الاغتيالات والاشتراكات وحرب الوكالة أبرز أشكال التشابه بين دولتى «الخميني» و«المرشد»
خبراء: «طهران» استغلت الربيع العربى لبسط نفوذها
ظلت العلاقة بين جماعة الإخوان «الإرهابية» وإيران تجمعها المصالح والهدف السياسى المشترك، وتفرقها معادلات القوة والضعف التى مرت بها الجماعة على مدار تاريخها.
برزت تلك العلاقة بشكل كبير أيام المعزول محمد مرسى، وذلك بزيارة عدد كبير من المسئولين الإيرانيين مصر، فضلا عن زيارة «مرسى» نفسه لإيران، وتصريح على أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيرانى الأسبق، ومستشار «خامنئي» فى ندوة عن «الحوزة الدينية والصحوة الإسلامية»، بمدينة «مشهد» الإيرانية، بأنّ «الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين جميع المجموعات الإسلامية».. وتفتح «البوابة» فيما يلى من سطور أوجه التشابه بين الجماعة ونظام الملالى.
المشروع الإسلامى
تؤكد المحطات التاريخية التى مرت بها «الإخوان» أنها تقود موجات «التشيع» فى مصر، انطلاقا من أدبياتها التى تُنظر لإيران وتشيّعها على نحو «متساهل»، طبقًا لمنهجها القائم على «حسن الظن بالمسلمين وعدم التدقيق على خلفياتهم العقائدية، خاصة إذا كانوا فى صراع مع القوى المعتدية على الأمة الإسلامية».
ويقول الدكتور محمد السعيد إدريس، أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، إن إيران و«الإخوان» يجمعهما المشروع الإسلامى وبناء الدولة الإسلامية الممتدة، رغم اختلاف المذاهب بينهما، واتخاذ إيران المذهب الإمامى على عكس الجماعة.
ويضيف لـ «البوابة»: «الإخوان تؤمن بالمشروع التوسعى مثل إيران لنشر دولة الخلافة الإسلامية القديمة، لتعيد أمجاد الدولة العثمانية التى بسطت نفوذها على العالم الإسلامى والغربي، كما أن أفكار حسن البنا مؤسس الإخوان ومفكرها سيد قطب أثرت بشكل كبير على الجمهورية الإسلامية فى إيران، وكذلك مفهوم الحاكمية فى مصر».
وتابع: «إيران تسرعت فى حكمها على ثورة ٢٥ يناير، عندما أعلن على أكبر ولاياتى وزير خارجية إيران السابق، أن على مصر أن تأخذ مبدأ ولاية الفقيه»، مؤكدا أن مواقف إيران من الثورة كان فيها تناقض كبير، ففى الوقت الذى أيدت فيه ثورة ٢٥ يناير وشجعت المعارضة عليها، واجهت بعنف مير حسين موسوى قائد الثورة الخضراء، والمرشح فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة، والذى وقف موقفا معارضا من نتائج الانتخابات، حين فاز أحمدى نجاد، وهو نفس التناقض الذى واجهت به إيران المعارضة فى سوريا، عندما وقفت بجانب الرئيس بشار الأسد ضد الثورة عليه.
رموز الجماعة تغازل «طهران»
لم تكف قادة ورموز جماعة الإخوان عن النظر لإيران على أنها محور الدعم المادى والعسكرى واللوجيستي، وهو ما برز جليا فى نظرة الرئيس التونسى راشد الغنوشي، المنتمى للجماعة، لإيران، فيقول فى كتابه «الحركة الإسلامية والتحديث»: «إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس التصور الشامل ينطبق على ٣ اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخمينى فى إيران».
ويتفق مع نظرة «الغنوشي» الداعمة لإيران، فتحى يكن، الزعيم الإخوانى اللبنانى الأسبق، والذى رأى أن مدارس الصحوة الإسلامية تنحصر فى ٣ مدارس: «حسن البنا، سيد قطب، الإمام الخميني».
