لماذا يعجز الخبراء عن توقُّع سعر الدولار؟ ما مستقبل سعر الصرف ومدى انعكاسه على المجتمع المصري؟ هذه بعض من الأسئلة التي تجول الآن بخواطر ملايين المصريين، وهؤلاء ليسوا من فئة المضاربين فى البورصة أو المدخرين بالدولار أو المستثمرين، لكنهم المواطنون العاديون الذين يعلمون جيدًا أن مستقبلهم وتفاصيل حياتهم صارت مرهونة بما يطلق عليه الخبراء "القيمة العادلة للدولار"، وما الذى سيستقر عنده السعر العادل للدولار، والذي شهد تغييرًا غير مسبوق بعد حالة الاستقرار النوعي التى عاشتها جمهورية مصر العربية منذ سبعنييات القرن الماضى بالمقارنة بالتغييرات الشديدة التي شهدها سعر الصرف في الأشهر الأخيرة في ظل القرارات التصحيحية للاقتصاد المصري.
الحقيقة أن هذه الأسئلة أيضا مرهون بها أسعار كافة السلع الغذائية الأساسية والبضائع المستوردة، وتلك التى تدخل فيها خامات أولية مستوردة، بمعنى أدق، مرهون به تكاليف المعيشة لأي أسرة مصرية بسيطة، وبالتالي فإن بات سعر الدولار حوارا يوميا فى كافة الأسواق، ومع كل هذا القدر من الاهتمام، عجز الخبراء والجهات البحثية، الحكومية والتابعة للبنوك، ومؤسسات المال والأعمال، سواء المصرية أو العالمية فى توقع سعر الدولار.
تتعدد الأسباب والتبريرات التي تثار عند كل تغيير سواء بالارتفاع أو الإنخفاض والحقيقة أن لم ينجح أحد حتى الأن في تحليل أسباب إنخفاض سعر الدولار، ولم يصل أحد إلى التكهن لأى درجة سينخفض السعر، ولا متى يعاود الصعود، ولا ما هو العامل المؤثر وأوضح مثال لذلك الزيادة التي وصلت إلى ما يزيد عن المائة بالمائة من السعر المعلن بالبنك أو حتى الإنخفاض الأخير الذى أطاح بما يزيد عن الخمسة جنيهات من سعر الدولار دفعة واحدة.
ولا شك أن هذا القدر من التضارب والغموض، فى تحليلات من يطلق عليهم خبراء الاقتصاد المصريين، المبنية في غالبيتها على أحاديث مرسلة دون معلومات مؤكدة، لا تستطيع أن تستنبط من أحدها أرقاما تدعم ما يؤكده أصحابها، أو بيانات تستند إليها فى تصديق نبؤتها، فهذا يرجع انخفاض سعر الدولار لإجازة رأس السنة الصينية، وذاك لأن المضاربين تخلوا عن دولاراتهم، والحكومة تؤكد أن الدولار فى طريقه لمزيد من الانخفاض نتيجة السياسات الصحيحة التي تتخذها، ولا شك أن الحكومة لم تستغل هذا المناخ المترقب والمتفائل فى الإفراج عن بعض البيانات المطمئنة عن حالة الاقتصاد المصرى.
ما أقوله: إن اللحظة الحالية دقيقة وحاسمة، وربما تكون بداية لتحديد " القيمة العادلة " للدولار، بعد أشهر من المضاربة واستغلال التجار لحركة الانتقال الكبير للسوق الحر، ولكن للأسف ربما يعاود الدولار الصعود مرة أخرى بسبب الغموض والتضارب فى إدارة المرحلة الإقتصادية الحالية من الناحية المعلوماتية للمواطن المصري، وبالتالي فإن الاقتصاد المصرى والسوق يحتاج بشكل مباشر إلى إجراءات حاسمة فى ضبط الأسعار، ويحتاج المواطن أن يشعر بأن هذا الانخفاض فى سعر الدولار الجمركى، وسعر الدولار فى البنوك له أثره فى أسعار السلع والخدمات التى يتلقاها، يحتاج المواطن أن يشعر أن ترشيده على مدار الأشهر الماضية قد أثمر تحسنا ضمنيا فى حالة الاقتصاد، والأهم من ذلك يحتاج المضاربون إلى عقاب رادع حتى لا يعاودوا التلاعب مرة أخرى، وأخيرا يحتاج المستثمر أن يراهن على دقة البيانات التى تصدرها المؤسسات البحثية والاقتصادية، وصدق توقعاتها، لأن تلك هى الضمانة أن مزيد من الاستقرار قادم فى الطريق إلى جمهورية مصر العربية، فلا يمكن أن نستمر في ترك توقع وتقدير الوضع الاقتصادي لجمهورية مصر العربية في أيدي ألمؤسسات الاقتصادية العالمية، رغم ما ثبت من أن بعضها يخفق ولا يمتلك القدرة على تقديم قراءة حقيقية للمشهد الاقتصادي.