إيه الحكاية؟
منها لله الست «تصاعدية».. هل تسمحون لى دام فضلكم أن أصدع أدمغتكم، عفوًا، للأسبوع الثالث على التوالى، ونواصل الدردشة حول هذه الضريبة التى طواها النسيان، أو قُل التجاهل المتعمد، فى دواوين الحكومات المتعاقبة؟.
تعالوا «نربط» الأشياء ببعضها، حتى نتمكن من «فك» ألغاز كثيرة، قد يراها البعض تعبيرًا عن حالة من الغموض، فيما أراها «حسب نظرى بالنضارة الطبية» أمورًا واضحة وضوح الشمس فى عز نهار أغسطس، رحمنا الله من حرارته وأنعم عليكم بالدفء الجميل.
●●●
كان ياما كان يا سادة يا كرام.. كان فى تصريح مهم لرئيس الوزراء، فى بداية توليه المسئولية للمرة الأولى، يقول فيه عن الضريبة التصاعدية: «مقتنع بها بس مش كل شوية نغير فى النظام الضريبى».. يا سبحان الله، بماذا تسمى سيادتك ضريبة القيمة المضافة؟ هل كانت تغييرًا فى النظام الضريبى لدولة معرفش إيه؟ وهل الكلام الذى صاحبها فى البرلمان وفى الصحف وفى الأوساط السياسية والاقتصادية، كان عن ضريبة تركية من فعل الشيطان أردوغان مثلًا؟.
إشمعنى؟!.. ولماذا يا مولانا «الكيل بمكيالين»؟ ليه فى «المضافة» وغيرها كان الإسراع؟ وليه فى «التصاعدية» ترفعون شعار: «إركنها على جنب»؟
«جملة مستعارة من مقال سابق: قلنا عايزين أفكار من خارج الصندوق، فإذا بنا «ننحشر» جوه الصندوق».
●●●
هل يمكن أن نختلف على «أستاذية» الدكتور على عبدالعال؟ حاصل على دكتوراه الدولة فى القانون من جامعة باريس مع مرتبة الشرف، خبير دستورى بمجلس الشعب، عضو لجنة الخبراء العشرة التى تولت مراجعة الدستور وتدقيقه و«تظبيطه»، قبل أن يطرح للاستفتاء فى يناير ٢٠١٤.
ولكن ما علاقة رئيس البرلمان بحكاية الضريبة التصاعدية؟.. العلاقة متينة وقوية.. إرجعوا بالذاكرة قليلًا إلى أولى جلسات البرلمان التى شهدت مبارزات قانونية بين على عبدالعال وبين عددٍ من النواب، أشهرهم المستشار سرى صيام الذى تقدم باستقالته من المجلس، ليكون «أول نائب معين يستقيل».. المهم أن رئيس البرلمان كان يحسم الجدل بقوله: «لو سمحتم.. أنا اللى مراجع الدستور وحافظه»، وهو بالطبع معه الحق كل الحق ولم يخالف الواقع إطلاقًا.
وطالما أن سيادته، فعلًا، مراجع الدستور، فإننا نستأذنه ونستأذنكم.. تعالوا نطالع معًا صفحات الدستور.. نمر سريعًا على الديباجة، ونتخطى مواد الباب الأول لنصل إلى الباب الثانى وعنوانه «المقومات الأساسية للمجتمع»، وبرضه نترك الفصل الأول بعنوان «المقومات الاجتماعية»، ونمسك بأيدينا وأسناننا فى الفصل الثانى ويتناول المقومات الاقتصادية، ونتوقف وقفة ضرورية، ولا أقول احتجاجية، عند المادة ٣٨، ومن دون أن أطيل عليكم نكتفى بفقرات منها:
- «يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية». «خلى بالك من كلمة العدالة الاجتماعية».
- «.. ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر، وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقًا لقدراتهم التكليفية..».
أيها السادة.. ده نص الدستور.. أقسم بالله العظيم إنه نص الدستور وبركة سيدنا النبى هو بعينه الدستور.. فماذا أنتم فاعلون؟.
الدستور لم يصدر علشان الرقص أمام اللجان وأغانى فلان وعلان، مع احترامنا للرقص والأغانى.. الدستور لم يصدر لنركنه على الرف فيعلوه التراب وتأكله الفئران.. الدساتير تصدر ليتم تطبيقها والسير على هداها كالسير على الصراط المستقيم، فهى ليست «فازة» نزين بها أركان الدواوين والمكتبات.. أفتونا أفادكم الله.. نعمل إيه ياجماعة فى نص دستورى معطل بفعل فاعل حكومى مع سبق الإصرار والترصد وسط حالة من «الصمت المطبق»، لا أسكت الله حسًا لمسئولينا وخبرائنا ومن سار على دربهم الميمون بإذن الله؟.. وماذا نقول لروح عمنا سيد حجاب الذى كتب فى ديباجة الدستور: «نحن نكتب دستورًا يجسد حلم الأجيال بمجتمع مزدهر متلاحم، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد.. نكتب دستورًا نغلق به الباب أمام أى فساد ونرفع الظلم عن شعبنا الذى عانى طويلًا.. نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز».. هل يمكن أن نعيد قراءة الفقرة ونركز على «دولة عادلة.. نرفع الظلم.. يحقق المساوة»؟.. الله يرحمك عزيزى الغالى سيد حجاب.
●●●
فقرة ليست خارج السياق
كانت الاصطباحة أمام عينى منذ يومين.. طوابير ممتدة وزحام لا مثيل له أمام مكاتب التموين فى محافظة الجيزة، ولعلها كانت أيضًا فى مواقع ومحافظات أخرى، تسأل فتأتيك الإجابة: «رحنا نصرف العيش لقينا البطاقة موقوفة.. الفرن قالت روحوا مكتب التموين نشطوا البطاقة».. وبعدين؟.. فى مكتب التموين قالوا لنا توجهوا إلى أقرب مكتب بريد وابعتوا لنا حوالة بعشرين جنيه، عملنا الحوالة ورجعنا للتموين فقالوا لنا: «فوتوا علينا بعد ٤٥ يومًا»!!!.«التلات علامات تعجب من عندى أكتفى بها لضيق المساحة».
معقول يا ناس؟ يعنى الراجل رايح الفرن يجيب كام رغيف للعيال، ليجد نفسه فى «حيص بيص» ودماغه تروح وتيجى، ليبحث عن مخرج من المأزق، فإذا به يجد نفسه وقد ألقت به ألاعيب الحكومة فى حفرة بلا قرار.. عشرين جنيهًا تعنى ٤٠٠ رغيف كان يمكن أن يحصل عليها على مدى عدة أسابيع طبعًا، لكن حقه ضاع منه، وسوف يستمر الضياع لأكثر من ٤٥ يومًا، ثم نسمع كلامًا لا أول له ولا آخر عن الاهتمام بالغلبان الشقيان.
●●●
أيها السادة.. كفاية كده.. وسلامًا على الصابرين.