وتعتبر حركة «حماس» المعروفة بانتماءاتها الإخوانية، من أبرز الحركات التى تتعاون مع إيران، وتتلقى منها الدعم المادى والعسكري، وهو ما أكدته الانتخابات الداخلية للحركة، والتى دفعت بصعود القيادى «يحيى السينوار»، أحد الصقور الأمنية، ليكون رئيسا للحركة فى قطاع غزة، ما يؤكد أنها ماضية فى تحالفها مع إيران، لإعادة حبال الود التى تقطعت على أعتاب الحرب فى سوريا.
يعكس ذلك تبنى «السينوار» اتجاهًا قائما على ضرورة العودة لمحور إيران و«حزب الله»، وهو ما أكدته تصريحات خالد القدومي، ممثل «حماس» فى إيران مؤخرا لصحيفة «مونيتور» عن استمرار الدعم الماليّ والعسكريّ الإيرانيّ للحركة، رافضا الإعلان عن حجم الدعم المقدم لها، وقال: «لا يمكن الحديث عنها، ولا يجب ذلك، لسريّتها وحساسيّتها، لكنّ الدعم السياسيّ والماليّ وحتّى العسكريّ المقدّم من إيران إلى حماس، لم يتوقّف».
ووقف مهدى عاكف، المرشد الأسبق لجماعة الإخوان موقفا مؤيدا لإيران، وقال فى تصريحات سابقة: «إيران لها الحق فى البرنامج النووي، حتى لو كان الهدف منه إنتاج قنبلة نووية، لامتلاك كل من أمريكا وإسرائيل وباكستان والهند، القنبلة النووية. هى دولة ذات سيادة ومن حقها أن تفعل أى شيء». كما أن «مهدي» لم يستنكر وجود خلية «حزب الله» عام ٢٠٠٩، وعلق قائلا: «مصر يجب أن تشكر حزب الله لا أن تحقق معه».
اغتيال الخصوم قاسم مشترك
التشابه بين إيران و«الإخوان» لا يقف عند حدود الدعم المادي، لكنه يمتد لقائمة الاغتيالات التى نفذها الطرفان، والتى تعود إلى الخمسينيات، عندما زار «مجتبى نواب صفوي» القاهرة والتقى قيادات الإخوان آنذاك.
وقبل مجيء «صفوي» لمصر أسس عام ١٩٤١ تنظيمًا شيعيًا مسلحًا يدعى «فدائيان إسلام»، تولى عددا من عمليات الاغتيال، أبرزها محاولة الاغتيال الفاشلة للملك الإيرانى محمد رضا بهلوي، ورئيس الوزراء عبدالحسين هجير عام ١٩٤٩.
وتمخض عن هذا التنظيم، الموالين لمؤسس النظام الإيرانى آية الله خميني، والذى كان على علاقات وطيدة بالإخوان منذ تأسيسها، وهو نفس النهج الذى قامت به جماعة الإخوان من اغتيالات لعدد من خصومها، والذى يتجلى فى تأسيس حسن البنا التنظيم الخاص «السري»، لمحاربة كل من خالفه الرأى.
واعتمد التنظيم الخاص للإخوان على ٤ قواد يعاونهم ١١ شخصًا، هم أعضاء الهيئة التأسيسية، وأبرزهم عبدالرحمن السندي، أحمد زكي، أحمد حسنين، أحمد عادل كمال، محمود الصباغ، مصطفى مشهور، أحمد الملط. وكانت البيعة لهذا التنظيم تتم فى منزل أحد القادة على المصحف والمسدس.
ونفذ التنظيم الإخوانى عددا من جرائم الاغتيالات شملت أحمد ماهر رئيس وزراء مصر فى ٢٤ فبراير ١٩٤٥، أثناء توجهه لمجلس النواب لإلقاء بيان، ومحاولة تفجير فندق الملك جورج الخامس، ومحاولة تفجير فندق الملك بالإسماعيلية، والذى كان يقيم فيه بعض أفراد الجيش البريطاني، وكذلك اغتيال القاضى أحمد الخازندار، رئيس محكمة استئناف القاهرة، بـ ٩ رصاصات، وهو المسئول عن فحص قضية تورط جماعة الإخوان فى تفجير دار سينما مترو، فضلًا عن اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى.
