لا أدرى، ما السبب حتى الآن فى عدم صدور القرارات الجمهورية، لوضع قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام موضع التنفيذ، وتشكيل الهيئات الثلاث للإعلام والصحافة بعد مرور شهرين على صدور هذا القانون، وانتهاء مجلس النواب من مهمته التشريعية، ورحيل المجلس الأعلى للصحافة والمنتهية مدته منذ شهور طويلة، وهى الأمنية التى يتطلع إليها جموع الصحفيين، خاصة بالصحف القومية، لما أصاب هذه المؤسسات الصحفية القومية من كوارث وأزمات مالية وإدارية غير مسبوقة على يد هذا المجلس، دون أن يسارع رئيسه وأعضاؤه بتقديم استقالتهم بدلًا من التمسك بالمواقع والكراسى.
وبالتأكيد، فإن مجلس النواب هو الآخر شريك فى المسئولية، بشأن عدم تشكيل تلك الهيئات حتى الآن، لأنه لم يعلن عن أسماء مرشحيه فى الهيئات الثلاث طبقًا للقانون، ولا يعلم أحد داخل المجلس وخارجه سر تأخر هيئة مكتب مجلس النواب فى إعلان الأسماء المختارة وإرسالها إلى رئاسة الجمهورية لإصدار القرارات الجمهورية، رغم أن عملية الاختيار لا تحتاج كل هذا الوقت من الزمن.
ونفس الحال لرئيس مجلس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، الذى لم يبادر بإصدار قرار تشكيل مجلس مؤقت لنقابة الإعلاميين لاختيار من يصلح للانضمام لعضوية المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام وإن كان المبرر هو انشغال رئيس الوزراء بالتعديل الوزارى، فقد انتهى من التعديل الوزارى، وليس هناك أى مبرر لعدم إعلان هذا التشكيل، إلا إذا كان هناك اتفاق غير معلن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على استمرار هذا الوضع الغريب والمريب.
والغريب أنه رغم صدور القانون الجديد، فإننا أمام ازدواجية تشريعية وقانونية فى ظل قانون تم إلغاؤه، خاصة بالمجلس الأعلى للصحافة وقانون جديد بإنشاء الهيئة الوطنية للصحافة، حيث من المعروف أن القانون اللاحق ينسخ ويلغى القانون السابق، وكان من المفترض أن يبادر ويعلن رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للصحافة تجميد عمل هذا المجلس لحين تشكيل الهيئة الجديد، ولكنهم استمروا فى عملهم متمسكين بالمناصب والمقاعد والمزايا والمخصصات..
وياليت المجلس الأعلى للصحافة قد مارس دوره على أكمل وجه، أو حتى مارس دوره على نصف أو ربع وجه، طبقًا للاختصاصات والمهام الواردة فى قانون سلطة الصحافة، ولكنه تقاعس عن أداء هذا الدور ولم يمارس أى مهمة، بما فى ذلك متابعة ومحاسبة القيادات الصحفية التى أوكل إليها مهمة إدارة تلك المؤسسات الصحفية، التى شهدت تدهورًا ماليًا وإداريًا غير مسبوق.
فالمجلس الأعلى للصحافة، وهو الحارس الأمين على المؤسسات الصحفية القومية فرط فى الأمانة وأساء اختيار من يصلح لقيادة وإدارة تلك المؤسسات، وعجز عن سداد ودفع مستحقات الصحفيين المحالين للمعاش، ولم ينفذ الأحكام القضائية الصادرة ضده، بل ضرب بهذه الأحكام عرض الحائط، وشارك فى مهمة إهدار سيادة القانون وهيبة الدولة.
وياليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل وصل الى قيام رئيس هذا المجلس، وهو النقيب السابق للصحفيين، إلى تقديم بلاغات للنائب العام ضد زملاء صحفيين بسبب توجيه انتقادات له ولمجلسه وعدم الشفافية فى الكشف عن مصادر إنفاق ميزانية المجلس، والتى بلغت هذا العام نحو ٣٩٠ مليون جنيه، وإعلان كشف حساب أمام جموع الصحفيين لإبراء ذمته..
ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، بدلًا من الرد والتوضيح، وكشف الحقائق، والاحتكام إلى الجماعة الصحفية، قرر اللجوء إلى الطريق الآخر، وهو طريق التقاضى والسعى لحبس الصحفيين والانتقام منهم، تحت شعار الدفاع عن سمعته، والادعاء بأنه لم يحصل على مليم واحد منذ رئاسته للمجلس الأعلى، بعكس الحقيقة التى يعرفها مراجعو الجهاز المركزى للمحاسبات.
ونسى، أو ربما تناسى، رئيس المجلس الأعلى أن صفته كرئيس للمجلس الأعلى قد زالت منذ لحظة نشر وإصدار القانون الجديد للتنظيم المؤسسى للإعلام والصحافة طبقًا لمبادئ وأحكام محكمة النقض، وأنه يعد حاليًا منتحلًا هذه الصفة فى ممارسة الأعمال والمهام التى يقوم بها، ومنها تقديم البلاغات ضد الصحفيين، لأن الصفة اللصيقة به الآن هى رئيس المجلس الأعلى للبلاغات.