أثار مشروع قانون المنظمات النقابية العمالية الذى قدَّمته الحكومة للبرلمان، سخطًا بين القيادات النقابية والعمالية والمنظمات العمالية المحلية والدولية، مؤكدين أن مشروع القانون يخالف المواثيق والاتفاقيات الدولية التى وقَّعت عليها مصر ويخالف الدستور.
القيادات النقابية أوضحت أن القانون اشترط تشكيل نقابة بـ100 عامل|، وتشكيل نقابة عامة من 30 ألف عامل، وتشكيل اتحاد نقابي من 300 ألف عامل، وهذه ضروبٌ من الخيال لا تتحقق على أرض الواقع، إضافة إلى أن القانون ألغى حق النقابات في التقاضي، على عكس المشروع السابق الذى أعطى النقابات حق التقاضي، نيابة عن أعضائها وخلق تمييزًا واضحًا بين النقابات التابعة للاتحاد الحكومي والنقابات المستقلة رغم أنها أنشئت بشكل سليم قانونًا، مضيفين أن القانون ضدّ الحريات النقابية.
وفى بيانٍ صادر عن منظمة العمل الدولية طالبت بتعديل قانون المنظمات النقابية؛ لما به من مواد تعيد الاحتكار النقابي مستقبلًا، مؤكدة أن القانون يعترف فقط بالنقابات التى أنشئت حسب القانون 35، مطالبة بمراجعة القوانين لتتوافق مع المعايير الدولية.
وأضاف البيان أن مشروع القانون الجديد يشترط 100 عامل لتشكيل نقابة، و30 ألف عامل للنقابة العامة، و300 ألف لإنشاء إتحاد نقابي، وهذا يخالف الاتفاقية 87 ويعد احتكارًا للتمثيل النقابي.
لكن ما أبرز نقاط الخلاف فى القانون؟ السؤال أجاب عنه محمد أحمد سالم، رئيس الاتحاد الاقليمي لنقابات الدلتا، قائلًا: إن وزارة القوى العاملة سبق أن قامت بإدخال بعض التعديلات على مشروع القانون قبل إرساله لمجلس النواب، وبعد تلقِّيها ردَّ منظمة العمل بجنيف وردّ مجلس الدولة على الصيغة النهائية التى خرجت من مجلس الوزراء، إلا أن التعديلات التى قامت بها الوزارة جاءت غير متوافقة مع الدستور بما يهدد القانون بشبهة عدم الدستورية وعدم توافقه مع معايير الحريات النقابية التي وردت بالمعاهدات الدولية التي حرص الدستور على تأكيد التزام جمهورية مصر العربية بها، وأهمُّها الاتفاقية لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق العمال فى تنظيم نقاباتهم، والتى صدَّقت مصر عليها فى 6 نوفمبر 1957.
وأضاف سالم أن هناك كثيرًا من المواد عليها خلاف بالقانون، أوَّلها المادة الثانية والتى تنص على "تحتفظ المنظمات النقابية العمالية القائمة وقت العمل بالقانون بشخصيتها الاعتبارية التى اكتسبتها بالقانون وتستمر فى مباشرة اختصاصها وفقًا لأحكام القانون المرافق"، وهنا لم تُشِر المادة إلى المنظمات النقابية التى اكتسبت شرعيتها وفقًا لبيان الحريات الصادر من وزارة القوى العاملة فى مارس 2011 التزامًا بتنفيذ أحكام الاتفاقية 87، ومفاد ذلك أن مشروع القانون المقدَّم يُهدر حق النقابات التى تأسست منذ 6 سنوات واكتسبت شخصيتها الاعتبارية وفقًا لمحاضر الإيداع المعتمَدة من الوزارة، والتى تم بموجبها فتح حسابات بالبنوك ووجدت نقابات حقيقية غير تابعة للاتحاد الحكومي.
وتابع سالم أن المادة "1" من مشروع القانون، والتى تعرِّف المنظمة النقابية العمالية بأنها كل تجمُّع نقابي عمالي سبق تشكيله واكتسابه الشخصية الاعتبارية وفقًا للقانون واحتفظ بتلك الشخصية على النحو الوارد بالمادة الثانية من مواد الإصدار، وقد جاءت تلك المادة لتؤكد نفس ما أوضحته المادة الثانية من الإصدار وبنفس المعنى أنه لا يتم الاعتراف بالنقابات التى تأسست وفقًا لبيان الحريات أو الاتفاقية 87، مضيفًا أن تعريف الاتحاد النقابي هو كل تجمُّع يتم تكوينه من عدد من النقابات العامة على مستوى الدولة، ومن ثم ففي تلك المادة عودة للنظام الهرمي القديم والذي تأسست على خلافه اتحادات مستقلة تعتمد على اتحادات إقليمية وجغرافية ونوعية، رافضة العودة للنظام الهرمي الذى فُرض على العمال طوال 60 عامًا، وهكذا تأتي المواد 4 و6 و12 و14 و16 كلها ترتكز على فكرة إجهاض النقابات المستقلة، والتى جاءت بإرادة عمالية لصالح الاتحاد الحكومي ونقاباته التى أتت بإرادة حكومية وبقرارات منها، مضيفًا أن كل ذلك لا يصب فى صالح البلاد واقتصادها واستقرارها.