وإلى جانب التشابه فى «اغتيال الخصوم»، لا تترك «الإخوان» مناسبة للاحتفال بالثورة الإيرانية، إلا ويكون قادتها على رأس المشاركين، وهو ما برز فى حضور قيادات الجماعة الإسلامية فى لبنان، الذراع السياسية للإخوان، احتفالات الثورة الإيرانية.
«الاشتراكات» و«الخمس»
استغل الطرفان فكرة «الاشتراكات»، أو ما يعرف بـ «الخمس» لدى إيران، كأدوات لكسب الدعم المادي، والإنفاق على مشروعهم التوسعى.
وفى إيران تصل كل سنة مئات الملايين من الدولارات كسيولة مالية مباشرة، يسميه النظام الإسلامى الإيرانى «الواجب الشرعى للمسلمين تجاه المرجعية العليا للطائفة الشيعية فى العالم»، ويعرف بمفهوم «الخمس» عند فقهاء المذهب الشيعي، والذى يوجب على الأغنياء الشيعة دفع نسبة الخمس من أرباح رؤوس أموالهم لمراجعهم الدينيّة التى يوزّعونها بدورهم على وكلائهم عبر العالم.
وتستغل إيران تلك الأموال فى السياسة لبسط سيطرتها على المطامع الإقليمية وتوسعاتها وهنا يكمن الخطر، حيث تطوع أجهزة النظام الإيرانى هذه القيمة الدينية فى مسألة سياسية تخص المطامع الإقليمية والتوسعية.
وهو نفس الفكرة التى تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين فى جمع «الاشتراكات» من كل أسرة إخوانية للإنفاق على تحالفاتها ومشاريعها التوسعية، والذى واجه بصددها جماعة الإخوان عملية نصب كبيرة، مؤخرا، قادها رجل أعمال يمنى، سرق مليارى جنيه، وكشف عنها عز الدين دويدار القيادى الإخوانى المتواجد فى الخارج.
الزيارات المتبادلة
تجسدت قوة العلاقة بين «الإخوان» وإيران فى الزيارات المتبادلة بينهما، فوقت تولى محمد مرسى حكم البلاد، وجه دعوة إلى الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد للمشاركة فى مؤتمر إسلامي، وخطب فى جامع الأزهر الشريف، ليبادل الرئيس محمد مرسى المعزول نظيره الإيرانى بزيارة رسمية إلى بلاده عام ٢٠١٢ للمشاركة فى مؤتمر «دول عدم الانحياز» كأول رئيس مصرى يزور طهران بعد ٣٤ عامًا من الانقطاع.
وزار كذلك القاسمى سليماني، رئيس جهاز المخابرات الإيراني، القاهرة، أيام حكم «المعزول»، لمدة ٤ أيام، وأجرى خلالها محادثات مع مسئولين رفيعى المستوى فى الرئاسة المصرية، وجماعة الإخوان، وذكرت تقارير إعلامية غربية آنذاك أن «إخوان مصر» سعت للحصول على دعم سرى إيرانى لتعزيز سيطرتها على السلطة، وأن «مرسي» كان يسعى لتشكيل «حرس ثورى مصري».
ويوجد فى الإخوان جبهتان متضادتان تجاه العلاقة مع إيران، الأولي تضم يوسف ندا، الذى يقدم نفسه على أنه مفوّض العلاقات الخارجية للجماعة، والذى زار «طهران» عدة مرات، وله علاقة وثيقة بالطوائف الشيعية و«الإخوان» فى إيران، والجبهة الأخري أو الجناح الآخر يتزعمه محمود غزلان، وهو أقرب إلى السلفي، ويعارض التعامل مع إيران.
وعلق المفكر الشيعي، محمد الدريني، على تلك العلاقة، قائلًا: «الإخوان حظوا بدعم كبير من جانب إيران»، مؤكدًا أن «إيران كانت ترى فى الإخوان مجاهدين يسعون لتحقيق حلمها كإمبراطورية فى المنطقة، وتتفاوض عالميا معهم، وفى الوقت الذى توجه الاتهامات المشينة لآل البيت كانت تتعاون مع الإخوان، وتمولهم».