يعد الكاتب المسرحي والشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو من أهم كتاب عصر النهضة في أوروبا، وواحدًا من رواد المسرح الإنجليزي، حيث حرر المسرح من ضوابط الشعر المقفى باستخدامه الشعر المرسل في مسرحياته، فمهد الطريق لشكسبير ومن جاءوا من بعده، بينما كانت حياته نفسها ضبابية إلى حد كبير.
ولد مارلو في 6 فبراير عام 1564 - وهو نفس العام الذي ولد فيه الأديب الأشهر عالميًا وليم شكسبير - في ضاحية كانتربري البريطانية، وتلقى تعليمه في مدرسة الملك، ثم التحق بكلية كوربس كريستي في كامبردج، والتي كانت حينذاك مركزًا فكريًا مرتبطًا بمؤسسات القوة والنفوذ السياسي، وحصل على منحة مدتها ست سنوات لدراسة علم اللاهوت، وحصل هناك على الإجازة عام 1584، ثُم اختير باحثًا في بلاط الملكة إليزابيث الأولى، وتمكن من نيل درجة الماجستير في عام 1587.
انتقل مارلو بعد إنهاء دراسته إلى العاصمة لندن، حيث كتب الشعر والمسرح، وعاش حياة صاخبة، إذ اصطدم مع القضاء في قضايا ومشاجرات عدة، وكان قلقًا، عنيف الطباع، وأسس مع مجموعة من الأدباء والمفكرين المعارضين ما أطلق عليه "حلقة رولى" التي عرف عنها تداول الأفكار التقدمية المتطرفة المعارضة للدين والدولة وميلها إلى المواقف ذات الطبيعة العلمية والعلمانية؛ وبسبب انتمائه إلى تلك المجموعة وعمله في الوقت نفسه لمصلحة الحكومة، لم يعرف أحد أبدًا ولاء مارلو الحقيقي، فهناك من رأى أنه أخلص الولاء للملكة، ومنهم من اتهمه بالتعاطف مع الكاثوليك والتآمر معهم ضدها، وربما هذه الحياة المزدوجة التي عاشها العبقري الانجليزي كانت سببًا في اغتياله.
وعلى الرغم من قصر حياته الأدبية كتب مارلو كثيرا من المسرحيات والقصائد التي جذبت الجمهور آنذاك وأثرت في معاصريه من الكتاب، ولا يعد أحد تواريخ محددة لكتابة نصوصه المسرحية حيث نُشرت معظمها بعد وفاته، ومنها مأساة "ملكة قرطاج" و"تيمورلنك" التي حققت شعبية عند عرضها على مسرح "الروز" الذي احتضن معظم مسرحياته، وكتب مسرحيته الأبرز "مأساة الدكتور فاوست" عام 1589، ولكنها لم تنشر حتى 1604 وقد اقتبسها مارلو من أسطورة العالم الألماني فاوست الذي باع روحه للشيطان مقابل علم غير محدود، أما "يهودي مالطا" فقد كتبت بين عامي 1588 و1590، والمسرحية التاريخية "مأساة الملك إدوارد الثاني" في عام 1590، وعرضت أول مرة عام 1593، وكانت مصدر إلهام لشكسبير ومعاصريه حين حول مادة تاريخية إلى مسرحية تعالج موضوع الصراع بين الرغبة والعاطفة والحكمة من جهة، والسلطة من جهة أخرى، وكتب أيضًا "مذبحة في باريس" صور فيها لعبة السياسة والمؤامرات والقتل.
كان مارلو مطلوبا لحضور مجلس الشورى بوصفه عضوا فيه إلا أنه غاب عنه وقضى ويومه مع ثلاثة نبلاء في حانة ديبتفورد حيث نشب شجار على من سيدفع الفاتورة وقيل: إن مارلو سحب خنجرا على أحدهم إلا أنه أمسك به ولكمه لكمة مميتة على عينه اليمنى أودت بحياة المبدع الذي لم يُكمل بعد عقده الثالث، وبعد يومين من مقتله تم دفنه في مقبرة مجهولة.