كشفت دماء شهدائنا من المصريين المسيحيين التى سالت على أرض سيناء، خلال الأيام الماضية عن مدى ضعف وتفكك جماعات الإرهاب فى سيناء، فالهدف منها واضح وهو إعطاء انطباع كاذب باستمرار سيطرتها على الأرض، وهو هدف محض دعائى للتشكيك فى قدرة قواتنا المسلحة وجدوى عملياتها الموجعة فى قلب جبل الحلال، ومحاولة يائسة لإحراج الدولة وإظهارها بمظهر العاجز عن حماية أبنائها.
كما كشفت تلك الدماء الطاهرة النقاب عن إستراتيجية الذئاب المنفردة التى يحاول جنرالات الإرهاب فى سيناء استنساخها من العمليات الإرهابية التى شهدتها بعض الدول الأوروبية خلال العام الماضى. ويأتى فى ذات السياق قصف الجماعات الإرهابية لمدينة أشكول الإسرائيلية، عبر النقب المصرية، حيث أرادت تعقيد موقف الجيش المصرى ليبدو غير قادر على إحكام سيطرته بالمنطقة الحدودية، وذلك لخلق أزمة مُفتعلة، وكل ذلك يصب فى إحراج الدولة المصرية خارجيًا وداخليًا. يقينى أن الجيش المصرى بأجهزته المعلوماتية، قادر على صد هذه المحاولة اليائسة لاستنزاف الدولة سياسيًا، وأنه لن يسمح بأن تكون مصر مسرحا لمحاكاة العمليات الإرهابية فى أوروبا. لكن القضاء على الإرهاب لن يكون بسواعد قواتنا المسلحة فقط، فعلينا أن نعى أولًا أن كل الجرائم التى ترتكب ضد الإنسانية من حولنا، أبطالها أبناء ما يسمى بالإسلام السياسى، الابن الشرعى لأجهزة المخابرات التى أدركت فى وقت مبكر أثناء فترات الاحتلال أن تسييس النزاعات الدينية وتحويلها من مجرد عقائد إيمانية إلى أيديولوجيات يجعل من أصحابها إرهابيين لا محالة.
نعم حسن البنا وأفكاره تخلق فى رحم المخابرات الإنجليزية لذلك كان طبيعيًا أن يصبح أبًا لكل الإرهابيين، وصانعًا للإرهاب فى كل أنحاء العالم.
دماء شهدائنا من المصريين المسيحيين التى سالت على أرض الفيروز خلال الأيام الماضية ترجمة حرفية لما خلفه الإرهابى الأكبر حسن البنا من أفكار ورؤى تبلورت فى أذهان كل المُنتمين لتيار الإسلام السياسى بتنويعاته المختلفة كعقائد دينية مقدسة، وبات علينا ألا نخجل من ربط الإرهاب بهذا التيار العفن.
ليس ظلمًا أن يتلازم الحديث عن الحركات الإسلامية بالإرهاب، حتى لو كانت أجهزة مخابرات الدول الكبرى محركها الرئيسي، فذلك لا يعنى سوى أنها حركات تابعة وبلغتهم مجرد إمعات يعتقدون أن من مقتضيات الجهاد وإقامة دولة الخلافة التحالف مع الشيطان لحين إعلان الدولة الإسلامية الكبرى. وقبل أن يقول أحدهم إن الحكم على الإسلام السياسى بأنه إرهابى إدانة للإسلام كعقيدة، أذكرهم أن المسلمين جميعًا ليسوا على دين الإسلام السياسى. المسلمون الطبيعيون وهم الغالبية الكاسحة أناس طيبون يحبون الحياة ولا يكرهون المختلفين معهم فى العقيدة ويصومون ويصلون ويقومون الليل ويؤتون الزكاة ويحجون إلى البيت الحرام، لكنهم لا يضمرون الضغينة للعالم.
كل الحركات المنتمية لعباءة ما يُسمى بالإسلام السياسى دموية بطبيعتها ولا تلوح برايات السلام إلا فى حالات الضعف؛ لذلك من الخطأ موضوعيًا إضفاء طابع السياسة عليها.
ولو سميناهم إسلاميين، لكنهم فى شريعة الدين الحنيف ليسوا بمسلمين إلا من تاب منهم وأناب، وليأت من يرى غير ذلك بمثل، بجماعة واحدة ليس فى عقيدتها استباحة دماء المختلفين معها. إنهم لا يستبيحون فقط دماء غير المسلمين؛ فبالنسبة لهم دماء المسلمين من غير أهل السنة حلال، وكلنا يذكر جيدًا واقعة قتل الشيخ حسن شحاتة وأصحابه من المصريين الشيعة على يد الإرهابيين السلفيين مع نهاية العام الأول من حكم الجاسوس الإرهابى محمد مرسى. أظن أنه بات على الأزهر الشريف أن يراجع موقفه برفض تكفير الإسلاميين القتلة، فليس بعد قتل النفس التى حرم الله كفر، وإن أراد بموقفه هذا التعفف حتى لا يتدنى إلى مستواهم؛ فعليه أيضًا أن يتعفف عن ملاحقة كل مُجدد أو مجتهد أو باحث عن خطاب دينى خلو من فتاوى الكراهية والتحريض والتكفير.
كما أتصور أنه قد آن الأوان لتخرس ألسنة المروجين للتصالح مع جماعة الإخوان الإرهابية، وأن يخجلوا من أنفسهم ويكفوا عن وصفها كجماعة سياسية تدخل ضمن المعادلة المصرية، وإن كنت أشك فى ذلك؛ فبعضهم كتاب شابت رؤوسهم، لكن عقولهم لا تزال ترفل فى أحضان المراهقة الفكرية.