لم أشأ أن أتناول القضية التى شغلت اهتمام الكثير من المثقفين خلال الفترة الماضية؛ وهى استبعاد الدكتور سيد خطاب من رئاسة قصور الثقافة وعدم التجديد له فى رئاستها لمدة عام آخر؛ إلا بعد انقضاء فترة الضباب التى أحاطت بالموضوع، حتى لا يكون لرأيى أى تأثير على صانع القرار، وحتى يحظى موقفى بطابع التجرد باعتباره شهادة فى حق رجل غادر منصبه، ولم يعد يتمتع بأبهة المناصب الحكومية المعروفة.
كلماتى هذه يمكن أن تكون مجرد أسئلة تسعى للكشف عن دهاليز وكواليس اختيار القيادات فى وزارة الثقافة، ومنح هذا الرجل بعضًا من حقوقه، خاصة أن ما حدث قد يرقى إلى عملية اغتيال تعرض لها أكثر من مرة على مدار عدد من المرات، تولى خلالها بعض المناصب فى الوزارة.. فعلى الرغم من قيام الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، بمخاطبة أكاديمية الفنون التى ينتمى إليها خطاب بالتجديد له، وبناء عليه اجتمع قسم الدراما والنقد ووافق بالإجماع على خطاب الوزير، إلا أن اللحظات الأخيرة من صناعة القرار شهدت تغييرًا دراماتيكيًا باستبعاد خطاب، فى موقف يعيد إلى الأذهان ما حدث مع الدكتورة نيفين الكيلانى، رئيس صندوق التنمية الثقافية.
وقد عرفت سيد خطاب منذ سنوات عندما تولى الرقابة على المصنفات الفنية قبل الثورة، وخرج منها بعد الثورة بسبب موقفه من مسلسل تقدم به أحد الكتاب، الذى أهان خلاله عددًا من رجال نظام مبارك بالاسم، فى إطار الانفلات الذى كان يأخذ حيزًا من الواقع الفنى، وعندما اعترض خطاب على الموقف، مشيرًا إلى أنهم رغم المآخذ السياسية عليهم، إلا أنهم فى نظر القانون، ما زالوا متهمين تمت تبرئة أغلبهم فيما بعد- ولا يجوز وصفهم بأمور يعاقب عليها القانون إلا بعد حكم قضائى بات، ورفض الكاتب فكرة تغيير أسماء المتهمين، وما كان من وزير الثقافة وقتها إلا أن أقال خطاب، بعد ضغوط كبيرة مورست عليه.
هذا الموقف السابق لم يختلف كثيرًا عن إقالة خطاب فى عهد الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والذى دفع منصبه ثمنًا لمعركته مع خطاب، ولعدد من الأخطاء الإدارية الأخرى، والقصة معروفة.
زرت «خطاب» فى مثل هذه الأيام من العام الماضى، فور توليه رئاسة هيئة قصور الثقافة للمرة الثانية، ووجدته أكثر نضجًا وإلمامًا بملفات الهيئة المتضخمة، من فترة رئاسته الأولى؛ وحدثنى كثيرًا عما يعانيه من مشاكل لا تعد ولا تحصى على جميع الأصعدة، بوقائع محددة، ووضع كامل تركيزه فى تغيير دماء الهيئة العجوز، بالاستعانة بقيادات شابة وغير متكلسة، وهو ما دفع ثمنه من ظهور عداوات كثيرة مع عدد ممن تم تغييرهم أو تأثرت مصالحهم بتغيير المنظومة السابقة؛ إلا أن نتيجة ما حدث ظهرت على مستويات عدة، كانت على رأسها إدارة النشر بالهيئة، والتى بدت فى ثوب جديد لم يسبق له مثيل منذ إنشائها بعد أن كانت الإدارة تعانى من الموات طوال أعوام مضت، وقدمت عددًا من أمهات الكتب التى باتت الساحة الثقافة فى أمسّ الحاجة إليها.
أما على مستوى إدارة المسرح، فمن المتوقع أن تظهر ثمار جهوده الأسبوع المقبل مع بدء عروض الموسم الجديد على خشبات مسرح الثقافة الجماهيرية، وقد تم الاستعداد له عبر شهور طويلة، اتخذ خلالها خطوات عديدة ليجدد شباب الإدارة من أهمها حظر إنتاج أى عرض تم تقديمه من قبل فى محاولة لدفع المخرجين لاكتشاف الكتاب الجديد، وتقديمهم إلى الساحة المسرحية.
أعترف أننى منحاز لتجربة سيد خطاب فى الثقافة الجماهيرية، وهنا أود التنبيه إلى أننى لا أنحاز إليه لشخصه، وإنما للتجربة نفسها، فما تم إنجازه خلال الفترة الماضية على أصعدة عديدة، لا ينبغى على أحد جاء من بعده أن يقوم بمسحه طبقًا للقانون الفرعونى القديم، بل يجب استكماله والبناء عليه.