشفت دراسة حديثة نشرتها شركة HSBC للدراسات الاقتصادية الدولية، أن الاقتصاد المصرى يدفع فاتورة ٦ سنوات من التراجع والانكماش، وأن السعر العادل للدولار، هو ١٨ جنيها، فى ضوء انخفاض الإنتاج وقلة التصدير، وأن تحرير سعر الصرف تم بسلاسة وباحترافية غير مسبوقة وخلق مناخًا جاذبًا للاستثمار، وأن احتياطى البنك المركزى من العملات الأجنبية ارتفع بشكل يفوق التوقعات السابقة، وأن العام الحالى هو عام إعادة التوازن للاقتصاد وليس التعافى الكامل، وأن انخفاض مستوى النمو وارتفاع مستوى التضخم أهم تحديات الاقتصاد فى المرحلة المقبلة.
وأشارت الدراسة التى أجراها الباحثان، سيمون ولياميز Simon Williams، ورزان ناصر Razan Nasser، واعتمدها البنك المركزى، أمس الجمعة، إلى الإنجاز غير المسبوق الذى حققته مصر فى مجال التحول من نظام السعر الثابت إلى نظام تحرير سعر الصرف الذى أصدره طارق عامر، محافظ البنك المركزى، فى نوفمبر الماضى، مؤكدة أن هذا الانتقال تم بسلاسة واحترافية فائقة، وأن هذه البداية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر تعتبر بداية استثنائية وغير عادية، نظرًا للقدرة الفائقة على اجتياز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر.
وأوضحت الدراسة أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه مصر بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، يقوم على أربع ركائز: هى إعادة التوازن إلى الاقتصاد من خلال تعديل بعض السياسات المالية والنقدية والتغيير فى سياسة سعر الصرف، وتقوية نظام الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعى من خلال إعانات الطعام والدعم النقدى، وإصلاح هيكلى يؤدى إلى ارتفاع درجة النمو الاقتصادى، وإلى تحقيق النمو الشامل، وخلق المزيد من فرص العمل، وتشجيع التصدير، وتحقيق الاستقرار من خلال زيادة احتياطى البنك المركزى من العملات الأجنبية.
وأكدت الدراسة أنه قد تحقق قدر كبير من التقدم فى كل مجال من هذه المجالات الأربعة خلال الأربعة أشهر الماضية «من ٣ نوفمبر وحتى الآن» غير أن هناك المزيد الذى يجب القيام به فى كل مجال من هذه المجالات.
وأشار الباحثان فى دراستيهما إلى أن هذا الاصلاح الاقتصادى يأتى بعد ٦ سنوات من الركود وضعف المؤسسات فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وأن اختيار رئيس البنك المركزى الجديد فى نهاية ٢٠١٥ كان له دور رئيس فى هذا التحول الاقتصادى.
وأضافت الدراسة أن قانون القيمة المضافة VAT، الذى وافق عليه مجلس النواب فى أغسطس ٢٠١٦، يعتبر من أبرز السياسات المالية الجديدة، والتى ستؤدى إلى ارتفاع الدخل القومى من الضرائب التى تصل حاليًا إلى ١٣٪ من إجمالى الناتج المحلى GDP، وهى نسبة أقل بفارق ٢٪ عما كان عليه الحال قبل ٢٥ يناير ٢٠١١. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى «١٥٪»، وفق توقعات صندوق البنك الدولى، فى العام المالى ٢٠٢٠ - ٢٠٢١.
وأشارت الدراسة إلى أنه بعد تحرير سعر الصرف حدثت تغييرات فى قيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكى، «الدولار يساوى ١٦ جنيها تقريبًا وقت كتابة الدراسة»، وكانت توقعات البنك المركزى المصرى والبنك الدولى أن يكون السعر الحقيقى للجنيه يتراوح بين ١٣ و١٤ جنيها فى مقابل الدولار، فى ضوء انخفاض الإنتاج وقلة التصدير، وأنه سيصل إلى مرحلة التوازن حول هذا السعر، ولقد أدى نجاح الإصلاحات المالية والنقدية التى قام بها محافظ البنك المركزى، وأبرزها تحرير سعر الصرف إلى فتح الطريق لزيادة التدفقات النقدية، ووضع مصر على الطريق الصحيح لزيادة مواردها واحتياطيها النقدى من العملات الأجنبية، وهذا هو المحور الرابع من محاور سياسة الإصلاح الاقتصادى، ولقد كان شرطًا أساسيًا من شروط البنك الدولى للموافقة على منح مصر قرضًا قيمته ١٢ مليار دولار على ثلاث سنوات، أن تقوم مصر بتوفير ١٦ مليار دولار لسد العجز فى الموازنة خلال العام الأول، والشىء الجيد هو أن مصر استطاعت حتى نهاية فبراير ٢٠١٧ أن توفر ٢٠ مليار دولار، وهو رقم أعلى من الرقم الذى استهدفه صندوق البنك الدولى.
وقالت الدراسة: إنه على الرغم من البداية القوية والاستثنائية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، إلا أن هناك الكثير من التحديات أمام الاقتصاد المصرى، خاصة فى ضوء الدمار الذى لحق بالاقتصاد خلال الست سنوات الماضية، من ذلك على سبيل المثال سد عجز الموازنة، فلقد تضاعفت قيمة العجز مرات عديدة خلال هذه السنوات القليلة الماضية، وارتفاع مستوى الدين الداخلى الذى وصل إلى ١٠٠٪ من إجمالى الناتج المحلى، وهو مستوى لم تصل إليه دولة أخرى باستثناء لبنان وفنزويلا، وتشير بيانات النصف الأول من العام المالى ٢٠١٦ - ٢٠١٧ إلى أن العوائد لا تغطى إلا ٥٦٪ من قيمة الإنفاق، ووفق برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يستغرق ٣ سنوات، فإن عجز الموازنة سوف يصل نسبته إلى ما دون الـ٦٪ بنهاية هذا البرنامج.
وأكدت أن مستوى التضخم وصل إلى ٣٠٪، وهى نسبة عالية جدًا، وهى الأعلى منذ عام ١٩٨٩ فى مصر وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، الأمر الذى أدى إلى زيادة نسبة من هم تحت خط الفقر لتصل إلى ٢٨٪ من المصريين «٢٥ مليونا تقريبا»، وهو ما تتفاقم مشكلته فى ضوء ضعف البنية التحتية للاقتصاد المصرى.
وتشير الدراسة إلى أن العام الحالى هو عام إعادة التوازن للاقتصاد، وليس هو عام التعافى الكامل، فالاقتصاد المصرى يبدأ حاليًا من مستويات منخفضة للغاية، وعليه أن يقوم بالتوازن، غير أن المستقبل مبشر، فى ضوء إمكانيات مصر الحقيقية، وفى ضوء القدرة على إعادة الأمور إلى شكلها الصحيح، فى ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادى.