كانت ثورة ٢٥ يناير محصلة تفاعلات مركبة وتشبيكات معقدة، استمرت فترة طويلة من الزمن، وتضمنت انتقادات بالغة الحدة والعنف ضد النظام السلطوى المصرى، وانتهت هذه الانتقادات بالاتفاق على النزول إلى ميدان التحرير يوم ٢٥ يناير، وهو يوم عيد الشرطة.
وهكذا اندلعت الانتفاضة الثورية على يد شباب «الفيس بوك»، والتحمت بها جموع الشعب، فتحولت - بحكم الملايين المشاركة - إلى ثورة شعبية، قامت بغير قيادة وهدمت النظام القديم، وهى تحاول جاهدة بناء النظام الجديد.
وهكذا فقوة الانتفاضة الثورية التى قامت بغير قيادة معروفة مما ساعد على نجاحها، لا يعادلها سوى تشتت الممارسة الثورية الحالية.
وهذه الطاقات الهائلة للعنف أصبحت تعبر عنها ليست جماهير الثورة من الشباب الذين أشعلوا شعلة ثورة ٢٥ يناير فقط، ولكن مئات الآلاف من الشباب المحبطين الذين يعانون من البطالة ومن القهر الاجتماعى بكل صوره.
وهكذا أصبحت الحشود الجماهيرية التى تملأ ميدان التحرير وغيره من الميادين تضم - بالإضافة إلى شباب الثوار- مئات الآلاف من سكان الأحياء العشوائية الذين أصبحت ممارسة العنف الشديد ضد سلطات الدولة هي أسلوبهم فى الحياة، تعبيرًاعن تمردهم على أوضاعهم البائسة.
غير أن أخطر ما فى الظواهر الفوضوية التى تتم تحت شعار «المليونيات الثورية» هو إذكاء روح العداء المطلق بين المتظاهرين ورجال الأمن، وخلق فجوة تتسع باستمرار بين الطرفين، وكأن هناك ثأرا لا بد من تنفيذ أحكامه.
وقد جبنت القوى السياسية على اختلاف مشاربها فى النقد العلنى الصريح لغوغائية الشارع، التى باتت تهدد أمن المواطنين، وتسهم فى خراب البلاد من خلال تقويض أركان الدولة.
ويشهد على كل ذلك ما كان يدور فى ميدان التحرير حيث تغلق الطرق، وتوقف حركة سير السيارات فى أحد مفاصل العاصمة الكبرى، وأخطر من ذلك الاعتداء على الممتلكات العامة، ومحاولة الزحف إلى مقر وزارة الداخلية لاقتحامه، كل ذلك والزعامات السياسية مشغولة بالانتخابات التى تسعى التيارات الدينية للسيطرة المطلقة عليها، لتأسيس حكم ديكتاتورى جديد باسم الدين هذه المرة!
سقوط النظام القديم وتنحى الرئيس مبارك
ولو تأملنا دلالة الثورة المصرية التى قام بها الشباب يوم ٢٥ يناير، والتحمت بها جموع الشعب المصرى بكل فئاته الاجتماعية وأطيافه السياسية، لأدركنا مصداقية ما ذكرناه بأنها فى الواقع تمثل ذروة الاحتجاج الثورى ضد النظام السلطوى المصرى السابق الذى قاده الرئيس السابق، «محمد حسنى مبارك» وأعوانه من السياسيين الذين أفسدوا الحياة السياسية، ورجال الأعمال الذين نهبوا الثروة المصرية، ومثقفى السلطة الذين كانوا يبررون كل القرارات المنحرفة والفاسدة التى تصدر عنها.
وهذا الاحتجاج الثورى العنيف الذى أدى إلى إسقاط النظام وتنحية الرئيس السابق ثم محاكمته هو ورموز نظامه محاكمة علنية شهدتها الملايين، سبقته احتجاجات سياسية متعددة.
وتمثلت هذه الاحتجاجات فى ظهور حركات سياسية جديدة قررت النزول إلى الشارع لتحريك الجماهير، بدلًامن النقاشات العقيمة داخل الغرف المغلقة، وعوضًاعن المساومات التى كانت تبرمها أحزاب المعارضة المستأنسة مع النظام السابق.
ليس ذلك فقط، بل ظهرت احتجاجات اجتماعية عنيفة قام بها العمال والموظفون مطالبين فيها بحقوقهم الاقتصادية، والمالية المهدرة. ونجحت بعض هذه الاحتجاجات فى إجبار الحكومة على الرضوخ لطلبات من قاموا بها.
كانت هذه الحركات السياسية والاحتجاجات الجماهيرية توجه ضرباتها العنيفة الموجهة لدعائم الأسس الراسخة للنظام السلطوى، ثم جاءت ثورة ٢٥ يناير لتقضى على النظام القديم بضربة حاسمة، بعد أن رفعت الشعار الذى ذاعت شهرته فى أرجاء العالم من بعد «الشعب يريد إسقاط النظام».
غير أن الاحتجاج الثورى الذى مثلته ثورة ٢٥ يناير لم يتوقف بعد حدوث الثورة، وذلك لأن هذه أول ثورة فى التاريخ لم يتح فيها لمن قاموا بها أن يحكموا مباشرة.
ومن المعروف أنه بعد تنحى الرئيس السابق «مبارك» أوكلت مهمة إدارة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير «طنطاوى»، والذى أشرف -عبر مسيرة متعثرة طوال المرحلة الانتقالية التى تلت سقوط النظام القديم- على عملية التحول الديموقراطى.
لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، بل بداية سلسلة من الاحتجاجات الثورية التى لم تنقطع منذ قيام الثورة، والتى اتخذت شكل المظاهرات «المليونية» فى ميدان التحرير أساسا، وفى غيره من ميادين العواصم الأخرى.
eyassin@ahram.org.eg