تواجه بحيرة إدكو، الواقعة داخل زمام محافظة البحيرة، إحدى أهم البحيرات الطبيعية فى مصر، التى تبلغ مساحتها ١٧ ألف فدان، كارثة حقيقية تهدد بالقضاء على الثروة السمكية، نتيجة استمرار استقبالها لمياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى، دون أى معالجة طبقًا للمعايير والمواصفات العلمية، مما تسبب فى نفوق الأسماك وانقراض عشرات الأنواع من الأسماك.
وأصبحت بحيرة إدكو فى قبضة رجال الأعمال والمنتفعين بمساحات شاسعة عن طريق التعديات بمساحات تصل لمئات الأفدنة دون تحرك من المسئولين، وعلى الرغم من صدور عشرات الأحكام القضائية عن محكمة القضاء الإدارى، لإزالة التعديات لكن دون جدوى.
«البوابة» رصدت عددًا من الأزمات التى تهدد البحيرة عن قرب، إلى جانب مشاكل الصيادين ومعاناتهم اليومية فى البحث عن الرزق وسط تقاعس المسئولين بمحافظة البحيرة عن إنقاذ أهم البحيرات فى مصر، يضع «منصور خميس»، صياد، يده على الكارثة قائلا: «إن بحيرة إدكو تشهد فى الوقت الراهن كارثة حقيقة سواء باستمرار عمليات التلوث فى البحيرة الناتج عن عمليات الصرف إلى جانب التلوث الناتج عن عمليات التطهير والتكريك التى تقوم بها المحافظة، وترك المخلفات بالبحيرة، مما يؤدى لنفوق الأسماك».
«منصور» أضاف: «أن التلوث تسبب فى انقراض ٣٦ نوعًا من الأسماك لعدم قدرة تلك الأنواع على تحمل التلوث بمياه البحيرة فى ظل انخفاض منسوب المياه بها خلال الفترة الراهنة»، مشيرًا إلى أن البحيرة كانت تضم أنواعًا مختلفة من الأسماك مثل ثعبان البحيرة والقارومى والبوريو الطوبارة والدنيس والجمبرى، التى انقرضت تمامًا من البحيرة ولم يتبق سوى البطلى والقرموط فقط.
بينما أكد محمد بدر العقبى، صياد -٢٧ سنة، أن بحيرة إدكو يوجد بها حوالى ٢٠ ألف صياد، يتبعون مراكز إدكو وكفر الدوار وأبو حمص، وتعد البحيرة هى مصدر الرزق الوحيد لهم، مطالبًا بزيادة منسوب مياه البحيرة والعمل على تعميقها والاستفادة منها بالشكل المناسب، وتشديد الرقابة من جانب شرطة المسطحات المائية على الصيد الجائر للمخالفين والخارجين على القانون،؛ حيث يوجد بعض الصيادين من خارج إدكو يقومون بصيد الزريعة الصغيرة، وتوريدها لمصانع الأعلاف بسعر ألف جنيه للطن.
من جانبه، أكد «حسنى أبو المعاطى»، ٨٤ سنة، صياد، وعضو مجلس إدارة جمعية الصيادين بنمرة ٥ بإدكو، أن البحيرة تتعرض لكارثة تلوث بكل أنواعه وأشكاله، ويؤثر ذلك على الأسماك فى البحيرة، لافتًا إلى أن مجلس الجمعية خاطب هيئة الثروة السمكية أكثر من مرة لإخطارها بالوضع الراهن الذى تتعرض له بحيرة إدكو ولا حياة لمن تنادي.
فيما أكد «سامى عبده»، عضو مجلس إدارة جمعية الصيادين بإدكو، أن ورد النيل والبوص يغطيان ٨٠٪ من مساحة البحيرة، مشيرًا إلى أن ذلك يعيق عمليات الصيد من ناحية، ويترتب عليه نفوق الأسماك من ناحية أخرى.
ويضيف «أحمد السيد»، سكرتير جمعية الصيادين، أن بحيرة إدكو من أهم البحيرات فى مصر، وتقع فى موقع استراتيجي على بوغاز المعدية، قائلا: «إن هناك اعتمادًا لتخصيص ٤٤٠ مليون جنيه لتطوير بحيرة إدكو، وحتى الآن لم نر شيئًا لحماية أكبر محمية طبيعية لتربية الأسماك بالمياه العذبة والمالحة؛ حيث تهاجر إليها الأسماك البحرية أثناء فترة التكاثر لإنتاج الزريعة، نظرًا لكون البحيرة إحدى بحيرات مصر الشمالية التى بها اتصال مباشر بالبحر الأبيض المتوسط من خلال بوغاز المعدية.
وأكد سكرتير جمعية الصيادين، أن الكارثة تتلخص فى مياه صرف قرى ومراكز كفر الدوار وإدكو وأبو حمص فى بحيرة إدكو دون معالجة، مما يؤدى لنفوق الأسماك والكائنات الحية فى مياه البحيرة، وهى كارثة بيئية تهدد الثروة السمكية، مشيرًا إلى أن محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية أصدرت حكمًا بوقف الصرف الصحى والزراعى والصناعى على بحيرة إدكو دون إجراء المعالجة الكافية طبقًا للمعايير والمواصفات العلمية؛ حيث ثبت لهيئة المحكمة أن التقارير الفنية أثبتت ارتفاع تركيز «الفينول» و«الأمونيا» عن الحدود المسموح بها، وتركيز المعادن الثقيلة، وارتفاع المواد العضوية وانخفاض نسبة «الأكسجين»، فضلاً عن أن الشركات الصناعية تقوم بإلقاء مخلفاتها فى البحيرة من رشيد إلى خليج أبو قير دون معالجة.
وألزمت المحكمة الحكومة بإجراء تلك المعالجات على نفقة المخالفين، باعتبار أن التلوث يضر بصحة الإنسان والأسماك والبيئة، وأكدت كذلك أن البحيرات جزء مهم من النظام البيئى وأساس للتنوع الحيوى الاقتصادى والاجتماعى والسياحى، ومصدر للثروة السمكية والدخل القومى للبلاد، وحظر المشرع من تلويث أى مساحة منها.
وطالب السيد شرطة المسطحات المائية بالتصدى لمافيا الصيد المخالف للزريعة السمكية عند مدخل البوغاز، ومنع أعمال الصيد الجائر داخل البحيرة؛ حيث يستخدم البعض الشباك الضيقة لصيد الزريعة من أجل القضاء على الثروة السمكية وتجفيف البحيرة لصالح رجال الأعمال من أصحاب المزارع السمكية، مشيرًا إلى أن هناك تعديات تزيد على ٥٠٠٠ فدان على البحيرة، ولم تتم إزالتها حتى الآن.
وكشف تقرير الإدارة الصحية بإدكو والخاص بأخذ عينات من مياه بحيرة إدكو لتحليلها فى المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة، أن نتائج العينات التى أخذت من مياه البحيرة بمنطقة نمرة ٥ جاءت غير مطابقة للمعايير الواردة بالمادة ٥١ من القرار ٩٢ لسنة ٢٠١٣ الخاص بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون ٤٨ لسنة ١٩٨٢، وذلك لارتفاع نسبة كل من المواد الصلبة الذائبة التى لا تزيد على ١٠٠٠، وكذلك الأوكسجين المستهلك كيماويا، وكذلك لزيادة العدد الاحتمالى للمجموعة القولونية.