«انسف حمامك القديم».. هذا كان عنوان لإعلان تجارى لإحدى السلع والمنتجات، وهى السيراميك، بهدف الترويج لها خلال سنوات مضت وربما قبل ثورة ٢٥ يناير، على رأى أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، لأنها استبدلت بعد ذلك بعبارة «انسف نظامك القديم»، حيث تم إسقاط ونسف نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، حيث توقف هذا الإعلان بعد ذلك..
وعبارة «انسف حمامك القديم» من العبارات الخالدة فى أذهان ملايين المصريين، والتى تتردد على ألسنة المصريين فى مناسبات اجتماعية أيضًا، فعندما يرغب أحد الرجال فى الزواج الثانى يقال له «انسف حمامك القديم»، أى اترك وتخلّ عن زوجتك القديمة، أو زوجتك الأولى، وفى حال استبدال وتغيير مقر السكن إلى سكن جديد تتردد هذه العبارة أيضًا.. ومع مرور السنوات، تبدلت هذه العبارة، خاصة بالنسبة للراغبين فى العمل السياسى والحزبى والبرلمانى، وأيضًا للراغبين فى الجلوس على مقاعد الوزارة والمحافظين، وكل من سعى لتصدر المشهد السياسى والحكومى والجلوس فى مقاعد الصف الأول لكى تصبح العبارة الجديدة هى «انسف تاريخك القديم»، لأن وجود هذا التاريخ القديم سيكون عائقًا أمام رغبات هؤلاء الأشخاص لتحقيق أحلامهم.
وأصبح تولى المواقع التنفيذية والقيادية فى كل مجالات الدولة وجميع المؤسسات يعتمد على قاعدة «انسف تاريخك القديم»، وليس استنادًا إلى معايير الكفاءة والقدرة على القيادة، وغيرها من القواعد والمعايير الموضوعية المفروض تطبيقها فى عملية الاختيار، لبناء دولة مصر الحديثة الديمقراطية، ولكن هذه القواعد لم يعد معمولًا بها، وحلّت بدلًا منها قاعدة «انسف تاريخك القديم»، وهو ما شجّع الكثيرين إلى نسف تاريخهم القديم..
وهذه القاعدة لم تكن وليدة اليوم، بل ظهرت فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير، ولجوء بعض الشخصيات لنسف تاريخهم القديم للتقرب من قيادات المجلس العسكرى، رغم أنهم كانوا من أكثر المهاجمين لتلك القيادات قبل ذلك، وبعد انتهاء مدة المجلس العسكرى، قام بعض الأشخاص بنسف تاريخهم القديم للتقرب من جماعة الإخوان الإرهابية، وارتداء ثوب الجماعة، وإطلاق اللحى زيادة فى التقرب للجماعة..
والغريب أن الشخصيات القادرة على تطبيق قاعدة «انسف تاريخك القديم»، ولم يكن لهم دور يُذكر فى ثورة ٣٠ يونيو الخالدة التى أطاحت بالإخوان، بل وعدد منهم انضم إلى أحزاب قريبة من جماعة الإخوان وفكرها وتولوا مواقع قيادية بها قاموا بنسف تاريخهم القديم وأحدهم تولى موقعًا وزاريًا مستمرًا فى هذا الموقع حتى الآن..
وعندما أجريت انتخابات برلمان ٣٠ يونيو، سارع البعض بنسف التاريخ القديم، خاصة نواب القوائم بهدف إيجاد مقعد لهم تحت قبة هذا البرلمان، وحققوا ما أرادوا وجلسوا تحت قبة البرلمان، وتولوا مواقع برلمانية وحصدوا المكاسب والمغانم، لأنهم نسفوا تاريخهم القديم لتحقيق أحلامهم على حساب الآخرين.. ونسف التاريخ القديم لم يعد مقصورًا على تلك الشخصيات، بل امتد لكى يصل إلى نجلى الرئيس السابق مبارك، من جانب علاء وجمال، اللذين يظهران فى مناسبات اجتماعية، وآخرها سرادق العزاء لوالد أبوتريكة، ونسوا تمامًا التاريخ القديم لهم، رغم أن الشعب لم ينس هذا التاريخ القديم والمرير، ولا أحد يعلم ماذا يريد جمال وعلاء مبارك من وراء نسف التاريخ القديم..
فحزب «انسف تاريخك القديم» أصبح أكبر الأحزاب الآن على أرض مصر، لأن أعضاءه شقوا طريقهم نحو السلطة والنفوذ والمال، وتولوا مواقع وزارية وبرلمانية، وتصدروا المشهد الإعلامى، بل إن بعض برامج الفضائيات تساهم فى نسف التاريخ القديم لتلك الشخصيات وإظهارهم وجوهًا جديدة على شاشتها، تمهيدًا لعودتهم من جديد..
فقاعدة «انسف تاريخك القديم» أصبحت هى الورقة الرابحة فى أيدى الكثيرين ممن يتولون المواقع والمناصب على حساب مصريين أحق بهذه المواقع والمناصب، ولكنهم يتمسكون بتاريخهم القديم المشرف لهم، ولكن أصحاب التاريخ المشرف لم يعد لهم مكان الآن للمشاركة فى قيادة مصر سياسيًا وحزبيًا وبرلمانيًا وتنفيذيًا وإعلاميًا، وخطر حزب «انسف تاريخك القديم» يتساوى مع خطر الإرهاب على مصر.