الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الكواليـس السـرية للشـرق الأوسـط «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعانى منطقة الشرق الأوسط من فوضى مدمرة منذ فترة زمنية طويلة، وحالة من عدم الاستقرار، فقد وصف علماء الاجتماع السياسى الأوضاع المتغيرة فى تلك المنطقة بأنها «كالرمال السياسية المتحركة»، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط تعانى من صراع الدول العظمى عليها، وتشهد صراعات وخلافات معقدة داخل المنطقة، كما أن مجتمع الشرق الأوسط يمر بمرحلة انتقال عسيرة من مجتمعات ما قبل الحديثة، لتشهد مع التحولات الراديكالية فترة ولادة متعسرة للحداثة العربية. 
من هنا تأتى أهمية التعرف على ما حدث، ولا يزال يحدث خلف الكواليس فى منطقة الشرق الأوسط، التى حاول الأكاديمى والسياسى الروسى البارز، وأحد رموز الحقبة السوفيتية، «يفيجنى بريماكوف» أن يكشفها فى كتابه شديد الأهمية بعنوان «الكواليس السرية للشرق الأوسط: النصف الثانى من القرن الحادى والعشرين وبداية القرن الحادى والعشرين» والذى نقله من الروسية إلى العربية الدكتور نبيل رشوان والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٦. 
يقول بريماكوف: رافقت الرئيس بوتين فى زيارة للشرق الأوسط فى مايو عام ٢٠٠٥، والتى تحدث فيها بحسم إلى القادة الفلسطينيين والإسرائيليين عن ضرورة التخلى عن الأعمال الإرهابية وعما هو ليس أقل منها خطورة وهو التنكيل، بسببها بالمواطنين الأبرياء. 
كان للإرهاب الذى يمارسه الطرفان المنخرطان فى النزاع الشرق أوسطى عدد من الملامح الخاصة: أولا كان «الإرهاب الشرق أوسطى» بطبيعته سياسيا، ولم يأخذ أشكالا دينية. ثانيا، لم يخرج عن الإطار الإقليمى، وحتى ما حدث منه خارج منطقة الشرق الأوسط كان يستهدف الطرف الآخر من طرفى النزاع الشرق أوسطى. على سبيل المثال محاولة الاعتداء على السفير الإسرائيلى فى لندن والتى قامت بها مجموعة أبى نضال أو اغتيال قادة بارزين من منظمة التحرير فى أوروبا. وكان هناك الكثير من العمليات الإرهابية ضد «رفاقهم» ممن لم يوافقوا على سياستهم فى بعض المجموعات الإرهابية. وقد تميزت فى هذا الخصوص المجموعة التى كان يرأسها صبرى البنا، المعروف باسم أبى نضال، والذى أعلن أن قادة منظمة فتح التى يقودها عرفات خونة، وبدأت مجموعة أبى نضال فى تصفيتهم. هذه المجموعة كانت تنفذ أوامر صادرة من الاستخبارات العراقية مباشرة، وعندما تمركزت فى سوريا ارتبطت بالاستخبارات السورية، وعندما استقرت فى ليبيا ارتبطت بالمخابرات الليبية، ثم عادت المجموعة إلى العراق قبيل الغزو الأمريكى له، وهناك أنهى أبونضال حياته بالانتحار. وبعد قيام ثورة ٢٣ يوليو بدأ الرئيس عبد الناصر اتفاقا سياسيا مع لندن لإنهاء ٧٤ عاما من الاحتلال البريطانى، وحققوا نجاحا، فقد تم توقيع اتفاق فى أكتوبر ١٩٥٤ ينص على الانسحاب الكامل للقوات الإنجليزية. فى ذلك الوقت سادت بين صفوف قيادة «الضباط الأحرار» فكرة التعاون مع الولايات المتحدة، هذه الفكرة جاءت مناسبة للولايات المتحدة، فهذه الأخيرة كانت تسعى لأن تحل محل إنجلترا التى أصابها الضعف فى الشرق الأوسط، وكانت تسعى لاستغلال النظام الجديد فى مصر لتحقيق مصلحتها فى ذلك. 
فى مايو عام ١٩٥٣ قام وزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس بزيارة للقاهرة، فى الوقت الذى وعدت فيه الدبلوماسية الأمريكية بالوساطة لتحقيق الجلاء عن القواعد الإنجليزية الموجودة فى منطقة قناة السويس، قوبلت المساعى الأمريكية بالشكر من قبل «الضباط الأحرار» الذين كانوا يسعون إلى إنهاء كامل للوجود العسكرى الإنجليزى فى مصر. وبدأ تنفيذ برنامج المساعدات الأمريكى لمصر وقيمته ٥٠ مليون دولار سنويا، وبدأ المسئولون الأمريكيون ورجال السياسة ورجال الأعمال يحجون إلى القاهرة بانتظام. 
وأدرك الكثيرون بما فى ذلك فى القاهرة، أن جون فوستر دالاس وفق كلمات الكاتب المصرى المعروف «هيكل»، كان يسعى لحصار الاتحاد السوفيتى «بالغبار الدينى» عن طريق تحالفات عسكرية وسياسية. ويجب القول إن الأمريكيين ولمصلحة المواجهة مع الاتحاد السوفيتى قاموا بعد زيارة دالاس للقاهرة بتقديم مشروع مغرٍ لمصر والدول العربية الأخرى متمثلا فى إقامة حلف عسكرى من الدول العربية والإسلامية ممثلة بتركيا وباكستان فقط. وحقيقة زيارة وفد عسكرى برئاسة على صبرى عام ١٩٥٣ للولايات المتحدة لا يعطى أساسا للاعتقاد بأن هذا المخطط كما يقال كان مرفوضا على «عجل» من المصريين. لكنهم ربطوا موقفهم بإمكانية شراء أسلحة أمريكية، التقى على صبرى مع رئيس برنامج البنتاجون للمساعدات الخارجية العسكرية الجنرال أولمستد الذى فضل الحديث عن فائدة الحلف الإسلامى مرة أخرى بشكل مجرد، حينها لفت أنظار الوفد المصرى تحديدا إلى أهداف الحلف بشكل واضح .. من الممكن أن يكون له تأثير كبير على مسلمى الاتحاد السوفيتى والصين». وصل الجنرال فى حديثه إلى أن ما يحتاجه من المسلمين فى هاتين الدولتين هو «إنشاء طابور خامس»، وفى الواقع كان المصريون ينتظرون شيئا آخر من المقابلة!!.