الإهمال والفساد.. كلمتان تلخصان ما آل إليه حال بحيرة البرلس، التى
تعد من أكبر بحيرات مصر، وتحتل المرتبة الثانية بعد بحيرة المنزلة، وتمتد حدودها
بين مراكز «سيدى سالم، مطوبس، الرياض، بلطيم البرلس»، ولكن للأسف تقلصت مساحتها من
١٣٠ ألف فدان إلى ٨٠ ألف فدان فقط بفعل فاعل.
فما بين الإهمال والتقصير والتواطؤ من جانب المسئولين، ومافيا
التعديات وسلبية الصيادين اغتيلت البحيرة وأصبحت فى خبر كان.
وحسب توصيف اللواء أحمد زكى عابدين محافظ كفر الشيخ السابق فى تلخيصه
لحالة البحيرة، قال: «لم يعد هناك من محمية بحيرة البرلس سوى اسمها فقط، وأصبحت
اسمًا على ورق».
فالبحيرة، التى كانت تغذى مصر بأجود أنواع الأسماك مثل «الدنيس
والقاروص والبورى والأحناش والبلطى»، انقرضت هذه الأنواع بعد أن استولى حيتان
الأراضى على مساحات شاسعة منها، قدرت بأكثر من ٥٠ ألف فدان على مدار أكثر من ٣٠
سنة، كان آخرها عقب ثورة يناير، حينما تم التعدى على نحو ١٥ ألف فدان، ورغم إزالة
العديد منها عليها إلا أن الحال يشبه لعبة القط والفأر، ما بين المتعدين والأجهزة
التنفيذية، فبعد إزالة التعديات يعود المتعدون مرة ثانية لما قاموا به.
يقول فكرى كمون «شيخ الصيادين» ببحيرة البرلس: إن أحد أسباب نهب
وتدمير البحيرة هو تعدد الجهات المسئولة عنها، التى تصل لـ٦ جهات، هى: وزارة
الزراعة ممثلة فى هيئة الثروة السمكية والرى والبيئة والوحدة المحلية ببلطيم
وديوان عام المحافظة وشرطة المسطحات المائية.
ويضيف «كمون»: تسبب تعدد هذه الجهات فى خراب البحيرة، مضيفًا أنه
يطالب بإعلان وفاة بحيرة البرلس كمحمية طبيعية حتى يستريح الجميع.
ويقول عبدربه الجزائرلى رئيس مجلس إدارة جمعية صائدى الأسماك بالبرلس
سابقا: إن مافيا الأراضى استولوا على البحيرة بأساليب عدة، ومعظمهم من خارج
المحافظة، خاصة من القاهرة الكبرى والإسكندرية، وبعضهم قام بمساعدة المستغلين فى
نهب أجزاء من البحيرة وإنشاء حوش وسدود حولها للسيطرة عليها وفتح منافذ لدخول
الزريعة الصغيرة، بالإضافة إلى زراعتها بالأسماك مثل المزارع الخاصة، رغم أن
البحيرة محمية طبيعية كما قام البعض الآخر باستئجار مساحات كبيرة من هيئة الثروة
السمكية بأسعار متدنية، ولا ندرى لمصلحة من ذلك.
وعن مشكلات الصيادين بالبحيرة، أكد رابح الشهاوى «صياد» من أهالى
البرلس، أن صغار الصيادين لم يعد لهم مكان فى البحيرة منذ سنوات طويلة، بعد أن
توزعت خيراتها على الكبار، وأصبح الصياد يسرح طوال اليوم ويعود بكيلو سمك، بعد أن
كان يعود بالخير، أصبح لا يجد ما يطعم به أولاده، لافتًا إلى أن معظم الصيادين
هجروا مهنة الصيد، وأصبحوا يهاجرون للعمل خارج البلاد فى رحلات الموت «الهجرة غير
الشرعية»، أو أصبحوا يمتهنون مهنًا أخرى غير مهنة الآباء والأجداد.
ولفت محمد النحاس «صياد» إلى أن معظم الصيادين الذين يعملون فى
البحيرة، يعملون على مراكب قديمة، خاصة أن أماكن الصيد نفسها تقلصت بعد زيادة
مساحة البوص بها بصورة غير مسبوقة، رغم إنفاق الملايين على تطهير البحيرة، الذى
يحتاج إلى أكثر من مليار جنيه.
بينما يسرد على أبوالعينين «صياد» إحدى مشكلات البحيرة، وهى صيد
الزريعة المغذية لأجود أسماك البحيرة القادمة من البحر المتوسط لبحيرة البرلس عبر
فتحة البوغاز من قبل مافيا الزريعة، الذين يقومون ببيع المصفاة الواحدة بـ١٠٠
جنيه، ويقدر وزنها ببيع كيلو فقط، فى ظل وجود شرطة المسطحات المائية بالقرب منهم،
الأمر الذى يحرم الصيادين من مصدر رزقهم.
وأكد المهندس فايد الشاملى، مدير عام البيئة بكفر الشيخ، أن أهم
المشكلات التى تعانى منها بحيرة البرلس هى مشكلة التلوث الناتج عن تصريف مياه مصرف
كوتشنر فيها، ويمثل ١٥٪ من منسوب مياه البحيرة، ويحتوى على السموم بسبب صرف عدد
كبير من مصانع المحلة وكفر الشيخ مخلفاتها الكيماوية به، وقال إن هناك أيضًا مصارف
٧ و١١ وناصر التى تصرف فى البحيرة أيضًا، وتمت المطالبة فى مذكرة لعدد من
المحافظين السابقين بوقف الصرف فى البحيرة، خاصة الصرف الصناعى، إلا أن حاجة
البحيرة لنسبة من المياه بسبب ارتفاع نسبة الطمى حالت دون ذلك، لافتا إلى أن
البحيرة تحتاج إلى الكثير وأهمها التنسيق بين الجهات المختلفة على أن تكون جهة واحدة
تتحمل كامل المسئولية فى النهاية.
يقول المحاسب طارق عامر، مدير العلاقات العامة بالثروة السمكية بكفر
الشيخ سابقًا: إن بحيرة البرلس تنتج ٥٤ ألف طن من الأسماك سنويًا من أنواع البلطى
والعائلة البورية والمبروك الذى يتم إلقاؤه فى البحيرة، لافتًا إلى أنه توجد حلقات
لتجميع الأسماك خارج البحيرة والاتجاه لبيعها فى الأسواق المحلية.
من جانبه، أكد اللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيخ، أنه بالنسبة
لمشاكل البحيرة فهى كثيرة ومتشعبة، ولكننا لم نقف مكتوفى الأيدى أمامها، لافتا إلى
أنه فى العامين الأخيرين تم اعتماد ٥٠ مليون جنيه من وزارة الإسكان لتطهير البحيرة
من البوص والحشائش، ورغم أن هذا المبلغ غير كافٍ، فإن الشركة المنفذة قامت بتطهير
مساحة شاسعة، وتم شن العديد من حملات الإزالة للتعديات التى وقعت على أراضى
البحيرة بعد الثورة، حيث شنت حملة مكبرة العام الماضى وحملتين هذا العام، وبالفعل
قامت بإزالة التعديات من آلاف الأفدنة، ومصادرة ٤٨ لنشًا ممنوع نزولها البحيرة،
وكثير من التعديات، كما تم ضبط عشرات القضايا لصيادين قاموا بصيد الزريعة، وتم
تسليمها لهيئة الثروة السمكية ومصادرة المعدات المستخدمة وإحالة المقبوض عليهم
للنيابة العامة.