قبل أيام أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تحذيرًا للحكومة الأمريكية من تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، وعنونته بأن هذا الإجراء "سيضرّ بجماعات أمريكية، ويخنق الديمقراطية في الخارج"، وبمراجعة قراءة البيان الذى وجهته المنظمة للوقوف على ما استندت عليه تلك المنظمة من مبررات لهذا التحذير شديد اللهجة والمبالغ فيه لم أجد أى شيء سوى مجموعة من المغالطات، وسلسلة طويلة من تجاهل للحقائق والمعلومات المؤكدة بشأن مدى إرتباط تلك الجماعة الإرهابية بالتهديدات الإرهابية وجرائم غسل الأموال.
كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد وافقت في وقت سابق على النظر في طلب جمهورية مصر العربية باعتبار الجماعة منظمة إرهابية، حيث يمنح قانون اتحادي وزير الخارجية سلطة واسعة لإدراج أي جهة أجنبية "كمنظمة إرهابية أجنبية"، حالما تؤكد وزارة الخارجية مشاركتها في "نشاط إرهابي" وامتلاكها "القدرة والنية" للقيام بذلك، وأن ما ستقوم به يهدد مواطنين أمريكيين أو الأمن القومي للولايات المتحدة، ويسمح القانون بإصدار أمر تنفيذي متصل للحكومة باعتبار الأفراد أو الجماعات التي تساعد المنظمات إرهابية أو "المرتبطة" بها "إرهابيين مطلوبين دوليًا"، ويتم تجميد أصولهم يوفر القانون حماية محدودة للمدرجين ضمن القائمة، ويأتي موقف الإدارة الأمريكية الجديدة في إطار رؤيتها المساندة للحرب على الإرهاب، وقد قدمت جمهورية مصر العربية فى هذا الصدد كل المعلومات التى تثبت تورط الجماعة بشكل مباشر فى دعم وتمويل وتنفيذ العمليات الإرهابية فى سيناء، وأظن أن الإدارة الأمريكية قد توافرت لها من المعلومات والبيانات ما يثبت تورط الجماعة بشكل مباشر فى عمليات مماثلة أو أكثر دموية فى العديد من بقاع العالم ومنها بالأخص سوريا، وليبيا، أى أن دراسة الوضع على الأقل واتخاذ الخطوة المبدئية بوضع الجماعة فى التصنيف الذى يليق بها بات أمرًا محسومًا وبوثائق حكومية.
ومن المعروف أن الجماعة الإرهابية تمول أنشطة أنصارها من خلال مكاتبها بالخارج فى لندن وإسطنبول وعدة عواصم أوروبية، لما توفره لها هذه البلدان من حرية حركة واسعة، وبيئات آمنة لنقل الأموال والدعم، مادامت عملياتها بعيدة عن العواصم الأوروبية، وهو أمر عانت بسببه دول مثل سوريا والعراق وليبيا كثيرًا فى مكافحة الأنشطة الإجرامية للجماعة، وصحيح أن الجماعة لا تملك مكاتب باسم الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي استندت عليه منظمة هيومن رايتس ووتش فى بيانها بإدانة القرار، لكنها تملك نفوذًا متزايدًا على مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدنى، والمنظمات والمؤسسات –والتي لا نستبعد أن تكون منظمة هيومن رايتس ووتش واحدة من بينها- وهى مؤسسات تشارك فى الضغط على الإدارة الأمريكية، التى باتت تستشعر الخطر من نمو الجماعة المتزايد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقدرتها على التأثير على دوائر صنع القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن رغم ذلك تنكر المنظمة المشبوهة، التى طالما أشبعتنا تقارير من هذا النوع والتي يغيب عنها دائمًا الحقائق والمعلومات، وتتبنى مواقف الإخوان دون مواربة، فقد قررت لورا بيتر، المستشارة الأولى في الأمن القومي الأمريكي في منظمة هيومن رايتس ووتش فى البيان بأن إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية: "سيؤدي تصنيف جماعة الإخوان المسلمين "كمنظمة إرهابية" إلى مساواتها خطأ بجماعات متطرفة عنيفة كـ"القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، وسينزع الشرعية عن أنشطتها القانونية، سيؤثر إدراجها ظلمًا على كل شخص يُزعم انتماؤه للجماعة، ويقوّض ممارسة الحقوق السياسية في الخارج".
والغريب أن مثل هذه التنظيمات انبثقت بالأساس عن جماعة الإخوان المسلمين التى تبنت خطاب العنف رسميًا حتى السبعينيات، وهو أمر أشارت له المنظمة فى شرح الخلفية التاريخية للجماعة، لتعود وتؤكد تخلى الجماعة عن هذا الخطاب واستبداله بالعمل المدنى.
ورغم اختلاف الخطابات الإعلامية للتنظيمات الثلاث، لكن الهدف واحد، والتعاون بينهم لا ينقطع، ولا أدل على ذلك سوى ما شهدته جمهورية مصر العربية خلال عام من حكم الجماعة، والأمثلة لا تحصى على التعاون الواضح بين هذه التسميات الثلاث.
ورغم أن القوانين الأمريكية تسمح لمن يشتبه فيه خطأ بالطعن على قرار الحكومة بتجميد أصوله، إلا أن المنظمة رأت أن مثل هذا القرار إضرارًا "بالجمعيات الخيرية أو جماعات الحقوق المدنية أو أفراد من هذه الجماعات يُشتبه في وجود صلات لهم بالإخوان المسلمين"، وهو اعتراف ضمنى من المنظمة بأنشطة هذه الجمعيات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخطرها المتزايد الذى ترصده أجهزة الأمن الأمريكية.