الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التجارة في التعليم الجامعي الخاص «2-1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أصبحت التجارة فى التعليم الجامعى الخاص من الأمور البديهية التى تحدث أمامنا فى وضح النهار، دون أن يحرك أحد ساكنًا، رغم أن التعليم لا يزال هو القضية الأكثر تأثيرًا وخطورة فى المجتمع، والتى أكد عليها مرارًا وتكرارًا الرئيس السيسى فى خطاباته للشعب، إذ يغير التعليم العماد الأساسى للتنمية البشرية، خاصة التعليم العالى الجامعى وبالتحديد الجامعات والمعاهد الخاصة، التى بدأت تتكاثر وتنتشر فى الفترات الأخيرة مثل انتشار النار فى الهشيم منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى، ولا تزال مستمرة حتى الآن، أى مر عليها أكثر من ٢٠ عامًا وتضم أكثر من ٣ ملايين طالب وطالبة، حتى أصبحت تجارة رابحة مضمونة المكسب السريع لأصحابها الذين حصلوا على آلاف الأفدنة مجانًا لإقامة صرح تعليمى يدر عليهم المليارات سنويًا دون تعليم حقيقى يذكر لها، فى ظل غياب تام للإشراف الحكومى عليها حيث إن فلسفة هذه الجامعات والمعاهد العليا هى فلسفة سلبية، ربما تضر بالمجتمع أكثر من نفعه اذ تقوم على الربح كهدف رئيسى، ولا تخدم إلا أثرياء هذا البلد والوافدين العرب والاجانب فقط وتعمل على تمكينهم من التمتع بامتيازات خاصة مقابل جنى الأرباح الطائلة ،وهذه الفلسفة تناقض جذريا مع ما حدده قانون سنة ١٩٩٢ لتنظيم عمل الجامعات الخاصة فى مصر، حيث نص القانون على عدم استهداف هذه الجامعات للربح.
ولكن الواقع العملى لهذه الجامعات والمعاهد الخاصة يقول إنها أصبحت معظمها مجرد «دكاكين «لبيع الشهادات الجامعية فهذه «الدكاكين» يتخرج منها جيل من الشباب غير مؤهل لسوق العمل ولا يمتلك أدواته العملية واذا عدنا قليلا قبل ثلاث سنوات من الان مثلا سنجد فضائح كثيرة لا تعد ولا تحصى للجامعات الخاصة، منها من أعلن عن بيع الوهم للطلاب، بادعاء توقيع الجامعة الخاصة اتفاقية مع جامعة أجنبية دون علم الوزارة المختصة تماما ومن ثم حصول الطالب الخريج على شهادتين مصرية وأجنبية مثل فضيحة الجامعة الخاصة الشهيرة بالمقطم التى نشرت وقائعها جريدة اخبار اليوم آنذاك وبموجبها تم تحويل أربع عمداء كلياتها للنيابة بل ألزمت الجامعة برد المبالغ المالية التى حصلت عليها من الطلاب بالمخالفة!
كانت هناك مقولة شهيرة للدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى الأسبق فيما يتعلق بوزارة التعليم العالى قائلا: «لو تعرفوا كم الفساد اللى فى وزارة التعليم العالى يغمى عليكم»، فبهذا الفساد تأخرت مصر للمركز ١٤١ من ١٤٤ دولة فى مؤشر جودة التعليم الجامعى بتقرير التنافسية العالمية لعام ٢٠١٤ الصادر من منتدى الاقتصاد العالمى، كما جاء ترتيب مصر فى المركز الأخير ١٤٤ فى مؤشر جودة إدارة المؤسسات التعليمية. وبالنسبة للمعاهد العليا الخاصة فهناك مخالفات عديدة للمعاهد العليا رصدتها تقارير التعليم العالى، تبدأ من عدم وجود كوادر مؤهلة للتدريس للطلاب ولم يحصلوا على دورات تنمية قدرات وجودة وأخلاق وضمائر أحيانا ، وانتداب أعداد محدودة جدا من أعضاء تدريس الجامعات للقيام بتلك المهمة، وتمتد إلى ظواهر الغش الجماعى فى الامتحانات، وانتشار الدروس الخصوصية وبيع الاسئلة الامتحانية أحيانا ! وتعمد ادارة المعاهد والجامعات الخاصة اختيار العمداء الذين لا يعارضون ممارستهم الخاطئة، بل يعتمدونها من منطلق «انتظار ذهب المعز» والسماح لهم بتعيين أبنائهم بها! بالإضافة إلى قبول أعداد كبيرة من الطلاب بما يفوق طاقة المعاهد الحقيقية أو الجامعة بشكل يستحيل معه إكمال أركان العملية التعليمية استغلالًا لقرار مجلس شئون المعاهد بزيادة أعداد المقبولين بكل معهد ١٠٪ عن الأعداد التى حددها القطاع فى العام السابق، بالرغم من عدم تقديم أى إثباتات تؤكد توفر أعضاء تدريس، لهذا الكم من الطلبة فقد تلجأ بعض المعاهد إلى عدم إفادة وزارة التعليم العالى باستقالة عضو هيئة التدريس بها بالرغم من تقديمه الاستقالة للمعهد فعليا وحصوله على اخلاء طرف من المعهد الا أن الاخير لا يبلغ الوزارة بذلك حتى يتسنى لهم الحصول على عدد كبير من الطلاب بالمخالفة للواقع، وربما تشارك الوزارة نفسها فى هذا الأمر! وربما يحدث هذا تحت سمع وبصر بعض موظفى الوزارة ويفعل هذا ايضاً مع المجلس الأعلى للجامعات! ولكن على أى حال هذه هى المعاهد والجامعات الخاصة، التى على الرغم من المكاسب المادية الهائلة التى تحققها، والتى تفوق أحيانًا موازنات دول، فى ظل تراجع فرص قبول طلاب الثانوية والشهادات المعادلة لها بالجامعات الحكومية، فإن خضوعها لتشريع قانونى منفصل عن منظومة الجامعات الحكومية والأهلية، وإسناد الرقابة عليها لمجموعة من الموظفين المستفيدين منها بشكل أو بآخر حولها إلى مجرد «دكاكين» تصدر شهادات عليا.
فنحن فى مصر استوردنا الشكل الغربى للجامعات الخاصة لكننا لم نأخذ مضامينها، لذا فلن يتطور التعليم الجامعى الخاص والحكومى والبحث العلمى، إلا إذا آمنت القيادة السياسية بجدواهما لمستقبل مصر ونأمل أن تضع الحكومة هذا فى قانون الجامعات الجديد وما عداه محض أمنيات طيبات لأناس طيبين!