من جانبه رأى طلال شكر، القيادي العمالي والنقابي، أن مشروع قانون المنظمات النقابية يعيد إنتاج نفس الأحكام التى كانت موجودة بالقانون 35 والذى يحتكر العامل النقابي ويعامل النقابات الموجودة بشكل تمييزي، حيث جاء في أحد مواده أن النقابات التى تأسست وفقًا لأحكام القانون ستصبح مستمرة، وأن النقابات الجديدة ستكون وفقًا للقانون الجديد، وهذا يُعَدّ تمييزًا، مضيفًا أن النقابات بعد 2011 تأسست وفقًا للاتفاقيات الدولية التى يعتبر كل اتفاقية منها قانونًا ساريًا لا يتوقف سريانه فى مصر، موضحًا أنه إذا كان القانون 35 به قصور ويخالف الحريات النقابية فلا يمكن تطبيقه على النقابات التى نشأت مؤخرًا.
وأردف شكر أن مشروع القانون يشترط أعدادًا كبيرة لتأسيس نقابة لا تقل عن 100 مؤسِّس بما يعوق حرية تأسيس النقابات، وقد اعترضت منظمة العمل الدولية على هذه الأعداد، موضحًا أن القانون يعطي الحق للوزير في أن يُعِدّ لائحة نموذجية ولم يقل إنها استرشادية، فكان لا بد للقانون أن يذكر أنها غير مُلزِمة وأنها مجرد نموذج فقط، إضافة إلى أنه أعطى للوزير حق التدخل فى تحديد مَن يصبح عضو نقابة، وهذا ليس من اختصاصه.
ومن عيوب القانون قال شكر: إنه لم يطرح للحوار المجتمعي مع كل النقابات، لكنه تمّت مناقشته فقط مع الاتحاد الحكومي، متجاهلًا النقابات المستقلّة والقيادات العمالية النقابية وأصحاب العمل، وهذا عوارٌ بالقانون، إضافة إلى أن الأبواب "الثالث والرابع والخامس" تجعل الوزير يتدخل فى لوائح النقابة رغم أنه حق النقابة الأصيل، إضافة إلى أن الانتخابات تتم تحت إشراف الوزير، وهذا ليس من حقه، ولكن من حق النقابة الشرعي ولا يفرض عليها عمل انتخابات تحت إشرافه، مؤكدًا أنه لو صدَر القانون بهذه الطريقة ودون تعديل سيصبح غير دستوري؛ لأنه يمنع وجود حرية نقابية تدافع عن حقوق العمال ويخرج نقابات ضعيفة وينحاز لأصحاب العمل على حساب العمال، مشيرًا إلى أن النقابات القوية تحلُّ نزاع العمل دون اللجوء لأساليب أخرى، كما أن المادتين 76 و93 من الدستور مُلزِمة لمن يقدم القانون والبرلمان أن يخرج قانونًا متوافقًا ولو خرج بهذا الشكل سيكون غير دستورى.
فيما يرى صلاح الأنصارى، القيادى النقابى العمالى، أن أبرز مساوئ مشروع قانون المنظمات النقابية يتمثل فى أنه ألغى حق النقابات فى التقاضى على عكس المشروع السابق الذى أعطى للنقابات حق التقاضي نيابة عن أعضائها ولكنهم أزالوا هذه المادة فى المشروع الجديد رغم أنه حق دستوري وحق أصيل للنقابات أن تدافع عن أعضائها فى منازعات العمل الجماعية، كما أن القانون لم يساوِ فى المراكز القانونية بين اتحاد نقابات عمال مصر والنقابات المستقلة، وسمح للاتحاد العام القائم أن ينظم أوضاعه مع القانون، بينما وضع شرطًا للنقابات الجديدة أن توفق أوضاعها مع القانون، وهنا يوجد تمايز واضح.
ولفت الأنصاري إلى أن القانون قيّد النقابات الجديدة بحيث تكون النقابة العامة من 30 ألفًا، والاتحاد يكون عدده 300 ألف، وهذا قيد، ومن المفروض أن القانون ينظم وضعًا قائمًا ولا يقيِّده، بمعنى أن النقابات أنشئت وأودعت أوراقها فى الجهة الإدارية، ولها جهة شرعية ولا يجوز تقييدها بأعداد محددة لإلغائها، كما حدّد أن تكون اللجنة النقابية من 100 عضو، ومصر بها كثير من المصانع التى يقل عمالها عن 100 عضو، وهذا يؤدى إلى إقصاء العمال الذين يعملون فى مصانع عددها قليل، وخاصة فى القطاع الخاص؛ لأن الحق فى التنظيم النقابي مكفول باتفاقية دولية وقّعت مصر عليها، ومن المفترض أن يبيح القانون تسهيل إنشاء النقابات ولا يعرقلها.
واختتم الأنصارى: "بعد الأزمة الأخيرة للنائب محمد أنور السادات وبعد إزاحته أو عرقلته أصبحنا فى وضع حرج وأصبحت أغلبية البرلمان ليست فى صالح العمال".